باريس- “القدس العربي”: قالت صحيفة لوموند الفرنسية إنه بعد الكشف عن ترسانة من الإجراءات في نهاية أكتوبر لتجفيف تربة الإسلام الراديكالي على الساحة الداخلية، يعتزم رئيس الدولة توسيع نطاق تحركاته لمكافحة الجهاد على الساحة الدولية.
فبعد أسبوع من الهجوم الإرهابي في نيس الذي نفذه مهاجر تونسي غير نظامي وراح ضحيته 3 أشخاص، أظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استعداده لمحاربة الهجرة غير النظامية بشكل أفضل، من خلال تكثيف الرقابة على مختلف حدود فرنسا؛ حيث صرح قائلا: “قررنا مضاعفة القوات التي سيتم نشرها على الحدود بزيادتها من 2400 إلى 4800”، وذلك خلال الزيارة التي قام بها هذا الخميس إلى نقطة العبور الرئيسية بين إسبانيا وفرنسا.
هذه الخطوة يرى المتابعون والمحللون السياسيون أنها طريقة من الرئيس الفرنسي لتكييف استجابته مع “التهديد المتطور”، في أعقاب الاعتداءات الثلاثة التي تعرضت لها فرنسا في غضون نحو شهر ونُسبت جميعها إلى مهاجرين أجانب: باكستاني (أمام المقر السابق لمجلة شارلي إيبدو الساخرة)، وشيشاني (قطع رأس المدرس صامويل باتي)، وتونسي (اعتدى على مصلين في كنيسة بمدينة نيس).
فهذه البروفايلات الثلاثة لهؤلاء الشباب المهاجرين، تبرر بحسب الرئيس إيمانويل ماكرون تصلباً من السلطات الفرنسية، معتبراً أنه من المحتمل أن تكون هناك “أعمال إرهابية” يمكن أن يرتكبها أشخاص يستخدمون تدفقات الهجرة لتهديد التراب الوطني الفرنسي.
كما شدد ماكرون على ضرورة أن تكون هناك “رقابة أكبر” على الحدود الخارجية لأوروبا، موضحا أنه “يؤيد” إجراء إصلاح “معمق” لقواعد منطقة شينغن وتشديد المراقبة عند الحدود؛ وقال إنه يعتزم “طرح” المقترحات الأولى في هذا الاتجاه في المجلس الأوروبي المقرر عقده في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ولتبرير دعوته لاتخاذ إجراءات أوروبية مشتركة ضد الإرهاب، أشار ماكرون مرة أخرى إلى منفذ هجوم نيس، الذي وصل إلى أوروبا بشكل غير قانوني عبر جزيرة لامبيدوزا الإيطالية في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي. كما أشار إلى الهجوم الإرهابي الذي وقع في فيينا يوم الإثنين الماضي والذي ارتكبه مواطن نمساوي من مقدونيا الشمالية. وهو دليل، بحسب الرئيس الفرنسي، على أن “خطر الإرهاب موجود في كل مكان”، وأن على أوروبا ”تصعيد ردها” لمحاربة هذا العدو المشترك، ولا سيما من خلال تحسين التعاون الاستخباراتي.
واعتبرت لوموند أن الالتزام المتزايد للرئيس الفرنسي ضد الإرهاب على الساحة الدولية يتضح من خلال خطاباته المتكررة بشكل متزايد حول هذا الموضوع. فقد سارع إلى التغريد على تويتر بعد اعتداء فيينا، قائلا: “لن نستسلم”. وأدان “بأشد العبارات” الهجوم الذي تبناه تنظيم “الدولة” والذي أودى بحياة 22 شخصا على الأقل قبل 3 أيام في جامعة كابول.
كما يكثف ماكرون تحركاته الدبلوماسية في إطار مكافحة الإرهاب؛ حيث اتصل بالرئيس التونسي قيس سعيد في 31 أكتوبر / تشرين الأول الماضي، وفق قصر الإليزيه، “ليطلب منه إعادة التونسيين المتطرفين الذين تريد فرنسا ترحيلهم”. وسيكون هذا الموضوع محور مباحثات وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان نهاية الأسبوع في تونس والجزائر مع المسؤولين في البلدين، وفق وزارة الداخلية الفرنسية.
في الوقت نفسه، يواصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدفاع عن رؤيته “للعلمانية الفرنسية” على الصعيد الدولي، وسط الغضب الذي واجهه في الأيام الأخيرة بسبب تصريحاته حول الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) التي أثارت موجة غضب في عشرات من الدول العربية والمسلمة. فقد نشر مساء الأربعاء مقالاً في صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية المرموقة، أوضح فيه أن “فرنسا تحارب ”الانفصالية الإسلاموية”، وليس ضد الإسلام أبداً”. وقبل ذلك، حاول ماكرون تهدئة الأوضاع أيضا الأسبوع الماضي عبر قناة الجزيرة القطرية – حيث قال إن أقواله قد تم تحريفها.
وعلى الصعيد الوطني، فماكرون أيضًا في طليعة الكفاح ضد “الإسلام الراديكالي”، بمشروع قانون ضد النزعة الانفصالية، سيُعرض في 9 كانون الأول/ديسمبر على مجلس الوزراء.
ورأت لوموند أن هذا النشاط الشامل يريد ماكرون منه إظهار للرأي العام أن تصميمه على محاربة الإرهاب لم تقوضه إدارة الأزمة الصحية، وأن الدولة لن تكون عاجزة في هذا الشأن، بينما ما يزال 26% فقط من الفرنسيين يثقون بالسلطات لحمايتهم، وفقًا لدراسة لـ Fiducial-Odoxa، التي نُشرت في 30 أكتوبر. فهو لا يريد أبدا ترك المجال مفتوحًا لمارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف، ومعها حزب “الجمهوريون” اليميني المحافظ، اللذين يتهمانه بعدم القيام بما يكفي في هذا المجال منذ بداية فترته الرئاسية.