«ليبل»

يقول الممثل جيم كاري في مسلسله الجديد (Kidding)، وهو مسلسل عميق نفسياً وغاية في الغرابة والتجديد الإخراجيين، إن «كل ألم يحتاج إلى اسم»، حيث دارت حلقة المسلسل حول كيفية تعريف الألم وكيفية وضع «ليبل» عليه. اللغة، على قصورها وضعف إيصالها للمعلومة واستحالة إفشائها لحقيقة ما يدور في العقل الإنساني فهي «أضعف موصل للشعور والفكرة»، إلا أنها ضرورية جداً لجلب التجربة للحياة، فالتجربة الإنسانية غير موجودة حتى تتحصل على هذا «الليبل» اللغوي ليصبح لها اسم وتعريف لغويان. لربما أهم مثال على هذا الموضوع هو الدفن المتعمد لتجارب ومصاعب المرأة على مر العصور الماضية والتي كانت مختفية تماماً من على خارطة التجارب الإنسانية بسبب من عدم تعريفها لغوياً، فاللغات في معظمها صناعة وإدارة رجالية، وعليه هي لا تعبر سوى عن أفكار الرجال وتجاربهم ومشاعرهم.
لقد تعمدت اللغات، الإنكليزية والعربية مثالاً، إقصاء المرأة بتجاربها ومشاعرها ومعاناتها، فلم يكن للكثير من تجارب المرأة وآلامها أسماء تستطيع تعريفها بها. أقرب مثال على ذلك هو آلام الحيض مثلاً (اليوم بالإنكليزية PMS: Pre Menstrual Syndrome) وآلام ما بعد الولادة (اليوم بالإنكليزية Post-Partum Depression ). فحتى سنوات قليلة مضت (إلى ما بعد منتصف القرن العشرين) كانت المرأة متهمة بالجنون والهيستيريا والتقلبات النفسية التي كلها مرتبطة بجنسها الأنوثي دون تعريف واضح للحالة التي تمر بها هذه المرأة إبان فترتي الحيض أو ما بعد الولادة. مؤخراً، أظهرت الأبحاث العلمية (حيث المجال العلمي يعاني ذات الحالة الاقصائية ذاتها لتجربة ومشاركة المرأة على حد سواء) أن المرأة إبان هاتين الفتريتن ليست مجنونة أو تعاني من هستيريا (وهو المرض الذي كان مرتبطاً بشكل مزمن بالنساء حتى أوائل القرن العشرين) وإنما هي تقلبات هرمونية وعضوية يمكن صنع أدوية لها وعلاجها بشكل طبي. وعليه، ليستطيع العلم الطبي أخذ هذه الخطوة، كان لا بد من إعطاء معاناة المرأة اسماً واضحاً، والذي ما أن تم إرساؤه حتى تحولت تجارب النساء هذه إلى حقائق، أصبحت المرأة قادرة على التعبير عنها، وأصبح الطب يعرف تجارب النساء هذه ويصف لها العلاجات والعقاقير.

لا بد من إعطاء آلامنا أسماء حتى نستطيع التعامل معها، لا بد من تعريفها لغوياً وكتابتها ورقياً والنظر إليها بالعينين المجردتين، حتى تصبح المواجهة حقيقية مع هذه الآلام، وحتى نستطيع البدء في معالجتها.

اليوم، تحاول اللغة العربية، بتمهل وكسل، اللحاق بركب بعض اللغات الأخرى في شموليتها للتجارب الإنسانية وفي محاولتها تحقيق شيء من العدالة التعبيرية بين الجنسين، وإن كان الهدف الأخير عصي التحقيق على اللغة والعقلية العربية. لا تزال العربية تقول «عانس» و«سن اليأس» وغيرها من التعابير التي تتعنصر ضد المرأة، كما ولا تزال تتجنب تسمية الكثير من التجارب والمعاناة النسائية التي تبقى قيد التجاهل والنسيان طالما هي غير متحققة «كلماتياً» في اللغة. لا تزال الإشارة اللغوية الذكورية، «هو» على سبيل المثال، تشمل الجنسين، في حين أن الإشارة الأنثوية «هي» إهانة إذا ما تم توجيهها للذكر. لا يزال الخالق يشار إليه بالمذكر دون حتى التفكر في معنى تجنب الإشارة بالمؤنث ومغزى حرمة هذه الإشارة. لا تزال المرأة مقصية في اللغة، ولذا هي مقصية من الحياة وتجاربها.
وعود على بدء، أقول: لا بد من إعطاء آلامنا أسماء حتى نستطيع التعامل معها، لا بد من تعريفها لغوياً وكتابتها ورقياً والنظر إليها بالعينين المجردتين، حتى تصبح المواجهة حقيقية مع هذه الآلام، وحتى نستطيع البدء في معالجتها. الكلام سهل والتنفيذ مرعب، فأن تعلن ألمك بالحروف والكلمات، وأن تقف في مواجهة هذا الغول الذي يصهر داخلك، تلك هي المهمة الأصعب والأشق على الكائن الإنساني المسكين القادم من اللاشيء والذاهب إلى اللاشيء، حضور وغياب هلاميان لربما هما السبب الرئيسي لكل الأحزان والآلام الدفينة عمقاً في نفوسنا الإنسانية. لكن لا بد من المحاولة، فأفصحوا يا أحبة، ما اسم ألمكم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عربي حر:

    تحية للقدس العربي
    الألم الكبير هو تجاهل مأسي النساء الحقيقية لصالح أخرى هامشية
    الآلاف من النسوة اللواتي يقبعن في سجون الاحتلال الصهيوني وأنظمة القمع العربية المتحالفة مع نخب عربية علمانية حيث يتعرضن لأبشع أنواع القتل والتعذيب والاغتصاب تصبح معها مشكلة تسمية سن اليأس وتقلبات الدورة الشهرية نكتة سمجة .
    وهناك ملايين النسوة اللواتي يعملن في ظروف لا إنسانية لصالح شركات عابرة للقارات وبأجور سنوية لا تشتري حقيبة جلدية ذات ماركة عالمية .
    يتبع

    1. يقول غادة .الشاويش_بيروت سابقا_عمان الان!:

      مع انني ارفض جنسنة الثقافة والقضايا العادلة الا انني اقول كانثى انتي شعرت انك دافعت عن قضيتنا بطريقة حقيقية أخ عربي افصحت عن المنا الحقيقي بعيدا عن الترف الفكري مع الانتباه إلى انتي اقول ان د ابتهال هي مدافعة شرسة عن مظلومة المرأة هذا من حيث النزعة المعنوية لكنها من حيث النزعة الفكرية لعلها ظلمت قضيتنا كاناث مرارا من حيث لا تحتسب عندما تكلمت بلسان جغرافي عن المرأة لا يخلو من لهجةمعادية للأديان مصدرها الاعتقاد النمطي أن الأديان كلها تشبه بعضها وأنها كلها تنحاز إلى الرجل وكذلك اللغات أن أصحاب القلوب الثائرة على الظلم بكل انواعه لا تسمح بالاستثمار الايديولوجي في قضايا لها ضحايا والهدف أن نثبت ان من ظلمها خصمنا الايديولوجي المتدين ! مع انني كامرأة أحد أهم أوجه تعلقي بالاسلام تحديدا فهمه العميق لطبيعة الأنثى وتكريمها لربما كما قلت لأخي كروي على وجه يستحق معالجة علمية تتناول السؤال التالي هل انحياز التشريع الإسلامي للمرأة في الحقوق المالية والدينية مخالف لمنطق العدل المطلق الذي بنيت عليه الشريعة والذي هو أحد أهم صفات الألوهية وبالمناسبة الألوهية والربوبية مصدر لغوي صيغ بصيغة مؤنثة وهو مؤنث معنوي !

  2. يقول عربي حر:

    وفي أفريقيا حيث يتحالف الاستعمار والاستبداد
    تعيش النساء اوضاعا كارثية حيث الجوع والجهل والتهميش هو سيد الموقف .
    وحيث تتواجد المعادن الثمينة يكثر القتل والتهجير وسلاح الاغتصاب .
    في الكونغو كمثال اغتصاب آلاف النسوة بوحشية على يد مليشيات محلية ممولة من شركات اوربية ويكفي الاطلاع على وثائقي عن حركة
    V- Men Congo ليقشعر بدنك من هول الفضائع المرتكبة ضد نساء وأطفال وحتى اغتصاب رضع في عمر ستة أشهر .
    نعم هي مأسي وأموال يتم السكوت عنها من قبل الاعلام والنخب لأنها لا تخدم اجندتهم .
    يتبع

  3. يقول عربي حر:

    أن كان للمأسي وجه مشرق فيظهر الوثائقي عن الكونغو V-men Congo. جهود طبيب افريقي وامرأة اوربية من أجل إعادة البسمة الآلاف النسوة بينما تخبرنا المثقفة التي تعمل في بلاط الأنظمة وتكتفي بالتنظير من عليائها .
    ألمنا هو تجاهل مشاكلنا الحقيقية وأملنا هو عالم أكثر عدلا وحقوقا إنسانية ستصبح مهما قضايا تأنيث الخالق او…. مجرد أمور هامشية .

  4. يقول خليل ابورزق:

    التعامل مع البشر هو ارقى و اعقد المهن و لهذا كانت وظيفة القاضي ارفع من غيرها في كل الازمان و كل الحضارات. و هنا ايضا نذكر ان تنشئة الاطفال لا تقل رقيا و تعقيدا.
    يمكن لاي ملاحظ ان يرى ان دور المرأة في تنشئة اطفال اليوم الذين هم رجال الغد و نسائه اكبر من دور الرجل و لنأخذ حالة رجل تزوج عدة مرات و قياس سوية الاولاد و البنات لنجدها مختلفة حسب اختلاف الامهات. و كذلك نجد ان ابناء و بنات الاخوة يختلفون حسب امهاتهم. فالام هي مرضعة القيم و الاتجاهات للرجال و النساء.
    الخلاصة: دور المرأة هو الاهم في المجتمع و خاصة في تحديد مستقبله. و عليه يجب مضاعفة العناية بتنشئتها و تعليمها و تنمية قدراتها و احترامها و تعويد اخاها على ذلك

  5. يقول سلام عادل(المانيا):

    تحية للجميع
    نفس الامر يحدث مرارا وتكرار وهو التشبت بجزء او جملة من المقال وترك لب الموضوع وهو الالم التي تعاني منه المراة فالذين يدافعون عن اللغة اقول لهم لا يوجد لغة من لغات العالم تستطيع ان تغطي مفرداتها ااو صيغها كل الامور الجديدة ومنها المفاهيم الحديثة والاختراعات الا بعد فررة زمنية ممكن ان تقصر او تطول وفي بعض الاحيان تجد المفردة ولا احد يستخدمها الا القليل من ابناءها كالمذياع فكلنا او اغلبنا نستخدم مفردة الراديو وكذلك التلفزيون

    1. يقول غادة .الشاويش_بيروت سابقا_عمان الان!:

      مساء الخير استاذ سلام ..المشكلة ليست في تركيزنا نحن كقراء على جزء من المقال بل في المقال نفسه ! فقضية مظلومية المرأة كجنس تستضعفه عدة ثقافات وأولها في رأيي تللك التي تزعم انها عن الأنثى تدافع فحولتها إلى فتاة شوارع وجارية فراش وكالة متضمنة بحمل حرام تحت لواء الحريات وسائقة لشاحنة لربما لا تصل ساقاها إلى دراساتها الا على سبيل الاستثناء واضطهدتها جسديا ومعنويا يوم أن رمت بها إلى شوارع باعت فيها عفافها لتاكل لقمة خبز مغمسة بالاذلال سيد سلام هل تعرف لماذا تمرد كثير من القراء على هذا المقال وانا بالمناسبة أولهم علما لأنني فتاة مؤمنة بمظلومية المرأة لكني اعتقد ان أسوأ أنواع اختزال قضية خطيرة كهذه يكون بالفلسفة اللغوية إنه تسطيح بشع لقضية عادلة وخوض في قصر منيف امام مظلومة ثقافية واجتماعية عالمية الطابع وهو يشبه نضالا انطوانيتيا لاطعام الفقراء كسرة بسكوي وليس خبزا اغلب السيدات المضطهدات لا يهمهن ولربما لا يعرفن شيءا عن النظرية المريضة التي تصارع في اللغات لتهتك عفوية الإنسان في التعبير انها فلسفة لا تلزم ضحية جريمة شرف او ضحية اغتصاب او ضحية عنف زوجي صح ولا لا هل عرفت كيف تصد بعض الأقلام الناس عن الإيمان بمظلومية حقيقية إنه في التركيز على هوامش متطرفة لقضية محقة وعادلة تقبل تحيتي

  6. يقول سلام عادل(المانيا):

    اما من يريدنا ان نهتم بما يعتبرونه مهم في بللداننا فنقولها للمرة الالف لا يوجد مهم واهم فكل شيء او حدث صغير كان ان يسبب مستقبلا مشكلة كبيرة.كل حكاامنا يتشبتون بالكراسي لانهم يعتبرون انفسهم الاب او الاخ الاكبر للجميع وان سلطته لا تزول الا بالموت فلو استطعنا في العائئلة الصغيرة بناء دييمقراطية بين ابناء العائلة واستماع الكل لاراء ببعضهم وليس فرضها كما يفعل الاب (السلطة المطلقة) او الاخ والاخت الكبرى

  7. يقول سلام عادل(المانيا):

    اما المراة في مجتمعاتنا فهي تعاني من الكثير من التفرقة وبحجج واهيية كثيرة منها اجتماعية واخرى مرتبطة بالعاداات والتقاليد ويجب معالجة الامور من قبل رجال الدين ومعهم نخب المجتمع الفكرية والثقافية

  8. يقول سلام عادل(المانيا):

    الاخ الكروي
    لو استطعنا بناء دول كدول اوربا يكون الفررد فيها مكفول ومضمون صحيا واجتماعيا من صغره الى الكبر سوف لن تحتاج المراة الى مهر ولا نفقة ولا الام ولا الاب الى رعاية ابناءهم لان الدول والمجتمع كفيل بذلك والنرويج خير مثال

  9. يقول المغربي-المغرب.:

    إشكالية قصور اللغة في التعبير عن مكنونات الإنسان ورغباته وأفكاره وتاملاته هي إشكالية فلسفية تطرقت اليها اغلب المدارس الفكرية منذ القديم …وحضيت باهتمام المفكرين المسلمين على اختلاف مشاربهم. …والأشكال الأساس هنا يتمثل في مسألة التواصل وإيصال الفكرة إلى الآخر بنوعيه الفردي والاجتماعي. …ولذلك حاول بعض العلماء المسلمين التمييز بن مايسمى بالتعبير الذاخلي الذاتي…وبين ما يمثل أدوات التعبير المشترك الذي يكتسي طبيعة مادية من حيث الأدوات والوسائل والصوت نفسه..وهناك من اقتدى منهم في ذلك بالمنظور الرواقي الذي يعتبر أن مدلول الكلام ويسمى باللكتون. .هو من طبيعة روحانية مثالية ولايمكن للغة المجسدة أن تعبر سوى عن جزء من تجلياته. …

  10. يقول الكروي داود النرويج:

    شكراً لغادتنا العزيزة على المعلومات القيمة وإجابة للعزيز سلام أقول:
    لازالت المرأة المسلمة بالنرويج تطالب بالمهر (الذهب) لأنه حقها الشرعي, ولازال الأبناء الذكور يكفلون والديهم بالرعاية الإنسانية! أما كبار السن النرويجيين فلا يزورهم أبنائهم إلا مرة أو مرتين بالسنة فقط وأما المطلقة النرويجية أم الأطفال فالحكومة تستقطع نفقة أطفالها من الزوج!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول غادة .الشاويش_بيروت سابقا_عمان الان!:

      شكرا لك أخي كروي واتمنى ان تفسح القدس العربي ولي عتب شديد عليها المجال للمتخصصين للكلام في قضايا كثيرة تثار من كافة التوجهات على صفحات جريدتنا الغراء من اسلاميين وعلمانيبن لكن عندنا يقرأ متخصص بعض ما كتب انتصارا للدين او انتصارا لضده! يغرق في الحسرة لانه يلحظ فجوات تنسف انسجامه مع بعض المقالات (وهذا نقد لا يجرح أحدا فالصحافة ليست حكرا على للمتخصصين ولكن بعض القضايا بحق طرحها يثير مرارة المتخصص

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية