طرابلس – «القدس العربي»: تتجدد المطالبات بين الحين والآخر من الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، التي تحاول إقناع الأطراف الدولية والمحلية بضرورة وأهمية عدم إغفال مشروع الدستور الذي أنجزته ولكن دون عرضه على الاستفتاء. ومع رفض الأطراف المحلية التعامل مع هذا الطرح، توجهت الهيئة قبل يومين للبعثة الأممية وطالبتها بدعم المسار الدستوري في ليبيا وعدم إدخال شعبها في مزيد من المتاهات وأن تمكن الليبيين من قول كلمتهم عبر استفتاء عام.
وحثت في رسالة إلى القائمة بأعمال البعثة الأممية الجديدة ستيفاني خوري، بضرورة أن تحظى مسألة استكمال باقي مراحل العلمية الدستورية بالأولوية في أي حوار سياسي تدعمه البعثة أو تشرف عليه.
كما دعت أعضاء لجنة التواصل الدستوري بالهيئة إلى تصحيح مسار البعثة والعودة بها إلى الحق، وأن تنهي تصوراتها التي تختزل الشعب في أطراف هي من تختارهم وتتشاور معهم في “غرف مغلقة”، وتشرف على مخرجاتهم، وفق البيان.
واعتبرت الهيئة أن المسار الدستوري لا يتحدد إلا عبر الاستفتاء أولاً، ثم انتخابات وفق دستور دائم، وأن تلتزم البعثة بنص القانون وبأحكام القضاء وبروح ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن.
وأشارت إلى تجاهل المبعوثين الخاصين السابقين إكمال العملية الدستورية وعدولهم عن جوهر مهمتهم الأساسية والمتمثلة في دعم الليبيين في إنهاء المرحلة الانتقالية.
ورأت الهيئة أن البعثة استجابت بأريحية كبيرة لدوافع شخصيات وفئات معينة داخلية وخارجية وتجاهلت عن حق الليبيين في الاستفتاء على مشروعها منذ أن أقرته عام 2017 واندفعت في تبني آليات تحرف القانون وتضرب بأحكام القضاء عرض الحائط، على حد قولها. وأضافت الهيئة أن ما تقدمه البعثة من تصورات حالية، تباعد رويداً بين الليبيين ومبدأ سيادة القانون، وتحرمهم من حقهم في قبول أو رفض مشروع دستور وضعته الهيئة، وهذا يزيد من الفرقة والشقاق، على حد قولها.
وفي 28 أيار/مايو الماضي، أصدرت محكمة الزاوية الابتدائية قراراً بإلزام مفوضية الانتخابات بطرح مشروع الدستور للاستفتاء العام، حسب تصريح صحافي للمحامي عبد الباري خير.
وأضاف أنه رفع وآخرون القضية ضد المفوضية لسرعة إجراء الاستفتاء على الدستور، وبعد تأجيلها عدة مرات صدر حكمها اليوم بإلزام المفوضية بإجراء الاستفتاء.
وفي أعقاب ذلك، أصدرت رئاسة الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور بياناً رسمياً رحبت فيه بالحكم الصادر عن محكمة الزاوية الابتدائية القاضي بإلزام المفوضية العليا للانتخابات بطرح مشروع الدستور المنجز عام 2017 لاستفتاء شعبي عام.
ودعت مفوضية الانتخابات إلى الامتثال لقرار المحكمة وتنفيذه، محذرة من أن تعطيل الإعلان الدستوري هو فعل تجرمه نصوص قانون العقوبات.
وأوضحت هيئة صياغة الدستور أن حكم محكمة الزاوية يأتي انسجاماً مع ما نص عليه الإعلان الدستوري المؤقت، الذي أناط بالهيئة التأسيسية دون غيرها مهمة صياغة مشروع الدستور الدائم للبلاد، مشددة على حق الشعب الليبي في التعقيب على أعمالها عبر استفتاء عام وفق الإجراءات القانونية.
وأضافت أن الحكم ينسجم مع كتابها الموجه إلى إدارة القضايا بضرورة رفع دعوى قضائية ضد المفوضية وآخرين لإلزامهم بإجراء استفتاء على مشروع الدستور طبقاً للإعلان الدستوري وقانون الاستفتاء.
وعدّ البيان أن هذا المسار هو بداية صحيحة لإنهاء التدخل الأجنبي في ليبيا، وأن إجراء الانتخابات التشريعية والتنفيذية وفقاً لأحكام الدستور الدائم للبلاد ستكون ممكنة بعد تنفيذ الاستفتاء.
ووجهت رئاسة الهيئة في بيانها دعوة إلى جميع الجهات الداخلية والخارجية إلى احترام سيادة الشعب الليبي والوقوف عند نصوص قوانينه وأحكام قضائه، واتخاذ كل التدابير لفتح باب الاستفتاء.
ودعت الشعب الليبي إلى مواصلة دعم المسار الدستوري والتمسك به باعتباره استحقاقاً وطنياً وسبيلاً وحيداً لإنهاء المراحل الانتقالية المتعاقبة، ووضع حد لحالة الانقسام السياسي والاقتصادي والمؤسساتي، وأنه بداية لإنهاء التدخل الأجنبي، بما يمهد له من إجراء الانتخابات التشريعية والتنفيذية، وفقاً لأحكام الدستور الدائم للبلاد.
وفي أيار/ مايو الماضي، أثار طرح رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة لمسألة الاستفتاء على الدستور، جدلاً واسعاً بين الأوساط المحلية؛ ففي الوقت الذي رحب فيه مراقبون وأثنوا على هذا الطرح، اتهمه آخرون بوضع عراقيل أمام نجاح العملية الانتخابية التي يسعى لإتمامها مجلسا النواب والدولة.
وجاء طرح الدبيبة لمسألة الاستفتاء على الدستور تزامناً مع التوافق الحاصل بين مجلسي النواب والدولة على تشكيل حكومة جديدة موحدة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وجاءت كلماته أيضاً بعد الاتفاق بين مجلسي النواب والدولة مؤخراً بعد اجتماع عقيلة صالح ومحمد تكالة، رفقة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، برعاية جامعة الدول العربية في آذار/ مارس الماضي، بحضور الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط.
وتم الاتفاق خلال الاجتماع على وجوب تشكيل حكومة موحدة مهمتها الإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين، وتوحيد المناصب السيادية، وتشكيل لجنة فنية لحل الخلافات حول قوانين الانتخابات والتوافق على عقد جولة ثانية بشكل عاجل لإتمام هذا الاتفاق وتنفيذه.
وفي أواخر نيسان/أبريل الماضي، أعلن محمد تكالة رئيس المجلس الأعلى للدولة، عن تشكيل لجنة لمراجعة القوانين الانتخابية التي أعدتها اللجنة المشتركة 6+6 خلال أسبوعين، وذلك بالتوافق مع مجلس النواب، مؤكداً أن لقاءه مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في الجامعة العربية بالقاهرة كان ليبيّاً خالصاً.
وقبلها، قال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، إن المجلس أعد القاعدة الدستورية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويمكن إجراؤها قبل نهاية العام. وفي إشارة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، قال عقيلة إن هناك أناساً لا يريدون أن يتركوا الكرسي في ليبيا، مردداً: “أنا المنتخب رئيس البرلمان، المنتخب الوحيد، الذي يطالب بالانتخابات اليوم قبل غد”.