ليبيا – «القدس العربي»: ليلة عصيبة عاشتها العاصمة الليبية طرابلس بدأت أحداثها بدخول خفي لرئيس الحكومة المعينة من البرلمان وانتهت أحداثها باشتباك مسلح وسط العاصمة سبب حالة من الذعر والهلع والخوف بين المواطنين، وكان سبباً في تعطيل أوجه الحياة كالدراسة والعمل في المدينة.
وهكذا، فبعد منتصف ليل الإثنين أعلن المكتب الإعلامي لفتحي باشاغا عن تمكنه من الدخول إلى العاصمة طرابلس عن طريق مطار معيتيقة الدولي قائلاً إنه دخل بسلام وأمان وعقبها نشر فيديو بُث عبر فيسبوك، قال فيه إن استقباله في العاصمة كان ممتازاً .
إلا أن دخول باشاغا لطرابلس كان من غير الممكن أن يتم دون تعاون مع بعض التشكيلات المسلحة وقد أكد ذلك فعلاً من خلال ترحيب كتيبة القوة الثامنة المعروفة بـالنواصي والمتمركزة في العاصمة طرابلس بوصول باشاغا إلى طرابلس مؤكدة استعدادها لتقديم كامل الدعم بكافة الطرق الممكنة لحكومته، وذلك للنهوض بالدولة والمضي بها نحو الاستقرار الدائم.
ورغم هبوط باشاغا في مطار معيتيقة الدولي وخروجه منه دون أي اشتباك مسلح إلا أن إعلان خبر وصوله أثار حفيظة التشكيلات المسلحة التابعة للدبيبة وجعلها تعلن الاستنفار الكامل، الذي اندلعت على إثره اشتباكات مسلحة عنيفة استمرت حتى صباح الثلاثاء وخلفت أضراراً .
ومع تصاعد وتيرة الاشتباكات وتطويق محل وجود باشاغا من قبل المجموعات المسلحة التابعة للدبيبة، أعلن المكتب الإعلامي للحكومة المكلفة من مجلس النواب أن رئيسها باشاغا وعدداً من وزرائه غادروا العاصمة طرابلس، بعد دخولهم في الساعات الأولى من صباح أمس الثلاثاء.
وقال المكتب الإعلامي، في بيان له، إن مغادرة باشاغا لطرابلس جاءت لحقن الدماء، وإيفاء بتعهدات حكومته بسلمية مباشرة عملها من العاصمة وفقاً للقانون، بحسب نص البيان.
فيما قال باشاغا في تغريدة له أنه ورغم دخولهم السلمي للعاصمة طرابلس دون استخدام العنف وقوة السلاح واستقبالنا من قبل أهل طرابلس الأفاضل، فوجئنا بالتصعيد العسكري الخطير الذي أقدمت عليه مجموعات مسلحة تابعة للحكومة منتهية الولاية، وهاجم سلوكيات الحكومة التي وصفها بالهستيرية واتهمها بمواجهة السلام بالعنف والسلاح
المحاصرة الشديدة التي تعرض لها باشاغا، فكت بمساعدة اللواء 444 قتال الذي أكد نجاح عملية إخراج رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب من العاصمة دون إراقة للدماء، مضيفاً أن دخولها في وساطة لإخراج باشاغا من طرابلس جاء لمنع انجرار العاصمة في الحرب والدماء، وأن جهود الوساطة تمت بعد الاتصال برئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وجميع الكتائب العسكرية لترتيب مغادرة باشاغا سلمياً.
وعقب هذه الأحداث أصدرت حكومة الوحدة الوطنية بياناً قالت فيه إن الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لها تعاملت بكل مهنية وحزم مع محاولة تسلل بائسة إلى طرابلس، متهمة مجموعة مسلحة خارجة عن القانون بالوقوف وراءها، معلنة النجاح في وأد الفتنة والمحافظة على استقرار العاصمة وأمن مواطنيها.
وقالت الحكومة، في بيان، إن هذه المحاولة هدفت إلى إثارة الرعب والفوضى بين سكان طرابلس، باستخدام الأسلحة والعنف ما تسبب في خسائر بشرية ومادية لا تزال أجهزة الأمن والإدارة المحلية تعمل على حصرها ومعالجتها . ودان البيان هذه الأعمال الإجرامية الخارجة عن القانون، معلناً توجيه الحكومة كل الأجهزة الأمنية والعسكرية للتعامل بشدة مع كل من يهدد أمن المواطنين وسلامتهم مؤكداً التزام الحكومة أمام الشعب الليبي بإيصاله لتحقيق الانتخابات، ومنع أي محاولات تسعى لها بعض الأطراف للتمديد لأنفسها وفرض نفسها بالقوة فوق إرادة الشعب الليبي.
أول ردود الفعل المحلية كانت من رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري الذي أدان بأشد العبارات الاشتباكات المسلحة بين الإخوة وسط العاصمة طرابلس، وفق تعبيره.
ودعا المشري إلى إيقاف الاشتباكات فوراً، مؤكداً أن الحل الوحيد للانسداد السياسي هو مسار دستوري واضح تجرى على أساسه الانتخابات.
ودعا المجلس الرئاسي كل الأطراف إلى عدم تحويل الخلافات السياسية إلى نزاع مسلح قد يؤدي بالبلاد إلى منزلق خطير يهدد أمن المدنيين، كما دعا المجلس كذلك إلى التهدئة وضبط النفس وتجنيب طرابلس وكل المدن أي استخدام للقوة أو التلويح بها وتجنب أي إقحام للأطراف العسكرية في الخلافات السياسية. وفي السياق ذاته، دعت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية إلى التهدئة بعد الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس، صباح الثلاثاء، بين قوات موالية لرئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة وأخرى موالية لرئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا، مؤكدة حياديتها وممارسة مهامها باحترافية ومهنية وحيادية.
وفي أول رد دولي، قالت المستشارة الأممية ستيفاني وليامز إنها تحث على ضبط النفس والحرص كضرورة مطلقة على الامتناع عن الأعمال التي وصفتها بالاستفزازية، بما في ذلك الخطاب التحريضي والمشاركة في الاشتباكات وحشد القوات. وشددت وليامز في تغريدة لها صباح اليوم بشأن أحداث طرابلس، شددت على أنه لا يمكن حل النزاع بالعنف ولكن بالحوار والوساطة، مؤكدة أن مساعي الأمم المتحدة متاحة لجميع الأطراف التي تؤمن بمساعدة ليبيا على إيجاد طريق حقيقي وتوافقي للمضي قدماً نحو الاستقرار والانتخابات، وفق تعبيرها.
من جهتها، دعت السفارة الأمريكية لدى ليبيا القادة السياسيين إلى أن يدركوا أن الاستيلاء على السلطة أو الاحتفاظ بها من خلال العنف لن يؤدي إلا إلى إلحاق الضرر بالشعب، وفق تعبيرها، حاثة جميع من سمتهم الجماعات المسلحة على الامتناع عن العنف.
وأكدت السفارة الأمريكية في سلسلة تغريدات لها صباح اليوم، أكدت أن المسار الوحيد القابل للتطبيق للوصول إلى قيادة شرعية هو السماح لليبيين باختيار قادتهم، معتبرة أن المحادثات الدستورية الجارية الآن في القاهرة تكتسي أهمية أكثر من أي وقت مضى، وفق قولها. فيما أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، الثلاثاء، عن بالغ القلق إزاء التطورات الأخيرة التي تشهدها العاصمة طرابلس، ودعا إلى ضرورة الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار والحيلولة دون اندلاع موجة عنف جديدة، وتجنيب البلاد مزيد الخسائر البشرية والمادية .
وناشد أبوالغيط جميع الأطراف بـضبط النفس وعدم تأجيج الصراع مجدداً، وتغليب لغة الحوار وصولاً إلى تهيئة الأرضية المناسبة لإجراء انتخابات وطنية في أقرب فرصة ممكنة .
كما نشرت مصر وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا إلى التهدئة والتوجه إلى الانتخابات محذرة من تداعيات المواجهات المسلحة.