رغم حديث الأمم المتحدة عن تقدم في المحادثات بين الفصائل، لا تزال الأزمة تؤثر على المشهد السياسي والمالي ويبدو الاتفاق صعبا مع اصرار كل طرف على موقفه.
طرابلس ـ «القدس العربي»: يوماً بعد آخر تتصاعد تداعيات أزمة مصرف ليبيا المركزي، الذي أصدر المجلس الرئاسي الليبي قراراً بتغيير مجلس إدارته بشكل مفاجئ قبل شهر ما فتح أبواباً واسعة من الجدل الذي وصل حتى إقدام سلطات الشرق الليبي لإصدار قرار يقضي بإقفال النفط وخلق توترات على صعيد الوضع المحلي.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن صادرات النفط الليبية انخفضت بنسبة 81 في المئة خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري، ما يسلط الضوء على مدى تداعيات الأزمة السياسية المتعلقة بالبنك المركزي الليبي والعوائد النفطية وقد أوقفت المؤسسة الوطنية للنفط عمليات توريد النفط الخام، ما أدى إلى تأثير مباشر على الصادرات.
ورغم حديث الأمم المتحدة عن تقدم في المحادثات بين الفصائل الليبية واتفاقهما على تعيين محافظ للبنك المركزي في غضون 30 يوما، لا تزال الأزمة تؤثر على المشهد السياسي والمالي ويبدو أن الاتفاق سيصعب في ظل اصرار كل طرف على موقفه.
وانفجرت أزمة البنك المركزي الليبي عقب قرار من المجلس الرئاسي منتصف الشهر الماضي يقضي بعزل محافظ البنك المركزي من منصبه، وتعيين بديل عنه، ما أدى إلى رفع فصائل مسلحة من الطرفين جاهزيتها استعدادا لمواجهات مسلحة.
وأعقب هذا القرار إعلان رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد حالة القوة القاهرة على قطاع النفط ووقف إنتاج الخام وتصديره؛ احتجاجا على ما اعتبره اقتحام لجنة تسليم وتسلم مكلفة من المجلس الرئاسي لمقر المصرف المركزي لتمكين الإدارة الجديدة للمصرف.
ويرى كل من مجلس النواب والحكومة المكلفة منه أن تعيين محافظ البنك المركزي ليس من اختصاص المجلس الرئاسي، بل هو اختصاص أصيل لمجلس النواب بالتشاور مع مجلس الدولة وفق الاتفاق السياسي الليبي الموقع بمدينة الصخيرات المغربية عام 2015.
وفي السياق كشفت وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية عن تقارب ملحوظ بين مصر وتركيا؛ لحل الأزمة الليبية الجديدة، بعد أن كانتا متعارضتين في حرب العاصمة طرابلس قبل خمس سنوات.
وحسب «بلومبيرغ» فإن القاهرة وأنقرة تضغطان على الحكومتين المتنافستين في ليبيا للتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يساعد في إنهاء الحصار النفطي، وفقًا لمسؤولين ودبلوماسيين يتابعون القضية، والذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم.
وأوضحت الوكالة أن تركيا أجرت محادثات مع خليفة حفتر «عدوها القديم» بشأن أزمة من يدير مصرف ليبيا المركزي.
وأشارت -وفقًا لدبلوماسيين- إلى أن نفوذ تركيا ومصر المشترك في ليبيا قلل بشكل كبير من المخاوف من اندلاع حرب شاملة، مضيفة أن التقارب المصري التركي أسهم في عودة الشركات والعمال المصريين إلى الغرب الليبي من جهة، والشركات التركية إلى شرق ليبيا من جهة أخرى.
ورغم محاولة البعثة الأممية للدعم في ليبيا، التدخل كوسيط وتقديمها مبادرة لحل الأزمة إلا أنها لم تنجح حتى الآن في إيجاد صيغة توافقية حيث عبرت في آخر بيان صدر عنها عن أسفها لكون الطرفين لم يتوصلا بعد إلى اتفاق نهائي، مفصحة في الوقت ذاته عن ترحيبها «بالتقدم المحرز بشأن المبادئ والمعايير والآجال التي ينبغي أن تنظم الفترة الانتقالية المؤدية إلى تعيين محافظ ومجلس إدارة جديدين للمصرف المركزي».
وشددت البعثة على جميع الأطراف بتحمل مسؤوليتها عن معالجة هذه الأزمة على وجه السرعة، كون استمرارها ينطوي على مخاطر جسيمة على رفاه الليبيين وعلى علاقات ليبيا مع شركائها الدوليين.
كما دعت البعثة الأطراف الليبية إلى إعطاء الأولوية لمصلحة ليبيا العليا وإخراج المصرف المركزي من دائرة الصراعات السياسية.
وجددت التأكيد على أن «القرارات الأحادية التي اتخذها جميع الأطراف» من شأنها تقويض الثقة بين الأطراف السياسية والأمنية وتكرس الانقسامات المؤسسية.
وفي ذات السياق أعلن ممثلا مجلسي النواب والأعلى للدولة في مشاورات أزمة مصرف ليبيا المركزي، التي ترعاها البعثة الأممية، استمرار المشاورات وتوسيعها، على أن تتم وفق سلسلة من «الموجهات».
وحسب بيان صادر عن الممثلين؛ فإن الموجهات تشمل السعي للاتفاق في أقرب الآجال على ترتيبات مؤقتة لفترة محددة لضمان تسيير أعمال المصرف إلى حين تعيين محافظ ومجلس إدارة جديدين، والعمل على تسمية محافظ جديد للمصرف خلال فترة زمنية محددة، مع إعطاء المحافظ المُعين مهلة عشرة أيام لاختيار أعضاء مجلس الإدارة.
ووفقا للبيان، شدد ممثلا المجلسين على أهمية ترسيخ معايير الشفافية والإفصاح والحكم الرشيد في جميع أعمال المصرف، والتأكيد على ضرورة توخي معايير المهنية والكفاءة والنزاهة وحسن السيرة في كل من يتولون مسؤوليات داخل المصرف.
وأوضح ممثلا مجلس النواب ومجلس الدولة في ختام البيان أن استمرار المشاورات سيكون مع بقية أعضاء المجلسين خلال الأيام المقبلة لإنهاء الأزمة استنادا إلى مقتضيات الاتفاق السياسي والاتفاقات اللاحقة والتشريعات الليبية السارية.
فيما نقلت قناة «ليبيا الأحرار» المحلية عن ممثل المجلس الرئاسي في مشاورات البعثة الأممية بشأن المصرف المركزي، زياد دغيم، إنه قدم للبعثة الأممية ملاحظات كتابية بشأن المعايير الشخصية لاختيار محافظ المصرف المركزي وعضوية اللجنة المؤقتة، بالإضافة إلى ضوابط قانونية تضمن انعقاد جلسات مجلس النواب ومجلس الدولة بشكل صحيح وقانوني.
وأكد دغيم في تصريحاته؛ التزام المجلس الرئاسي بتوصيات مجلس الأمن الدولي وانفتاحه على نقاش مباشر مع مجلس النواب، برعاية البعثة الأممية، لوضع آليات تضمن إلغاء جميع القرارات الأحادية التي صدرت «مخالفة للاتفاق السياسي وخريطة الطريق» وفق قوله.
ونقل دغيم عن البعثة الأممية تأكيدها أخذ ملاحظات المجلس الرئاسي كطرف أساسي ذي مصلحة في هذه القضية، وأنها أشارت إلى مباشرة النقاش بشأن سبل إلغاء جميع القرارات الأحادية من جميع المؤسسات.
ولم تتوقف محاولات مجلس النواب لاقناع المجتمع الدولي بضرورة حل الأزمة حيث خاطبت لجنة الاقتصاد في مجلس النواب البعثة الأممية وسفراء والمؤسسات المالية الدولية، لتوضيح أضرار اقتحام مصرف ليبيا المركزي مقترحة ثماني خطوات لحل الأزمة، من بينها عودة المحافظ الصديق الكبير ونائبه مرعي البرعصي، واستئناف إنتاج وتصدير النفط الخام، وتشكيل حكومة موحدة، وتقنين الإنفاق العام، ومكافحة الهجرة غير النظامية التي تجاوزت ثلاثة ملايين مهاجر.
جاء ذلك في تقرير مُرسل إلى بعثة الأمم المتحدة والسفراء والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مكون من 26 صفحة، تتضمن أوضاع الاقتصاد الليبي عقب قرار المجلس الرئاسي تسمية رئيس وأعضاء مجلس إدارة للمصرف المركزي.
وحذر التقرير من مغبة استمرار الأوضاع داعيًا كل الأطراف المحلية والدولة إلى ضرورة الإسراع في عودة الأمور إلى نصابها وفق التشريعات النافذة والاتفاق السياسي الليبي.
واعتبر تقرير مجلس النواب أن إقحام المصرف المركزي في المعترك السياسي بقرار المجلس الرئاسي أثَّر سلبيا على الوضع المالي العام، وأوقف مسيرة التوحيد التي نجح فيها المصرف كأول مؤسسة سيادية تتمكن من إنجاح هذا الاستحقاق الوطني.
وأشار إلى تأثر المنظومة المصرفية والعلاقات والتبادلات المالية الدولية بسبب انتهاك حرمة المصرف المركزي، والتعدي على اختصاصه لافتًا إلى أن الأحداث الأخيرة أدت إلى تهاوي سعر صرف الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية بسبب توقف بيع النقد الأجنبي.
واعتبر التقرير أن قرار الرئاسي تسبب في الإضرار بسمعة المصرف المركزي والقطاع المصرفي الليبي لدى المؤسسات المالية الدولة والبنوك المركزي، ما أدى إلى تجميد وتعليق علاقات المصرف المركزي مع تلك المؤسسات على حد قوله.
وأضاف أن القرار تسبب في إهدار جهود سنوات نجح خلالها المصرف المركزي في بناء علاقات وشراكات ناجحة مع كبرى المؤسسات المالية الدولية في ظروف صعبة ومعقدة، مما جنب البلاد العديد من المخاطر.
وأرجع توقف إنتاج النفط وتصديره إلى قرار المجلس الرئاسي، ما يؤثر بشكل سلبي على تمويل الموازنة العامة واحتياطات الدولة، وقد يهدد بتطبيق مبدأ النفط مقابل الغذاء.
ولفت التقرير إلى التهديد بتوقف إمدادات الغذاء والدواء إلى السوق، وحدوث أزمة نقص السلع وارتفاع أسعارها، نظرا لاعتماد السوق الليبية على استيراد أكثر من 70 في المئة من استهلاكه اليومي، وفي ظل عجز المصرف المركزي والمصارف الليبية عن الولوج لمنظومة السويفت الدولية، للوصول لأرصدتها وودائعها بالخارج.