يطرح النزاع المستمر بين المشري وتكالة تساؤلات جوهرية حول قدرة مجلس الدولة على مواجهة التحديات الداخلية والتزامه بأداء دوره المنوط به في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها ليبيا.
طرابلس ـ «القدس العربي»: ما زال الصراع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، الجسم الاستشاري للدولة الليبية مستمرا، مع تعارض الأحكام القضائية الخاصة بالأزمة ما خلق انقساماً حاداً داخل أروقته، وعطل عمله السياسي بشكل جزئي.
ويطرح هذا النزاع المستمر بين المشري وتكالة تساؤلات جوهرية حول قدرة مجلس الدولة على مواجهة التحديات الداخلية والتزامه بأداء دوره المنوط به في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها ليبيا. وفي هذا الإطار، فإن استمرار الانقسام داخل المجلس يهدد بعرقلة دوره الأساسي ما قد يؤثر سلبًا على المسار السياسي.
ويعود أصل الأزمة إلى السادس من اب/أغسطس الماضي، حين شهدت انتخابات مجلس الدولة جدلًا بعد جولة الإعادة على منصب رئيس المجلس بين محمد تكالة وخالد المشري، حيث أعلن مقرر الجلسة حصول تكالة على 68 صوتًا مقابل 69 صوتًا للمشري، ثم ثار نقاش حول قانونية تصويت أحد الأعضاء بعد كتابته اسم محمد تكالة في غير المكان المخصص.
وتمسك المشري برئاسة الأعلى للدولة، وأيدت اللجنة القانونية صحة فوزه، وإثر ذلك دعا خصمه الرئيس السابق للمجلس، تكالة، إلى اللجوء للقضاء لإبداء اعتراضه على نتيجة الانتخابات، مؤكداً أنه سيلتزم بأحكام القانون.
وفي 25 ايلول/سبتمبر الماضي، أصدرت الدائرة الإدارية بمحكمة استئناف جنوب طرابلس قرارًا بقبول طعن قدمه تكالة شكلًا ضد المشري، وفي الشق المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه موقتًا إلى حين الفصل في الموضوع.
وفي 28 اب/أغسطس الماضي، عقد المجلس جلسة برئاسة المشري، وأفاد المكتب الإعلامي وقتها بأن الأعضاء صوتوا باعتماد رأي اللجنة القانونية في الورقة المميزة بواقع 67 صوتًا من أصل 77 صوتًا من الحاضرين، مع عدم قبول رأي اللجنة القانونية، بينما اعتبر بقية الأعضاء ممتنعين عن التصويت، وهم ثمانية أعضاء.
ويعد الأعلى للدولة بمثابة جسم تشريعي ثانٍ للبلاد، حيث إنه يشترط وفقاً لبنود الاتفاق السياسي (الصخيرات) الموقَّع نهاية عام 2015 توافُقه مع البرلمان حول الدستور وكل القوانين المتعلقة بالعملية الانتخابية.
ومؤخراً تجدد الحديث عن الأزمة بسبب إصدار محكمة السواني الابتدائية حكمًا برفض طعن خالد المشري بصفته رئيسًا للمجلس الأعلى للدولة ضد الرئيس السابق محمد تكالة، لوقف تنفيذ إعادة انتخابات رئاسة المجلس، وبالتالي إعادة الجولة.
من جهته، رحَّب تكالة بالحكم، وقال إن مكتب الرئاسة سوف يدعو إلى عقد جلسة مكتملة النصاب قبل منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، لمناقشة البنود المطروحة على جدول الأعمال، واتخاذ القرارات الضرورية لتفعيل دور المجلس كإحدى ركائز السلطة التشريعية حسب بيان متداول على فيسبوك.
وأعلن خالد المشري، تعليقه أداء مهام رئيس المجلس الأعلى للدولة مؤقتا امتثالا لحكم محكمة السواني، وذلك إلى حين الفصل النهائي في القضية.
وأكد المشري في تصريحه لقناة محلية أن قرار محكمة السواني «لا يعطي محمد تكالة الحق ليصبح رئيسا لمجلس الدولة بأي حال من الأحوال» حسب وصفه.
وقال «أرجو ألا تتأخر المحكمة في الفصل في القضية أكثر من أسبوعين أو ثلاثة» مشيرا إلى أنه سيستجيب لقرارها سواء حكمت ببطلان جلسة انتخاب مكتب الرئاسة أو صحتها.
وأضاف المشري خلال مداخلة صحافية إن تكاله قال انه لجأ للقضاء بسبب الخلل وأن المشري استولى على مقر المجلس وهذا غير صحيح فهو قدم القضية يوم 6-9 ويوم 28-8 عقد المجلس جلسة صحيحة سليمة ومكتملة النصاب وحضرتها البعثة لكن لم يشر اليها تكالة لا من قريب ولا بعيد في مداخلته والهدف منها استكمال مكتب الرئاسة.
واعتبر أن تكالة لا يريد اللجوء للقضاء لأنه يريد كسب وقت معين بالإضافة لقوة الأمر الواقع التي تساعده الآن.
كما أوضح المشري أن الحكم في الشق المستعجل، الذي استند إليه تكالة، لا يعني منحه صفة الرئاسة؛ وأن أي قرار بوقف مهامه كرئيس يجب أن يكون لحين الفصل في القضية الرئيسية.
وأفاد «خلاصة الأمر ما زلنا رئيس المجلس وأمرت المحكمة بعدم ممارستنا مهامنا مؤقتا لحين الفصل في الموضوع ونحن سنتوقف احتراما لحكم المحكمة ونتمنى ألا يتجاوز الأسبوعين لثلاثة وعندها إذا قالت المحكمة الجلسة صحيحة وما نتج عنها صحيح يجب على تكالة التسليم وان قالت الجلسة غير صحيحة أنا سأسلم».
وبيّن أن الدعوة لأي جلسة أخرى يجب أن تأتي من مكتب رئاسي متكامل للمجلس، مشيرًا إلى أن الدعوة للجلسة في 28 اب/أغسطس كانت بمبادرة من الأعضاء ورؤساء اللجان وليس منه شخصيًا.
وحول الاتهامات الموجهه له من قبل تكالة، أبدى عزمه رفع دعوى لدى مكتب النائب العام ردًا على اتهامات تكالة بشأن عمله مع أطراف خارجية.
ويتخوف أعضاء من المجلس الأعلى للدولة في ليبيا من إنهاء الدور السياسي لمجلسهم لصالح أجسام أخرى، بينما لا يزال يعاني الانقسام والصراع على رئاسته بين خالد المشري، ومحمد تكالة منذ 3 أشهر.
ويقترح تكالة الرئيس السابق للمجلس أن تكون الانتخابات المقبلة هي الوسيلة الوحيدة للخروج من حالة الجمود السياسي الذي يعاني منها المجلس، مؤكداً على أهمية احترام القرارات القضائية وعدم تأجيلها. يصف تكالة قرار عقد جلسة انتخابية في 15 تشرين الثاني/نوفمبر على أنه السبيل الوحيد لإعادة تفعيل المجلس وإبعاده عن حالة الجمود التي قد تمتد إلى العام المقبل إذا استمر الوضع على حاله. ويؤكد أن المجلس يجب أن يكون قادرًا على اتخاذ قراراته بشكل مستقل بعيدًا عن تأثير الأفراد، محذرًا من أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى شلل كامل في عمل المجلس.
واتهم تكالة المشري بإدارة المجلس كأداة لتحقيق مصالح فردية، وأنه متورط في دعم سياسات لا تخدم ليبيا على حد قوله. ويرى أن مثل هذه السياسات تهدد سلامة واستقرار المجلس، مضيفًا أن عدم حضور المشري في وسائل الإعلام أسهم في تشكيل صورة مغلوطة عن الوضع الحقيقي. ويشير إلى أن التواصل مع وسائل الإعلام ضرورة لتوضيح موقفه للرأي العام وتفنيد الاتهامات التي تطاله.
تكالة، في تصريحاته الأخيرة، أشار إلى خطر التجميد الذي يواجه المجلس بسبب هذا النزاع، مؤكدًا أن استمرار المشري في مقاومة القرارات القضائية وإصراره على البقاء يعيق سير عمل المجلس. وحذر من أن هذا الوضع قد يؤدي إلى استمرار حالة الجمود، ما يعطل جهود التوافق السياسي في ليبيا ويمنع المجلس من أداء دوره كجهة تمثل كافة الأطراف السياسية. ويعتبر تكالة أن هناك قوى تسعى لإبقاء المجلس مجمدًا؛ لأن ذلك يخدم مصالحها في تعزيز حالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد.