تونس ـ «القدس العربي»: تكثفت المعارك أمس بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر والقوات التابعة للمجلس الرئاسي برئاسة فائز السراج، في محورين رئيسين في ضواحي العاصمة طرابلس، وهما المحور الجنوبي والمحور الجنوبي الشرقي، فيما أصدر مجلس الأمن بيانا اعتُبر ضعيفا بعد ساعتين ونصف الساعة من المداولات المقفلة.
ودعا القرار إلى وقف فوري لإطلاق النار «من أجل تفادي كارثة إنسانية في طرابلس». واقترحت فرنسا عودة الفرقاء إلى مائدة الحوار على أساس تفاهمات باريس وباليرمو وأبو ظبي، في إشارة إلى اجتماعات سبق أن ضمت الغريمين السراج وحفتر، ولم يكن لها أي تأثير عملي في الواقع. ونفى الفرنسيون أن يكونوا اعترضوا على مشروع قرار يدعو خليفة حفتر إلى وقف هجومه العسكري على طرابلس، ردا على تأكيد مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة معارضة باريس للمشروع.
وتركزت اشتباكات أمس في منطقة عين زارة ومطار طرابلس الدولي المُقفل منذ 2014، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الجانبين. وأعلنت قوات حفتر أنها استولت على قاعدة عسكرية تقع على بعد خمسين كيلومترا إلى الجنوب من طرابلس، لكن لم تؤكد ذلك مصادر أخرى. وقال الدكتور مصطفى رحاب الباحث في مركز دراسات في طرابلس لـ«القدس العربي» إن القوة العسكرية الموجودة داخل طرابلس حاليا أكبر من القوة المُهاجمة الآتية من الشرق.
وأوضح أن قوام القوات التابعة لحفتر مؤلف من شبان بعضهم من مواليد 2002، وقيل لهم إنهم ذاهبون إلى استعراض عسكري عندما نُقلوا إلى ضواحي طرابلس. وأضاف رحاب «رأيت الأوضاع في بنغازي بعد المعارك الطاحنة مع قوات تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، ولا أتمنى أن يُصيب طرابلس ذلك الدمار».
وأبدى سكان في طرابلس تم الاتصال بهم هاتفيا مخاوف كبيرة من نقل المعارك إلى داخل العاصمة، ما يؤدي إلى خسائر بشرية كبرى، خاصة إذا ما استطاعت قوات حفتر الدخول إلى وسط المدينة. وحذر المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، والمفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشلاي ومنظمة «يونسيف»، في بيانات منفصلة، من الآثار الوخيمة للهجوم على طرابلس على السكان المدنيين، وبخاصة المُهجرين واللاجئين.
وأفادت إحصاءات للأمم المتحدة أن 4500 شخص اضطرتهم المعارك إلى ترك مناطقهم نحو مناطق أخرى أكثر أمانا، فيما توقعت «مجموعة الأزمات الدولية» أن إعادة انتشار القوات المتقابلة أو حدوث تدخل عسكري خارجي «سيتسبب بكارثة إنسانية». وكان نحو مليون لاجئ من الأفارقة والآسيويين أساسا، نزحوا إلى تونس خلال ثورة 17 فبراير 2011 ضد حكم العقيد الراحل معمر القذافي.
وأعلن ممثل منظمة الصحة العالمية في ليبيا سيد جعفر حسين، أمس، أن المنظمة أرسلت فرق طوارئ إلى مناطق قريبة من محاور القتال من أجل مساعدة المستشفيات الميدانية على مجابهة الطلبات بتنسيق مع وزارة الصحة التابعة للحكومة المعترف بها دوليا.
ويعتقد محللون أن مدينة مصراتة (200 كيلومتر شرق طرابلس)، وهي المدينة الثالثة ستُسيِرُ قوات نحو طرابلس إذا انقلب ميزان القوى العسكري لصالح قوات حفتر، ما قد يُحدث خسائر بشرية ومادية كبيرة. وكانت كتائب مصراتة لعبت دورا حاسما في تحرير مدينة سرت الساحلية من قبضة تنظيم «الدولة» في 2016 وخلفت المعارك دمارا واسعا في المدينة.
ويُرجح أن الصراع الفرنسي الإيطالي على ليبيا، الذي خرج إلى العلن، سيزيد من تغذية الحرب الدائرة بين القوات التابعة لحفتر والكتائب المؤيدة للسراج. في المقابل تحاول دول الجوار العربية إطفاء الحريق المشتعل في ليبيا، من خلال إحياء المبادرة التونسية الجزائرية المصرية. ودعا وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم إلى اجتماع عاجل لوزراء خارجية البلدان الثلاثة من أجل «البحث في السبل الكفيلة بالمساعدة على تجاوز الأزمة في ليبيا»، غير أن مراقبين يشُكُون بفرص نجاح المبادرة بسبب تباعد مواقف البلدان المعنية من الفرقاء الليبيين، إذ تدعم مصر خليفة حفتر، فيما تنبذه كل من الجزائر وتونس، ولا تتمنيان أن يصبح جارا على حدودهما مع ليبيا.