ليبيا: قضية المناصب السيادية تتجمد مجددا بعد اقتراب حسمها وخلافات بين المجلس الأعلى للدولة والنواب

نسرين سليمان
حجم الخط
0

ليبيا – «القدس العربي»: مع تصاعد الآمال باقتراب حسم قضية المناصب السيادية، ها هي مسارات الحلول تتعثر مجدداً، في خلاف واضح بين المجلسين، الجسم الاستشاري المتمثل في المجلس الأعلى للدولة، والجسم التشريعي الآخر والمتمثل في مجلس النواب، واللذين تجمعهما بنود الاتفاق السياسي .

خلاف واضح

ورغم أن هذه الخلافات كانت واضحة للعيان منذ قيام مجلس النواب الليبي بتشكيل لجنة تتولى استلام وفرز ملفات المرشحين لشغل هذه المناصب، إلا أن التوقعات من المراقبين كانت تشير لتنازلات سيقدمها المجلس الأعلى للدولة للدفع بالحل النهائي للقضية المعرقلة للانفراج في الأزمة الليبية .
فقد اعتبر المجلس الأعلى للدولة، بشكل متكرر ومن خلال تصريحات لأعضائه، أن مجلس النواب يعمل متفرداً في هذه القضية مخالفاً لنص الاتفاق السياسي، رغم تأكيد النواب لعزمهم إحالة الملفات المرشحة عقب الفرز للمجلس الأعلى للدولة للاختيار وإعطاء الرأي بالخصوص .
وفعلاً قام مجلس النواب بتجهيز مجموعة من الملفات لكافة المناصب السيادية تشمل المرشحين المؤهلين ممن تم فرزهم لكافة المناصب عدا القضائية منها لاختلاف أوجه ترشيحها، نظراً لمبدأ الفصل بين السلطات .

مخالفة للاتفاقيات

ولكن المجلس الأعلى للدولة رأى أن كل هذه الإجراءات كانت ولا تزال مخالفة لبنود الاتفاق السياسي في مادته 15، والتي تنص على قيام مجلس النواب بالتشاور مع مجلس الدولة خلال 30 یوماً بھدف التوصل إلى توافق حول شاغلي المناصب السیادیة السبعة وھي 7 مناصب: محافظ المصرف المركزي ورئیس دیوان المحاسبة ورئیس جھاز الرقابة الإداریة ورئیس ھیئة مكافحة الفساد، إضافة إلى رئیس وأعضاء المفوضیة العلیا .
وقد ظلت هذه القضية حائلاً دون وصول ليبيا لتوحيد كامل للمؤسسات، نظراً لضمها لأهم المؤسسات القضائية والرقابية والمالية والاقتصادية والتي تقف على المستوى السيادي في الدولة الليبية، وتتصدر قائمة الخلافات بين المتصارعين .
ورغم اجتماع مجلس النواب والأعلى للدولة لحسم هذه القضية في مدينة أبوزنيقة المغربية والتي توصل المجلسان خلالها إلى صورة نهائية للتوزيع الجغرافي لمتقلدي هذه المناصب، في إطار المساهمة في دفع الحلول السياسية، إلا أن هذا المسار قد تجمد مقارنة بغيره، ولم يتخذ القائمون عليه أي إجراء لتحريكه دون إيضاح للأسباب .
وقد وزعت المناصب السيادية بناء على الاتفاق على أساس المعيار الجغرافي على أقاليم البلاد الثلاثة، فمُنح إقليم برقة محافظ ليبيا المركزي وهيئة الرقابة الإدارية، وإقليم طرابلس ديوان المحاسبة والمفوضية العليا للانتخابات، وإقليم فزان هيئة مكافحة الفساد والمحكمة العليا، على أن تراعى التشريعات الليبية النافذة في تولي منصبي النائب العام ورئيس المحكمة العليا، ويكون المنصب الأول لطرابلس والأخير لفزان.
وقد ظل هذا المسار مجمداً حتى قام النواب بتشكيل اللجنة أعلاه، ولكن المجلس الأعلى للدولة رفض ذلك في بيانات متتالية معتبراً إياه مخالفاً للاتفاقين، الاتفاق السياسي، واتفاق أبوزنيقة .

تحليل ورؤى

المحلل السياسي الليبي موسى تيهوساي قال في حديث مع “القدس العربي” إنه ومن خلال متابعته لآليات تنفيذ خارطة الطريق الخاصة بمسارات الاتفاق السياسي بجنيف وبوزنيقة التي ترعاها البعثة الأممية للدعم في ليبيا فإنه يمكن ملاحظة المخالفات الجسيمة في تطبيق أحكام هذا الاتفاق، لا سيما فيما يخص توزيع المناصب السيادية وما تم من خلاله من مغالبات وتفاهمات شخصية على حساب نصوص خارطة الطريق المتفق عليها .
وأضاف تيهوساي أن المخالفات بدأت من عدم تغيير رئاسة مجلس النواب ورئاسة المحكمة العليا والتي من المفترض أنهما من حق المنطقة الجنوبية حسب الاتفاق، وعدم وضوح الآلية والمعايير التي تم على أساسها اختيار المترشحين للمناصب السيادية واستبعاد العديد من الكفاءات من المنطقة الجنوبية.
وتابع أنه لم يعد هناك أي اهتمام من قبل البرلمان بتطبيق لا مخرجات الاتفاق السياسي ولا اتفاق بوزنيقة الخاص بالمناصب السيادية، وأن ما يجري الآن من تجاوز مخجل لكل نصوص الاتفاق السياسي هو جزء من سياسة الإقصاء السياسي عبر تكريس الأمر الواقع والولاءات الجهوية والبراغماتية التي اعتاد المسؤولون في ليبيا انتهاجها والتي هي سبب رئيسي للحروب العبثية التي حصلت في البلاد، كما تعد من أكبر صور الظلم الإداري والفساد التي شملت واجهة ليبيا منذ عقود من الزمن.
وبين خلاف الأجسام المسؤولة في الدولة، والتي تمثل السلطات التي تقوم عليها البلاد، تبقى الأنظار في هذه القضية تحوم حول البعثة الأممية والتي تمكنت من الضغط لإتمام مسارات عدة، ولقدرتها على الضغط لتنفيذ هذا المسار المهم والتي لا تقوم أي دولة بدونه.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية