ليبيا: من اشتباكات طرابلس إلى أزمة التطبيع حكومة الغرب مهددة بالإطاحة وسط تغير في المواقف الدولية

نسرين سليمان
حجم الخط
0

طرابلس ـ «القدس العربي»: ضبابية تخيم على المشهد السياسي في ليبيا، البلد الذي لم ينعم باستقرار سياسي وأمني منذ 12 عاماً وحتى يومنا هذا، في ظل انقسام ضرب كافة مفاصل الدولة، وتوتر أمني ونزاعات بين فصائل مسلحة لم تستطع أي سلطة أن تسيطر عليهم لتضمهم تحت جناح مؤسسة عسكرية واحدة.

ومع التوتر الذي تعيشه القارة الأفريقية وتحديداً الجارتين الحدوديتين لليبيا النيجر والسودان، تصاعدت التساؤلات حول مصير ليبيا البلد الغني بالثروات صاحب الموقع الاستراتيجي الهام والذي لقب ببوابة القارة الأفريقية، وهل سيصل له غليان جيرانه أم لا؟
أحداث متصاعدة دعت مدونين إلى التساؤل حول انتهاء زمن حكومة الدبيبة من عدمه وحول رغبة المجتمع الدولي سحب البساط منها، وعن مدى احتمالية استعمال القوة المفرطة كما حدث في عام 2019 في ظل تعقد المشهد.

حكومة جديدة

لم تستطع القوى الدولية وحتى المحلية وضع حد للانقسام الذي ضرب الجسم التنفيذي في البلاد والمتمثل في حكومة الدبيبة المعينة من ملتقى الحوار السياسي في تونس وحكومة أسامة حماد المعينة من البرلمان والتي كان يترأسها فتحي باشاغا، حيث ظلت الحكومتان المتخاصمتان تعملان من مناطق نفوذ مختلفة.
ووفق معطيات المشهد الحالي وضعت ليبيا أمام خيارين إما التوجه للحرب مجددا أو التوجه للانتخابات بحكومة جديدة، فقد بدأ الدبيبة يخسر تدريجياً الدعم الدولي له، وحلفاءه خارجياً مع صدور أولى المطالبات لتشكيل حكومة موحدة من القوى الخارجية المسيطرة.
تغير سريع تعيشه معطيات السياسة الليبية داخلياً وخارجياً بدأ يتضح أكثر بعد دعوة المبعوث الأممي عبد الله باثيلي إلى «تشكيل حكومة موحدة» رغم رفضه سابقاً وفي الوقت الذي كان ينتظر متابعو الشأن الليبي أن يفعل مقترحه السابق بتشكيل «لجنة رفيعة المستوى» للإعداد للانتخابات.
فقبل أسابيع تصاعدت دعوات باثيلي وخلافاته مع مجلس النواب بسبب حديثه المتكرر على تعديل قوانين الانتخابات التي أعدتها لجنة 6+6 البرلمانية المشتركة لتضمنها مواد غير قابلة للتطبيق، وإحدى هذه المواد تشكيل حكومة جديدة واصراره على رفض الحكومة الثالثة.
تصريحات صاعدت من الجدل والتساؤلات حيث يعلم المبعوث الأممي جيداً أن حكومة الدبيبة ترفض بشكل قطعي تسليم السلطة إلا لحكومة معينة من برلمان منتخب، ما يجعل من الصعب تشكيل حكومة جديدة حتى ولو توافق مجلسا النواب والدولة عليها، وحكومة فتحي باشاغا، نموذج على ذلك.

محاولات للتحالف أم انقلاب؟

بحث رئيسا مجلسي الرئاسي الليبي محمد المنفي، والنواب عقيلة صالح، والجنرال المتقاعد خليفة حفتر، مستجدات المسار السياسي في ليبيا، خلال اجتماع هو الأول من نوعه بين المسؤولين الثلاثة، عُقد في مدينة بنغازي في 19 آب/اغسطس الماضي وفق بيان مشترك صدر عنهم.
وذكر البيان أن المنفي وصالح وحفتر اتفقا على «التأكيد على الملكية الوطنية لأي عمل سياسي وحوار وطني وعدم المشاركة في أي لجان إلا بالإطار الوطني الداخلي دون غيره».
كما اتفقا على أن «يتولى مجلس النواب اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة باعتماد القوانين الانتخابية المحالة إليه من لجنة (6+6) بعد استكمال أعمالها واجتماعاتها لوضعها موضع التنفيذ».
الاجتماع الذي اثار جدلا واسعاً اعتبره مدونون سحبا للسجادة من تحت أقدام حكومة الدبيبة ووزراءه دعماً من المنفي فيما رآه آخرون محاولات لتقريب وجهات النظر، إلا أن رفض البرلمان النهائي والقاطع التعاطي مع حكومة الدبيبة يعزز الخيار الأول ويقوي من فرضية الرغبة المحلية والدولية لإسقاط حكومة الدبيبة.
حيث أكد مراقبون للمشهد أن المنفي قفز من مركب الدبيبة الغارق، وذهب للاتفاق مع صالح وحفتر، وقبلها مع تكالة، للحفاظ على بقائه ووجوده، بعد أن فقد الدبيبة الأدوات السياسية، والاجتماعية أيضاً، وقبل كل شيء ظهيره العسكري الذي استطاع السيطرة به على طرابلس طيلة السنوات الماضية ومنع خصمه فتحي باشاغا من دخول العاصمة عدة مرات.
مواجهات طرابلس الأخيرة اختلفت عن سابقاتها من الحروب التي نشبت بين التشكيلات المسلحة، فقوتها ودمويتها وظهور الدبيبة بموقف العاجز عن وقفها، بل ولجوؤه إلى الأعيان والحكماء متوسلاً وقف القتال، كلّ ذلك زعزع وضع الدبيبة بشكل كبير.
حيث وفي منتصف اب/أغسطس شهدت بعض مناطق طرابلس وضواحيها اشتباكات مسلحة بين مجموعتين مواليتين للحكومة التي تتخذ من العاصمة مقرا، ما أدّى إلى إقفال مطار طرابلس وتعليق الرحلات الجوية ونقل الطائرات إلى مدينة أخرى.
وأسقطت الاشتباكات المسلحة التي شهدتها العاصمة الليبية طرابلس، 55 قتيلا و146 جريحا، حسب ما أفاد به متحدث طبي في أسوأ أعمال عنف تشهدها المدينة هذا العام. ووقعت الاشتباكات بين اللواء 444 وقوة الردع الخاصة، وهما القوتان العسكريتان الأكثر نفوذا في طرابلس، في مشهد يعيد حالة عدم الاستقرار إلى العاصمة التي تتنافس فيها مجموعات مسلحة موالية بشكل عام لـ «حكومة الوحدة الوطنية».
وبشكل عام فقد الدبيبة قدرته على السيطرة على المجموعات المسلحة المتمركزة في طرابلس رغم أنه ومع نهاية عهد حكومة الوفاق الوطني، وخلال عهد حكومة الوحدة الوطنية، بدأت القوى المسلحة تأخذ طابع العمل تحت مسميات حكومية بصفات أمنية متعددة، لكنها تحتفظ في ذات الوقت باستقلالها.
ويسيطر على العاصمة طرابلس، عدد من القوى المسلحة متغيرة الولاءات والتشكيلات، على خلفية تغير موازين القوى السياسية والحكومات المتعاقبة طوال السنوات الماضية. أبرز هذه التشكيلات هم جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة وهو أحد أطراف الصراع الأخير في العاصمة طرابلس، وينحدر تحت مسمى تحمله كتيبة الردع الخاصة، فضلا عن جهاز دعم الاستقرار هو مسمى تحمله كتيبة أبوسليم التي تأسست عام 2012 بقيادة عبد الغني الككلي واللواء 444 مشاة وهو مجموعة تكونت على يد العقيد محمود حمزة، الذي كان من أبرز قيادات كتيبة الردع الخاصة وقوة العمليات الخاصة التي تألفت من بقايا كتيبة الصواعق المنحدرة واللواء 111 مجحفل الذي يترأسه اللواء عبد السلام زوبي فضلا عن عدد آخر من الفصائل المسلحة الصغيرة.
ورغم أن حكومة الوحدة الوطنية استطاعت تغيير شكل خريطة النفوذ في العاصمة، ولا سيما على خلفية ولاء عدد منها لصالح حكومة باشاغا إلا أنها بدأت تخسر نفوذها مع استعداد بعض التشكيلات للتحالف مع آخرين ضد الدبيبة وهو ما أثبتته الاشتباكات الأخيرة.

أزمة التطبيع

رغم أن حكومة الدبيبة ظهرت في منزلة المخطأ الكبير بعد الغضب الشعبي الذي اندلع على خلفية لقاء وزيرة خارجيتها نجلاء المنقوش مع وزير الخارجية الإسرائيلي، إلا أن القضية استغلت من قبل البرلمان والجبهة الشرقية للبلاد وداعميهم غرباً للاطاحة بحكومة الدبيبة وهو ما بدا واضحاً من توجه الاحتجاجات في الأيام القليلة والماضية والداعون لها.
حيث دعا البرلمان وعدد من الجهات المحلية فضلا عن مؤسسات محلية ونشطاء وجمعيات إلى إسقاط حكومة الدبيبة على خلفية الأزمة الأخيرة وظهرت في موقع العاجز عن التبرير وهو ما قلص من نفوذها وقوتها محلياً وجعلها تظهر في موقع المرتبكة.
ويتخوف الدبيبة من اتساع نطاق التظاهرات ويعمل جاهدا على كبحها أمنيا أو من خلال نشطات سياسية وشعبية اعتبرها منتقدوه، محاولة للفت الانتباه عن مسؤوليته المباشرة عن ترتيب لقاء المنقوش-كوهين في روما، بينما يسعى لكسب دعم أمريكي وخارجي يسنده.
ويتحدث مراقبون عن احتمالية أن تناور حكومة الدبيبة للخروج من هذا المأزق الذي أثر على رصيده الشعبي في غرب ليبيا خاصة وأن التطبيع أو الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي مسألة شديدة الحساسية في ليبيا.
وبشكل عام فإن توجه الأحداث يشير إلى تغير قريب في موازين القوى حيث بقيت الدولة أمام خيارات أما التوجه إلى الحرب في حال استمر تعنت الدبيبة والجناح الشرقي كل على موقفه، أو سحب البساط من تحت أقدام حكومة الدبيبة وهو ما أصبح مرجحاً مع تطور الأحداث دوليا ومحليا.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية