ليبيا: هل كان يمكن تجنّب الكارثة؟

حجم الخط
0

هاجمت العاصفة «دانيال» مقاطعة مغنيسيا في اليونان بأمطار غزيرة أدت إلى مصرع 11 شخصا وفقدان آخرين وبأضرار مادية كبيرة، وجرفت السيول منازل ودمرت بنى تحتية وأتلفت محاصيل، لكن الإعصار نفسه، حين وصل ليبيا يوم الأحد الماضي، وضرب مدن بنغازي والبيضاء والمرج وسوسة ودرنة، كان مفعوله أشبه بيوم قيامة في درنة خصوصا، فهبوط الأمطار الغزيرة أدى إلى امتلاء سدي أبو منصور ووادي درنة بكميات قياسية فانهارا وضربت 200 مليون متر مكعب من المياه منازل مدينة درنة شمال غربي البلاد بعنف هائل مما أدى إلى غرق ربع المدينة واختفائه عن وجه الأرض، وأخذ البحر يطرح عشرات الجثث، فيما توقع المسؤولون وصول عدد القتلى إلى 20 ألفا أو أكثر، وانتشار الأوبئة بحيث تحوّل المشهد إلى كارثة شاملة.
كان أحد خبراء علوم المياه الليبيين، عبد الونيس عاشور، قد حذّر من هذا المصير، قبل عام، حين قال في دراسة إنه «إذا حدث فيضان ضخم، ستكون النتيجة كارثية على سكان الوادي والمدينة برمّتها» مشيرا إلى «تهالك السدود القائمة في المنطقة» ومشددا على أن على المسؤولين اتخاذ إجراءات فورية.
أما وقد وقعت الكارثة فمن المفيد هنا التأكيد على ما قاله بيتيري تالاس، الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تصريح له أمس الخميس، أنه كان من الممكن تجنب سقوط ضحايا في فيضانات ليبيا لو كان لدى الدولة المنقسمة هيئة أرصاد جوية قادرة على إصدار التحذيرات وكانت قوات إدارة الطوارئ قادرة على تنفيذ عملية إجلاء السكان. مؤكدا: «كان بإمكاننا تجنب معظم الخسائر البشرية».
لم يقم المسؤولون، على ما نصح عاشور «باتخاذ إجراءات فورية» ولم تقم «إدارة الطوارئ» بتنفيذ عملية إجلاء السكان.
تقع درنة ضمن سلطات حكومة الشرق التي تخضع لنفوذ الجنرال خليفة حفتر، وحسب أقوال رئيس حكومة الوحدة في طرابلس، عبد الحميد الدبيبة، فإن عشرات الملايين من الدنانير تم تخصيصها لصيانة السدين لكن «عقود الصيانة لم تستكمل» موجها بإجراء تحقيق.
لكن الحقيقة التي يجب أن تقال هي إن السلطات التي تسيطر على مقدرات الشرق الليبي، ومدينة درنة بالتالي، لم تقم بإجراءات أخرى كانت ممكنة، بغض النظر عن عمليات الفساد المحتملة التي أدت لعدم صيانة السدين. من ذلك، أن السلطات، لم تقم بتفريغ السدين قبل العاصفة عبر فتح الصمامات للتعامل مع هطول الأمطار بغزارة، وهو ما أدى لانهيار السدّ الأول بعد أن ارتفعت المياه فيه 30 مترا وتبع ذلك بالضرورة انفجار السدّ الثاني، وهو ما دفع لتدفّق المياه بارتفاع 12 مترا في وادي درنة وأدى إلى هدم كل المنازل والمنشآت في ممر الوادي وحوله.
من المثير للتفكر أن سكان تلك المدن التي ضربها الإعصار كانوا يتعرضون لقمع نظام معمر القذافي، وأن هذا القمع استمر مع سلطات الجنرال حفتر، وقد تعرضت هذه المناطق، ودرنة تحديدا، لحصار استمر عامين من قبل قوات حفتر، وتعرضت للقصف كثيرا والغريب أن القصف طال درنة تحديدا عام 2018، من طائرات حربية قيل حينها إنها تابعة لسلاح الجو المصري.
لمن يتساءل عن الأمر الذي يشغل المتحكمين بأمر ليبيا عن إنقاذ الآلاف من الواقعة التي حصلت، عليه أن يقرأ بشارة الصديق حفتر، نجل الجنرال الليبي، بعد أيام من وقوع الكارثة لليبيين المتمثلة في إعلانه استعداده للترشح لرئاسة البلاد، قائلا إن لدى عائلته المقدرة على «رأب الصدع بين الليبيين». لكن ماذا عن «رأب صدع» الإعصار المهول، ونجدة المنكوبين من أهل درنة والشرق؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية