ليس الجيش كوكاكولا

حجم الخط
0

في واحدة من ليالي شهر نيسان 1988 عملت قوات من الجيش الاسرائيلي على مبعدة 2500 كم عن حدود اسرائيل، وهذه مسافة تكاد تكون ضعف مسافة عملية سلاح البحرية في الاسبوع الماضي. وشاركت في تلك العملية قوات من سلاح البحرية ودورية هيئة القيادة العامة والموساد. وتمت العملية بنجاح فلم تقع اصابات في قواتنا وتم احراز الهدف.
وبقيت القوات في البحر جيئة وذهابا أكثر من اسبوع وعادت الى الوطن بسلام. ولم يقل كلمة واحدة في ذلك الشأن لا من غد ولا في الايام التي تلت ولا في الاشهر التي تلت ولا في السنوات التي تلت، رئيس الوزراء آنذاك اسحق شمير ووزيرا الدفاع والخارجية اسحق رابين وشمعون بيرس، ولا رئيس هيئة الاركان ونائبه ورئيس شعبة الاستخبارات وقائد سلاح البحرية، ولا رئيس الموساد قطعا. ولا يعني ذلك أنه لم يكن يوجد عندهم ما يقولونه.
لم تعترف دولة اسرائيل رسميا الى اليوم بذلك الفعل. ولا يعني ذلك أن السر الكبير لم يُكشف عنه حينما كان جنود الجيش الاسرائيلي في عرض البحر بعيدا عن الوطن، لكنه يوجد في الشيفرة الدولية شيء ما مثل ‘أنا أعلم أنك تعلم’، وما لم يتم الحديث في ذلك علنا ولم يُصدق تنفيذ الفعل ولم يُنشر فقد اعتيد أن يصمت الطرف الذي تعرض للضرب. كانت حالات خرجنا بعدها في رقص للنشر الاعلامي، وأعلنا وتفاخرنا ودفعنا عن ذلك ثمنا باهظا من الدماء: وأنظروا الى السيارات المفخخة وعشرات القتلى في بونس آيرس في الارجنتين. إن فخر طرف من الاطراف يجر احيانا ردا قاسيا من الطرف الآخر.
هل كان من الممكن وهل كان يجب السكوت بعد عملية الاسبوع الماضي؟ يبدو أن لا. وإن لسؤال لماذا كان يجب الجري والحديث للرفاق عدة أجوبة في مقدمتها علم السفينة البنمي والملاحون الاتراك. وقد تغير الزمن ايضا فما كان مناسبا في 1988 لم يعد صوابا في ايامنا هذه حينما أصبحت حتى زيارة المرحاض مصحوبة بعدسات التصوير والتقارير الجارية.
ما زالت توجد حتى في عصر التويتر والفيس بوك والانستدرام آلاف العمليات والاعمال في العالم كله لا يتم الكشف عنها، ويمكن أن نعتقد أنه لن يُكشف عنها. فالدول ولا سيما تلك الموجودة في حال حرب كاسرائيل، لا تستطيع أن تصمد حتى لحظة واحدة دون سرية.
ما الذي شوش علينا اذا في العملية الاخيرة؟ إنه الهجوم على كل عدسة تصوير وسماعة ولا سيما من قبل الساسة، لكن لم يكونوا وحدهم. كان بينهم غير قليل أرادوا أن يحظوا بكل ثمن بذرات غبار مجد العملية.
ونقول بالمناسبة إنهم سيبذلون دائما كل جهد كي يغمزوا كل من اقترب منهم قائلين ‘إنهم يعلمون ولا يستطيعون الحديث’. وهم الأشد خطرا: فهم يتحدثون بلغة مزدوجة ويشتهون أن تكشف ‘نيويورك تايمز’ و’الغارديان’ عن السر الكبير، وحينها يستطيعون أن يفتحوا أفواههم ليقولوا ما عندهم.
يؤسفنا أنه قد وُجد زعماء كشفوا عن أسرار أمنية من اجل مكاسب سياسية فقط. ويصح هذا على حكومات الليكود والعمل معا. واليكم مثالا من السنوات الاخيرة: فقد ثرثروا هنا من اجل التشهير السياسي الشخصي متحدثين عن الهجوم على المفاعل الذري الذي كان يُبنى في سوريا. وكان السوريون أكثر حكمة فسكتوا.
إن الضجة الاعلامية والسياسية تُعوج طريقة عمل الجيش الاسرائيلي في التخطيط، وفي التنفيذ بيقين. فالجندي الذي يجب عليه أن يفكر كيف سيظهر في التلفاز وكيف سيُسمع في الراديو هو جندي سيء. يجب على الجندي في كل رتبة أن يحرز شيئا واحدا فقط هو النصر. ومع كل الاحترام فان ملاحظات الصحفيين بعد يومين ليست مهمة حين الانقضاض على قطع بحرية تحمل قذائف صاروخية.
ويكون التعويج اسوأ حينما يستعمل القادة لغة مشحوذة: ‘يا سيدي رئيس هيئة الاركان، إن سلاح البحرية يُشرفه أن يقدم اليك…’. وأنا مستعد لأن أضع يدي في النار اذا كان قائد سلاح البحرية قد تحدث على ذلك النحو حينما انتهى الاستيلاء على السفينة. من المعقول أكثر أنه صدرت عنه شتيمة لأم الايرانيين.
ونقول إننا لا نعترض على مجرد نشر العملية. لكن التسلق فوق ظهر سلاح البحرية والجيش الاسرائيلي بفضل عملية واحدة كان مبالغا فيه: رئيس الوزراء في رسالة من الولايات المتحدة مباشرة، ووزير الدفاع المختبيء بين المواعين مع بشرى لشعب اسرائيل، ورئيس هيئة الاركان في صورة من بئر القيادة، وقائد سلاح البحرية بكامل جلاله، ونائب قائد سلاح البحرية بكامل فخامته، وضابط قسم العمليات في الوحدة البحرية ورئيس شعبة الاستخبارات موضحا ومُبينا. المعذرة، هل بقي أحد لم ينتهز هذه الفرصة؟ أيها الاصدقاء الأعزاء، .

يديعوت 9/3/2014

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية