الأمل في الأبجدية التي يصوغها الكاتب، فكل من يصوغ نصوصه من كلمات سوف يستخدم حروف الأبجدية، كمن يبدأ للمرة الأولى. هنا يكمن الأمل متمثلاً في شكل جديد ومختلف وخاص من الكتابة. هنا نص جديد يتوجب الانتباه له، باعتباره صنيعاً لا يشبه أحداً قبله، وبطبيعة الحال لا يقبل التقليد بلا فضيحة.
٭ ٭ ٭
الأبجدية هي بداية كل شيء، وحين قال العهد الجديد «في البدء كان الكلمة» إنما كان يعني أن البداية تنشأ من حروف الأبجدية، ففي الأبجدية تبدأ الحروف والكلمات. الكلمة، التي تنشأ من الحروف، تعني رؤية الشخص لمشروعٍ يفعل. الصنيع الإنساني يبدأ بهذه الرؤية الغامضة، التي يجري توضيحها بالحروف والكلمات، من أجل ان تصير صنيعاً قيد العمل.
٭ ٭ ٭
حتى عندما قال النص الأول (كن فيكون) إنما هو يشير إلى ما يشبه المنظور الذي يسبق الحقيقة. جميعنا نسعى لتحقيق حياتنا بمنظور نراه (نتخيله) قبل ذلك السعي. القدرة الأسطورية الغامضة تنشأ من طاقة تحويل الفكرة إلى كينونة، ذلك أن الكيان المكتمل سوف يمر بمراحل مختلفة من أجل أن يصير، بدايته تنشأ من الرؤية الأولى الغامضة، فيما نتخيل ما نسعى إلى تحقيقه.
٭ ٭ ٭
الخيال خطوتنا الأولى في طريق سعينا نحو الفعل، وكل فعل يخلو من خيال يسبقه قذ يتعثر لتشوش الرؤية. مخيلتنا النشيطة تساعدنا على رؤية ما نذهب إليه، بوضوحٍ أكثر. مثل تلك الناقدة التي أشارت في كتابها عن «الشعر، وتذوقه» إلى (أن الناقد وهو يذهب الى الشعر، يتوجب أن يتخيل قبل ذلك الشعر الذي يريد، تماماً كالصياد الذي يذهب الى الغابة يريد أسداً، لا بد له من أن تكون لديه صورة واضحة للأسد، فربما صادف غزالاً في الغابة يحسبه أسداً).
٭ ٭ ٭
المخيلة هنا هي التي تجعل الكاتب يدرك ماذا يريد قبل أن يمسك بالحروف والكلمات، ويخضع الأبجدية لصنيع غير فعال. مخيلتك النشيطة تقودك إلى النص الذي تحب، دون هذه المخيلة، تدخل الكتابة لكي تفشل منذ لحظتك الأولى. مخيلتك هي قنديلك الدليل في مجاهيل الكتابة. الأبجدية بين يديك قد تكون أداة خطرة.. أداة تقتلك أحياناً، إذا لم تتميز بمخيلتك النشيطة، فخذ حصانك من الريح، واجعل أجنحتك في الحرية.
٭ ٭ ٭
قل للذين يضعون القوانين أمامها: الكتابة تحسن القفز، قفز حواجز التعجيز، فلديها من الأبجدية ما يكفي من الأحلام لكي تطير، للغة الريح والأجنحة التي لا تحصى.
٭ ٭ ٭
الخطورة تكمن للعاجز الذي يرخي الأعنة، الكاتب الباسل هو من يشد على فرسه العنان ويطير. ففي النجاة من الخطورة شيءٌ من الخسارة. الباسل لا يخسر سوى حريته، وحرية الكاتب هي الكتابة والريح، فليست الأجنحة للزينة.
كاتب وشاعر بحريني