ايرب “سكوتر” ليبي، كان رئيس طاقم ديك تشيني نائب رئيس الولايات المتحدة في عهد بوش الابن. كان تشيني نائب رئيس عظيم النفوذ، وليبي يده اليمنى. كما أنه كان صديقاً مهماً لإسرائيل، مقدراً وناجعاً، لكن ليس لهذا السبب أجر اسمه لهذا المقال.
في أثناء الاجتياح الأمريكي للعراق، دار جدال مرير عن قدرات صدام حسين العسكرية. ادعى ليبي وزملاؤه بأن لدى صدام سلاح دمار شامل. كان الذريعة التي استخدموها لتبرير الاجتياح. جوزيف ولسون، سفير سابق نشر مقالاً دحض فيه ادعاءهم، فقرر مسؤولو البيت الأبيض الثأر منه عبر زوجته. فسربوا اسمها، فيلري فلايم، للصحافيين. كانت فلايم عميلة سرية لـ سي.اي.ايه تعمل تحت غطاء. وكشفها عرّض حياتها للخطر، وقطع حياتها المهنية قبل الأوان. في أمريكا، مثلما في إسرائيل، يعد كشف هوية العملاء مخالفة جنائية.
اضطر ليبي للاستقالة من مناصبه في البيت الأبيض، وقُدم إلى المحاكمة، وأُدين وسُجن ثلاثين شهراً. كما أن رخصته للمحاماة ألغيت. في نهاية مسيرة طويلة، نال عفواً بفضل علاقاته السياسية، لكن انتهت حياته المهنية في خدمة الدولة إلى الأبد.
نشرت النائبة في حزب الليكود، تفاصيل شخصية لعميل “الشاباك”، بهدف الثأر من زوجته البروفيسورة وامرأة الاحتجاج شيكما براسلر. نشرت غوتليف قصة عن لقاء زعمت أنه جرى بين رجل “الشاباك” والسنوار، عشية 7 أكتوبر. وأوضح رئيس “الشاباك” أنها كذبة؛ وأوضح رئيس الموساد كذلك بأن ثمة ادعاء آخر لها أيضاً وهو أنه التقى براسلر، كذب هو الآخر. وانضم نتنياهو، الوزير المسؤول عن الجهازين، إلى النفيين بصوت واهن، مع تدويرة عين. المصدر الذي اعتمدت عليه غوتليف كشف النقاب عنه موقع “بيك ريبورتر” (مخبر زائف) كرجل متخفّ في الإنترنت بشخصية امرأة تحمل اسماً ملوناً “عدنا كرنفال” معجبة متحمسة لغوتليف.
سخيف؟ بالتأكيد. من السهل أن نصف السيدة كنكتة تسير على قدمين، كشذوذ للمقاييس، كمادة هزلية. لشدة الأسف، هذا خطأ. تبدو غوتليف مقياساً في الواقع السائد هنا في السنة الأخيرة، فهي الكنيست، هي الحكومة، هي المعيار السائد. أما الآخرون فشذوذ.
لا فرق حقيقياً بين الحريات التي تأخذها لنفسها والحريات التي يأخذها لأنفسهم كل من وزير الاتصالات شلومو كرعي، ووزيرة المواصلات ميري ريغف، ووزير العدل يريف لفين، ووزير الأمن القومي بن غفير، ووزيرة المستوطنين أوريت ستروك، ووزير الذرة دافيد أمسالم، وزملائهم. كل منهم يسيء استخدام الصلاحيات التي ليست له، ويفعل هذا علناً، من خشبة القفز. الحرب في غزة لم تغير شيئاً؛ فلا معنى لا للحقائق ولا للمصلحة العامة ولا للقانون.
أمس، انعقد في مباني الأمة بالقدس مؤتمر يدعو للعودة إلى الاستيطان في قطاع غزة. كان الجواب جاهزاً للجمهور لسؤال ما سيحصل لمليوني نسمة فأكثر يعيشون هناك اليوم، معظمهم في الخيام؟ بن غفير خطب والجمهور ردد وراءه “ترحيل”.
كان يمكن أن نتوقع بأن الليكود سيجري لغوتليف استماعاً عقب المخالفة الأمنية التي ارتكبتها ظاهراً بنية إخراجها من لجنة الخارجية والأمن. لكن هذا لم يحصل ولن يحصل، لا عندما يدور الحديث عن نمط سلوك، ولا عندما يدور الحديث عن شيكما براسلر، عدوة القاعدة.
فكروا في الهوة التي تفغر فاها بين نوعين من الشخصيات العامة يمثلان دولة إسرائيل في هذه اللحظة.
أمس، في باريس، مثّل الدولة في الموضوع الأهم كل من رئيس الموساد دادي برنياع، ورئيس “الشاباك” رونين بار، واللواء المسؤول عن مسألة المخطوفين نيسان ألون: عصبة نوعية، أفضل الموجود. نتنياهو بعثهم. ولكن في نظر العصبة التي تعطي النبرة في الليكود فإن برنياع يرتبط بالخونة، وبار عميل حماس، وألون يساري متطرف… كلهم أعداء الشعب. يشهر بهم ليس في تغريدات سامة للوزراء فقط، بل أيضاً في نبرة سائدة لدى رئيس الوزراء في البيت، الأقرب إلى أذنه.
من يمثل الحكم في إسرائيل، هؤلاء أم أولئك؟ دولة أم عصابة، هذا هو السؤال.
ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 29/1/2024