ما حدث في ليلتي الثلاثاء والأربعاء الماضيتين في دوري أبطال أوروبا، لم يكن عابراً أو مجرد مفاجأتين في مباراتي كرة قدم، بل كان اعلاناً صريحاً عن انتقال مراكز قوى الشعبية والنجومية وغزارة الأهداف، من العملاقين ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو الى كيليان مبابي وايرلنغ هالاند، بل هناك الأرقام التي تدعم هذا الطرح.
انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية، منشورات وتغريدات تتغنى بروعة نجمي باريس سان جيرمان وبوروسيا دورتموند، وخيبة قائد برشلونة ابن الثالثة والثلاثين عاماً، وعجز ابن السادسة والثلاثين هداف اليوفنتوس، اللذين سيطرا على المشهد العالمي في غزارة الاهداف التي سجلاها، والتي قادتهما الى احراز جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم 11 مرة من آخر 12، ليبرز مبابي (22 عاماً) بهاتريك في عرين ميسي، في ليلة ذكرت بحجم الكارثة والازمة التي يعانيها برشلونة، فيما سجل هالاند (20) هدفين وصنع آخر لدورتموند في انتصار على «المتألق محلياً» اشبيلية، في ليلة ظل رونالدو عاجزاً عن فعل أي شيء لمنع سقوط اليوفي أمام بورتو 1-2.
ووصل حد التشابه بما كان يفعله ميسي بالرد على أهداف رونالدو خلال سنوات صراعاتهما في الليغا، الى درجة أن هالاند شكر مبابي على تألقه في الليلة السابقة لانها منحته الالهام في ليلة تألقه، وكأنه يعلن بكل «وقاحة»، ان «هذا الوقت هو وقتنا»، رغم ان الغريمين من العيار الثقيل، فرونالدو، وبحسب بعض المؤرخين، هو الهداف الاول في تاريخ كرة القدم بتسجيل ما مجموعه 763 هدفاً، وهو الاعلى تهديفاً في تاريخ دوري الأبطال، والتي أحرز لقبها 5 مرات، وهو الهداف التاريخي لريال مدريد، ويبتعد بفارق 7 أهداف عن الرقم القياسي لأعلى هدافي المنتخبات. أما ميسي فهو الهداف التاريخي للدوري الاسباني ولبرشلونة، والفائز مع النادي الكتالوني بـ34 لقباً. في المقابل أصبح مبابي الذي منذ سنوات ونحن نتوقع ان تنفجر موهبته بكامل قوتها، ثاني أغلى لاعب في العالم عندما ضمه سان جيرمان بـ180 مليون يورو بعد لعبه 46 مباراة فقط لموناكو. وفي عمر الثانية والعشرين هو أصلاً الثالث الأعلى تهديفاً في تاريخ النادي الباريسي بـ111 هدفاً، خلف كافاني وابراهيموفيتش، وهو بطل للعالم مع منتخب فرنسا في 2018 وهو ما عجز عنه ميسي ورونالدو. فيما كان بروز هالاند (20 عاما) مفاجأة لكثيرين، فهو كان مجهولاً قبل عامين، الى أن تألق بسلسلة من الأهداف في دوري الابطال، وأصبح لديه اليوم 18 هدفاً من 13 مباراة، سجلها مع سالزبورغ النمساوي ودورتموند، ولم يسبق لأي لاعب ان سجل هذا الكم من الاهداف في المسابقة، حتى بلعب 20 مباراة.
المفارقة هنا عندما نقارن أهداف النجوم الأربعة في دوري الابطال قبل وصولهم الى سن الحادية والعشرين، سنجد ان مبابي سجل 19 هدفاً، وهالاند 18، وميسي 8 أهداف، فيما لم يسجل رونالدو أي هدف قبل بلوغه هذه السن، وهذا بكل تأكيد يعني ان لدينا ما نتطلع اليه بعد اعتزال ميسي ورونالدو، وهذا يعني أن مركز القوى والنجومية سينتقل أخيراً من قبضتي النجمين الارجنتيني والبرتغالي، ويعني أيضاً ان هناك صراعاً آخر سيحتدم بين موهبتين رائعتين.
وحتى للمشككين اليوم بأن تألق مبابي وهالاند عابر ولن يدوم، فان الأرقام ستساند نظرية انتقال السلطة، فمنذ بداية موسم 2019-2020 فان رونالدو لعب 64 مباراة وسجل 55 هدفاً وصنع 9، فيما لعب ميسي 66 مباراة وسجل 47 هدفاً وصنع 29، ولعب هالاند 58 مباراة وسجل 62 هدفاً وصنع 7، ولعب مبابي 57 مباراة وسجل 44 هدفاً وصنع 19. ورغم أن الارقام تبدو مرعبة لجميع النجوم الأربعة، لكن التقارب أصبح تدريجياً ويقترب من تفوق الصغيرين، خصوصاً اذا حسبنا فقط مباريات دوري الابطال خلال هذه المدة فسنجد أن هالاند ومبابي سجلا معاً 28 هدفاً، فيما سجل ميسي رونالدو معاً 15 هدفاً فقط.
المخيف في موهبتي هالاند ومبابي هو السن الصغيرة التي يسجلان فيها الأهداف، ففي دوري الابطال وقبل وصولهما سن 21 عاماً، لم يصل أحد الى رقميهما، مبابي (19 هدفاً) وهالاند (18)، فبنزيمة أحرز 12 هدفاً وهو في المركز الثالث خلفهما، فيما أحرز ميسي 8 أهداف ورونالدو صفر (0). والفارق بين النجمين ان أحدهما سريع ومراوغ والآخر قوي الجسد ومخيف، لكن الاكيد أنهما يعرفان طريق الشباك بصورة غير مسبوقة، في حين يدفع ميسي ورونالدو ثمن لعبهما لفريقين يعيشان أزمة وفي خضم مرحلة انتقالية واعادة بناء. فهل تتفقون عن قرب انتقال السلطة الى الصغيرين؟
(2) من (2)
أمام ميسى نحو ست سنوات حسوما يقطعها إبداعاً ليصل للحظة عطاء إبراهيموفيتش الراهنة…
ولا شك أن في جُعبة الساحر الكبير ميسي الكثير من الأعوام والشهور
ورصيده من أسرار ..
لدى البرغوث الكثير من الوقت ليصول ويجول ويجندل المدافعين، ويجلد حُراس المرمى …
ويُبطل سحر امبابي وهالاند وصلاح وسواهم من صغار سحرة فرعون …
(1) من (2)
تقول الحِكمة أنه:
كلما كبر الساحر عمراً كلما ازداد نضجاً …
ألا تُبصر يا أستاذ خلدون أمامك الساحر السويدي زلاتان إبراهيموفيتش …
يقف على بُعد خطوة واحدة من ولوج العقد الخامس من عمره …
لكن أقدام الفارس القادم من بلاد التزحلق على الثلج …
ما تزال في الملعب راسخة وفاعله، وما تزال لمسات ابن الأربعين ساحرة …
ومايزال حتى اللحظة يزحلق المدافعين ويحرز أهدافاً مباغتة وقاتلة …
وما يزال نجماً متلألاً في سماوات الكرتين الأرضية والمستديرة.
علماً بأن فارق السِن بين ذلك القادم متزحلقاً من ثلوج القُطب الشمالي
وبين البرغوث الزاحف على أطراف قدميه الصغيرتين متلألئاً من عند تخوم
القطب الجنوبي يلعب لصالح الأخير…