في نهاية آب تم بث مسلسل قصير في “كان 11” بمناسبة الذكرى الأربعين لقضية صبرا وشاتيلا. في حرب لبنان الأولى كنت ضابط مخابرات الفرقة 96 بقيادة عاموس يارون، وعاد منتجو المسلسل وطلبوا مني المشاركة فيه. رفضت لشعوري بأنها قضية مؤلمة قد استنفدت. تغير رأيي؛ لأن المسلسل فوت عدداً من النقاط المهمة. شعور ترسخ عندما بدأت الصحف بنشر مقالات بمناسبة مرور أربعين سنة على القضية، وقررت أن أقدم استنتاجاتي الأساسية في سياق هذه القضية.
أولاً، المذبحة في مخيمي اللاجئين صبرا وشاتيلا، وقصة علاقة إسرائيل مع الكتائب في لبنان، ليست قصص رون بن يشاي وطاقمه التلفزيوني. لا يدور الحديث أيضاً عن قصص عاموس جلعاد (الذي كان ضابط مخابرات شاباً)، وافنير ازولاي (رجل الموساد) وعوديد شمير (السكرتير العسكري لوزير الدفاع اريئيل شارون) أو إهود يعاري. ليست قصتي الشخصية. كل هذا مثير للاهتمام، وجزء منه مهم أيضاً، لكنه ليست الأساس. الأساس هو أن هذه المأساة الإنسانية الفظيعة كانت في المقام الأول تعبيراً عن فشل رؤية إسرائيل التي بنيت على تعاون مع الكتائب المسيحية برئاسة بشير الجميل، الذي انتخب لرئاسة لبنان وقتل بعد فترة قصيرة من ذلك. هذه الرؤية كانت خاطئة من أساسها، وأدت إلى قتل مئات الأبرياء، وألصقت بإسرائيل صورة أخلاقية قاسية في أوساط الجمهور الإسرائيلي أو في نظر العالم.
كان يمكن تجنب دخول الكتائب إلى المخيمات. قرار بهذه الروحية كان يمكن اتخاذه أربع مرات في أربعة مستويات قبل فرضه على قائد الفرقة 96. الصوت العقلاني الوحيد الذي سمح في جلسة الحكومة التي عقدت بعد قتل بشير الجميل في 14 أيلول 1982 كان صوت دافيد ليفي. فقد قال إن إدخال الكتائب إلى المخيمات سيؤدي إلى مذبحة، لكن لم يصغ إليه أحد. جميعهم، بما في ذلك رئيس الحكومة مناحيم بيغن، صمتوا. القرار بتجنب إدخال الكتائب إلى المخيمات كان يمكن اتخاذه أيضاً في وزارة الدفاع برئاسة شارون، لكن هذا لم يحدث. لماذا؟ لأنه يخالف رؤيته الاستراتيجية – العسكرية، وربما لأن قتل الجميل أصابه بنوع من الصدمة؛ فقد أدى قتله إلى انهيار “الخطة الكبرى” لشارون حول مستقبل لبنان، ويبدو أنه لم يأخذ في الحسبان النتائج التي كان يمكن أن تحدث عند إدخال الكتائب إلى المخيمات.
رئيس الأركان في حينه، رفائيل ايتان، وهو توأم شارون في “الخطة الكبرى”، لم يضغط على دواسة الكوابح عقب القتل، بل ضغط على دواسة البنزين. في ليلة القتل، كان ايتان هو الذي اتفق مع قيادة الكتائب على ألا يدخل الجيش الإسرائيلي إلى المخيمات، وأن تلقى المهمة على أعضاء الكتائب. قام ايتان بتنسيق العملية مع شارون في صباح اليوم التالي. من المنطقي أن يتصرف رئيس الأركان بهذا الشكل؛ لأنه لم يكن يرى تداعيات هذا القرار (نائبه، موشيه ليفي، لفت انتباهه إلى التداعيات) وأراد تجنب المس بجنود الجيش الإسرائيلي. وكانت لدى قائد المنطقة الوسطى، أمير دروري، حساسية لحياة جنوده. في الواقع، جرت محاولة لإلقاء المهمة على الجيش اللبناني وليس على الكتائب، لكن الجيش اللبناني رفض إدخال جنوده إلى المخيمات.
هل توقع أحد أن قائد الفرقة بالتحديد، يارون، يمكنه وقف الأمر الذي صدر له لينفذ المهمة بعد بضع ساعات من إصداره؟
من المهم التأكيد أيضاً على أنه في الوقت الذي بدأت فيه المذبحة، لم يكن الجيش الإسرائيلي باستطاعته منعها. فور بدء المذبحة وحتى الساعة 20:40، بعد ساعتين ونصف على بدء عملية الكتائب، كانت في غرفة عمليات قائد الفرقة ثلاثة إنذارات واضحة عما يحدث. وصل جزء منها بطرق استثنائية، وكان علينا تجاوز القرار الذي حدد أنه يجب عدم جمع معلومات عن قوة صديقة (بعد ذلك، تبين لي أن كان هناك توجيه من بيغن للامتناع عن ذلك). بسبب الخوف من الأحداث التي يمكن أن تحدث بعد دخول الكتائب إلى المخيمات، قررت جمع المعلومات، من خلال ارتجال وسائل جمع معلومات ميدانية. وهو ارتجال جلب لنا “نبأ ذهبياً”، الذي أوضح الواقع الصعب. إزاء المعلومات التي كانت لدينا، استدعى قائد الفرقة مراراً قائد الكتائب ايلي حبيكة وضابط الاتصال في الكتائب جيسي سوكر، وقام بتوبيخهما وأمرهما بإعطاء توجيهات لقواتهما بوقف المذبحة على الفور.
هل توقع أحد أن هذا التوجيه الذي أعطي بعد نحو ساعة على دخول رجال الكتائب إلى المخيمات سيتم تنفيذه بالكامل وبشكل حرفي؟ لقد كانوا مملوئين بشهوة الانتقام بعد قتل زعيمهم، واندفعوا بدون كابح. الجواب يكمن في صلب السؤال؛ فعندما يعطي قائد في الجيش الإسرائيلي أمراً للوحدات الخاضعة له، فلا يجب أن يفحص ما إذا تم تنفيذه. ولكن التوجيه الذي يتم إعطاؤه إلى نظير أجنبي، كما تبين لنا، كان مجرد توصية فقط.
لذلك، أقوال رون بن يشاي، التي بحسبها ” كان باستطاعة الجيش الإسرائيلي منع ما حدث بسهولة”، أو أقوال إيهود باراك (اوري مسغاف، “ملحق هآرتس”، 9/9): “أعتقد أنه كانت هناك لحظة يمكن فيها وقف ذلك… استمر ليلة، وبعد ذلك تواصل خلال اليوم. كان يمكن تمييز ذلك في الصباح…”. تعتبر هذه الأقوال حكمة بأثر رجعي، التي ليست لها أي علاقة بالواقع. حدثت المذبحة ليلاً، ولم تستمر حتى اليوم التالي، كما أشار باراك. هذا خطأ شائع في كل ما نشر حول هذا الموضوع.
بناء على ذلك، ما كتبته لجنة التحقيق الرسمية حول مذبحة صبرا وشاتيلا (لجنة كهان)، الذي بحسبه يتحمل يارون “المسؤولية بالنيابة” عن المذبحة، ألحق به ظلم كبير. مسيرة يارون المهنية المثيرة للإعجاب بعد أن قررت اللجنة أنه لن يتمكن من تولي منصب قيادي مدة ثلاث سنوات، دلت على وخز الضمير الذي كان لدى متخذي القرارات في شأنه.
ثمة جنرال آخر تضرر من القضية، وهو رئيس الاستخبارات العسكرية في حينه، يهوشع ساغي، الذي خلافاً ليارون، تم عزله من منصبه وأنهى حياته في الجيش الإسرائيلي. حسب رأيي، إن مقاربة ساغي في عرض شهادته في لجنة كهان كانت خاطئة. مع ذلك، لم يكن هناك من عارض أكثر منه، طوال سنوات، العلاقة مع الكتائب. انتقدت اللجنة تجاهل ساغي للتقرير عن المذبحة بذريعة أنه لم يكن واضحاً ولم يتضمن معلومات استخبارية. ولكن حتى لو تعامل ساغي مع هذا التقرير باحترام كبير، فور تسلمه في وقت متأخر في الليل، لما كان يمكن اتخاذ أي خطوة حقيقية لوقف المذبحة. كان التقرير متأخراً جداً وبعيداً جداً عن ساحة الحدث. كان يجب أن يتم وضع العصي في دواليب فكرة عمى الرؤية بشأن إدخال الكتائب إلى المخيمات، قبل فترة طويلة من ذلك.
من هذه المأساة، التي لم يتعلم منها الجيش الإسرائيلي دروس القتال في منطقة بيروت، من المناسب أن يستخلص الجيش درساً رئيسياً واحداً، وهو أنه إذا كانت هناك مهمة هامة فعليه أن ينفذها بنفسه. لا يجب إلقاء المسؤولية عن ميدان القتال على قوة صديقة. إذا لم يكن الجيش الإسرائيلي معنياً بتنفيذ مهمة معينة بنفسه، فمن المحتمل أن تكون غير مهمة بما فيه الكفاية، ويجب التخلي عنها.
مؤخراً، تم تناول هذه القضية بجدية كبيرة في دورة لضباط الاستخبارات، كما يبدو للمرة الأولى منذ أربعين سنة. وبصفتي كنت شريكاً في العملية مع متجندين شباب، فإني على قناعة بأنه سيكون للجيل القادم من ضباط الاستخبارات في الجيش أدوات أفضل للتعامل مع معضلة مشابهة.
بقلم: يوسي بن آري
هآرتس 4/10/2022