ليلى سليماني: بطولة الأيروسية الأنثوية وألعابها الشائقة!

تبدو حياة ليلى سليماني في منافسة مع حكايات رواياتها، فهذه الفتاة الشابة التي حاولت امتهان التمثيل وفشلت عملت في الصحافة، ثم بدأت بالكتابة الروائية فاشتهرت بسرعة كبيرة ونالت جوائز كبيرة: غونكور عام 2016، عن روايتها «ترنيمة النوم» (التي كانت ضمن قائمة الأكثر قراءة العام الماضي في بريطانيا)، وجائزة «المامونية» المغربية للأدب المكتوب بالفرنسية عن روايتها «في حديقة الغول» (أو «أديل» بالترجمة الإنكليزية)، كما سماها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهي المغربية، سفيرة للغة الفرنسية في العالم.
يبدو استخدام ضمير الغائب في رواية «في حديقة الغول» محاولة لإبعاد ليلى سليماني عن بطلتها المدمنة للجنس أديل، في الوقت نفسه الذي تعطيها فيه الكثير من معالمها الجسدية والنفسية، فهما في عمر متقارب، وأديل، مثل ليلى، ذهبت من الفشل في التمثيل إلى العمل في الصحافة، إضافة إلى ذلك تعطي سليماني البطلة بعضا من معالم حكايات شخصياتها الروائية المفضلة: «مدام بوفاري» و«آنا كارينينا»، فأديل، تتزوج من طبيب وتنجب منه وتملّ من حياتهما معا، وحتى من طفلهما، كما فعلت مدام بوفاري، كما أنها أحيانا تكاد تنطق بالضبط ما كانت نظيرتها بطلة «آنا كارينينا» تقوله في رواية ليو تولستوي الشهيرة عن كرهها لفضائل زوجها وكرمه. لكن أديل، على خلاف مدام بوفاري التي اكتفت بحبيبين لم يشبعا توقها العاطفي وتركاها، وآنا كارينينا التي أحبت ضابطا وتركها أيضا، فإن أديل لا يقودها جوعها العاطفيّ إلى خيانة زوجها كما نظيرتيها الماضيتين، بل يأخذها جوع جنسيّ لا يرتوي، بشكل يتناقض، مع العاطفة، بحيث أن محاولة أي شخص تعاشره إعطاء طابع عاطفيّ لعلاقته بأديل يخرجه مباشرة من المعادلة.

يبدو استخدام ضمير الغائب في رواية «في حديقة الغول» محاولة لإبعاد ليلى سليماني عن بطلتها المدمنة للجنس أديل، في الوقت نفسه الذي تعطيها فيه الكثير من معالمها الجسدية والنفسية.

رغم المقاربة الواضحة والمقصودة التي وضعت سليماني فيها روايتها بالتناظر مع الروايتين الشهيرتين، فإنها تحدث، عمليّاً، فوارق ملحوظة، أولها هو أن من كتب الرواية وتولّى بطولتها امرأتان (على عكس روايتي مدام بوفاري وآنا كارينينا)، وهذه واقعة أدبيّة وليست بيولوجية فحسب، تعلن أن تعاطف الكتاب الذكور مع بطلاتهن الشقيّات صار نافلاً (بل صار محطاً للنقد الجذريّ)، وثانيها أن سليماني، تقلب المعادلة عبر بطلتها أديل، فهي التي تهجر الرجال الذين تعاشرهم وليس العكس، وبذلك تبدو سليماني تتجاوز (وتنتقم من) الكتاب الذين تفاعلوا مع بطلاتهن الإناث اللاتي اخترعوهن، فيما تقوم بطلتها أديل بالتجاوز (والانتقام) لنظيرتيها الماضيتين ولمآلهما المؤلم الذي تضافر المجتمع وأبطاله الرجال بالمساهمة في كسرهن وإيصالهن إلى مصائرهن الكالحة المعروفة.
٭إلى تجاوزاتها السابقة فقد قامت سليماني بتجاوز آخر، يتمثل، وهي المغربية من عائلة مسلمة، بأن بطلتها فرنسية مثل اللغة التي تكتب فيها الرواية، ورغم الطبيعة الأيروسية الفاضحة لروايتها، فإنها حصلت، كما قلنا على جائزة مغربية، وهو ما تم عزوه إلى أن تلقّي المغاربة، قراء أو نقاداً، لروايتها بإيجابية، وهو ما فسّر، بكون بطلتها، المدمنة على الجنس، كانت فرنسيةّ ولو كانت مغربيّة لتم التعامل مع الرواية بطريقة أخرى (كما حصل في مواضيع أخرى كفيلم)! في لقاءاتها، حسب مقابلة مع راديو 4 البريطاني، مع مغربيّات خرجن عن القوالب الاجتماعية في ما يتعلق بالجنس والعلاقات، تقول سليماني إن أغلبهن كنّ نادمات، فالمجتمع لا يتعاطف مع أمثالهن، وهنّ يدفعن ثمناً باهظاً لقاء هذا التحرّر، وهنا تبرز مفارقة كبيرة حقّاً، فسليماني تحظى باحتفاء وتكرّم أوروبيا أحسن تكريم، فيما يحارب من يحاولن الاقتداء بها في الفضاء المغربي العامّ.
٭
رغم موضوعها الأيروسيّ المثير، فإن رواية سليماني بدت لي شاقّة القراءة، وكان صعباً عليّ هذا الفراق الذي اختارته الكاتبة عن بطلتها باستخدام الصوت الثالث بدل تقمص شخصيتها، كما أن تسلسل الفصول بدا غير مقنع والحوار غير جذاب وليست فيه لمحات ذكيّة، ورغم ابتعادها عن هذه «المحسّنات البديعية» التي تجذب القارئ فقد بقي للرواية خيط قويّ ينبع، ربما، من غموض أسباب انجذاب بطلتها الإدماني إلى تلك المغامرات القاسية، التي تفسّرها الكاتبة مرّة باعتبارها مرضاً، ومرّة باعتبارها «بحثا عن المطلق». البطلة هي أحد أسباب مشقّة النصّ طبعاً فهي لا تني تتكسّر تحت وطأة هذا «البحث عن المطلق».

حين نربط بين والد الروائية المصرفيّ واستبدالها شخصية مصرفيّ آخر، تعرّض هو أيضاً للملاحقة القضائية مثل والدها، بامرأة تقارب عمرها، ومدمنة على الجنس أيضاً، نصل إلى لعبة تقمّص واستبدال مدهشة.

لقد كانت «الشهوانية» العدوانيّة الفائضة دائماً خاصيّة ذكوريّة، ورثها الرجال عبر مئات آلاف السنين من تقاليد الافتراس أو الانقراض أو الموت في الحروب (وهي احتمالات ذكورية عادة) من دون نقل الجينات إلى جيل آخر، وتمثّل هذه الخاصيّة الذكورية من قبل الإناث، يؤدي بالتأكيد إلى مشاقّ نفسيّة كبيرة لأديل وأجيال مقبلة من النساء، اللاتي تحرّرن من خوف الحمل أو القتل أو الاعتماد الماليّ على الرجل. يضاف إلى ذلك أن «الحضارة»، حسب فرويد وغيره، أدّت إلى كبت كبير للدوافع الجنسيّة للرجال والنساء، وتفلّت هذه الشهوانيّة يؤدي إلى عواقب كبيرة للرجال وليس للنساء فقط، أما انفلاتها، فيضيف إلى آلام آنا كارينينا ومدام بوفاري آلام المركيز دي ساد، ويعطي لـ«في حديقة الغول» لمسات من شخصيّته الملعونة.
٭
ضمن سيرة سليماني يرد ذكر والدها الذي تولى مسؤوليات كبيرة في المغرب ومنها منصب مدير لمصرف قروض، ولوحق في أواخر حياته بتهم فساد أسقطت بعد وفاته، وحين نربط هذا بما ذكرته سليماني نفسها من أنها أرادت بروايتها استبدال رئيس الصندوق الدولي، دومينيك ستراوس كان (الذي سقط من عرشه العالي بعد اتهام خادمة فندق له باغتصابها، وبعدها ظهرت شهادات كثيرة عن استغلاله لسطوته الماليّة الهائلة في قضايا جنسيّة)، بامرأة مدمنة على الجنس.
وحين نربط بين والد الروائية المصرفيّ واستبدالها شخصية مصرفيّ آخر، تعرّض هو أيضاً للملاحقة القضائية مثل والدها، بامرأة تقارب عمرها، ومدمنة على الجنس أيضاً، نصل إلى لعبة تقمّص واستبدال مدهشة تبدو معها قصتي «بوفاري» و«كارينينا» مجرّد قناعين أدبيين ظاهرين لبواطن نفسيّة واجتماعيّة أكثر تعقيدا. لقد قامت الابنة الروائية بـ«هضم» والدها والانتقام له، لكنّها، في الآن نفسه، حين استحضرته عبر دومينيك ستراوس كان، انتقمت منه أيضاً، بل وانتقمت أيضاً من بلادها حيث استبدلت نفسها ببطلة فرنسيّة، وحيث استبدلت لغتها العربية الأصلية بلغة بلادها الجديدة، وهزئت، في ذلك كلّه، من التقاليد الاجتماعية في بلادها (وبتقاليد الذكورة/ الأنوثة في العالم)… وكي تكون اللعبة أكثر تشويقا وإثارة فقد أصبحت ممثلة رئاسية لتلك اللغة وفازت بجائزة أدبيّة في المغرب.

٭ كاتب من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    قد تصدق قصة أديل بالغرب البارد! لكني أشك بوجود أديل عربية, وإلا إختفى المثني وثلاث ورباع!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول صوت من مراكش:

    عقب تتويجها بجائزة غنكور استنتج البعض ان موضوع روايتها الايروسي و موقفها

    المؤيد للمثليين من بين دوافع تتويج ليلى سليماني و ربما هذا ليس صحيحا

    يحسب للروائية انها استلهمت عملها من سقوط ستروس كان المدوي كما يحسب لها انها

    صورت الجنس في روايتها كملاذ للمدمن الغير السوي

    لم يعجبني موقف السلطات المغربية من الحجر على فيلم الزين اللي فيك لنبيل عيوش من جهة

    و الاحتفال بحديقة الغول من جهة اخرى هذا ينم عن نفاق في السلوك ليس الا

    تحياتي

  3. يقول سوري:

    عزيزي حسام
    هذه الكاتبة الشابة صعدت درجات الشهرة بسرعة كبيرة من أول رواية كتبتها ثم نالت الجائزة الأرفع في فرنسا وكنت حينئذ قد كتبت عنها لأنها تستحق فنصها بالفرنسية جميل ورشيق وموضوعاتها قلما يتطرق لها النساء الكاتبات وخاصة جريمة قتل طفلين من قبل مربيتهما كما حصل في روايتها وقد كرمتها فرنسا بأن تكون سفيرة الفرانكوفونية. وهي وجه جديد من أدباء المغرب العربي في فرنسا بعد عدد كبير مثل الطاهر جلون ومحمد مولسهلول وسواهما
    شكرا لهذه الالتفاتة للأدب الفرنكوفوني

إشترك في قائمتنا البريدية