كشفت الأخبار من أكثر مصدر الارتباك الذي أصاب المسؤولين في السعودية والإمارات والبحرين وامتدادهم السوداني، وإرجاع ذلك إلى مبالغات صاحبت عواصف التطبيع والصهينة السامة، التي هبت عليهم، ففرطوا في كل شيء إلى حدوده القصوى في ظروف غير اضطرارية تبررها، وقدموا كل ما لديهم مجانا، وبدوا صهاينة أكثر من الصهاينة أنفسهم، وكان التبرير هو إنهم يمارسون «حق السيادة الوطنية» المكفول لهم؛ أين هذه السيادة التي تدفع أناس ليهزموا أنفسهم بأنفسهم، وتورطهم في منح صك أمان مجاني لعدو مارق لا يؤتمن إذا ما حل عليهم الدور، وتناسوا مصير السادات، الذي عالج أمراضه وعقده النفسية وأزماته السياسية بالصدمات المفاجئة، والقفز إلى المجهول، وفعل؛ ذهب إلى القدس المحتلة وتوالت التنازلات، ودفع حياته ثمنا، وما زال هناك من يتصور إن «التطبيع والصهينة هما الحل»!!.
وأمامنا خريطة «قارة عربية» ممزقة ومشتعلة؛ نصفها محطم ومدُمِّر؛ بأيد عربية وغير عربية، صاحبت مبكرا قوى احتلال واستعمار قديم؛ وضعت يدها على فلسطين، وصادرتها لليهود، فأقاموا دولتهم الاستيطانية العنصرية على أرضها، وتم إحلال اليهود محل أهل البلاد والسكان الأصليين من العرب الفلسطينيين، وفي «صحوة عابرة» في حقبة خمسينيات وستينيات القرن الماضي تحررت أغلب أراضي العرب؛ بضغط المقاومة والمد القومي، وقد أدى لانسحاب بريطانيا من شرق السويس، فاستقلت المحميات الخليجية، النفطية وغير النفطية.
وتغيرت أحوال وانقلبت موازين وتم اصطياد مصر في «كامب ديفيد» وتلى ذلك بفترة اصطياد الأردن في «وادي عربة» ثم فلسطين في «أوسلو» وعاد التركيز على «شرق السويس» بثروته النفطية الهائلة؛ لم يكن تركيزا بريطانيا هذه المرة، بعد غرق إمبراطوريتها مع فرنسا في مياه السويس؛ إنه تركيز صهيو أمريكي؛ معه مشروع إمبراطوري؛ أكبر من من المشروع التوراتي المزعوم؛ كان «من الفرات إلى النيل»؛ والمشروع الجديد يمتد من «المحيط إلى الخليج» ويشمل الصومال والقرن الإفريقي وباب المندب، العراق، ثم سوريا، ولبنان وسيناء؛ وصولا إلى ليبيا استعدادا للمحطة التالية!!.
والسؤال أين مصر من كل هذا؟، وأعني هنا مصر الرسمية (مصر السيسي) هل هي غائبة أم مغيبة؟ إذا كانت غائبة فلماذا؟ هل هو خذلان الناخب الأمريكي لهم، والفشل في الإبقاء على ترامب في الحكم لأربع سنوات أخرى؛ لتثبيت «صفقة القرن» ودور مصر الرسمية أساسي فيها؟، إنها أسئلة لا تقبل الطرح وليس عليها رد، ولدى «المشير» ما هو أهم، وهو إشغال المواطن بوعوده، وتكرار أحاديثه وعباراته المرسلة عن المصريين، الذين لم يصفهم الخطاب الرئاسي يوما بـ«المواطنين» ولم يُسبغ عليهم يوما صفة الشعب أو القوم أو ما شابه، وهو يحنو عليهم بطريقته، فحسب قوله «لم يجد المصريون، من يحنو عليهم» ويقوم بهذا «الحنو» أو الحنان على طريقته!!.
والمصائب التي حلت بالمصريين في السنوات الست الماضية كلها «صناعة رئاسية» بالموافقة على تعويم العملة الوطنية، فارتفع التضخم، وعم الغلاء، وانخفض مستوى المعيشة، وتدنت الدخول، مع عجز وخلل واضح في كثير من المجالات، فالسلامة الوطنية والاجتماعية والاقتصادية تقتضي التصحيح والمراجعة والتقييم الدائم، وليس على جدول أعمال «المشير» مثل هذا الأمر، وكل ما هنالك هو إصدار الأوامر وعلى مساعديه تنفيذها بما فيها من خطايا وكوارث تهدد المجتمع والمواطن والدولة تهديدا حقيقيا، وغياب معايير هادية لطريق السلامة الوطنية، وأهمها:
المصائب التي حلت بالمصريين في السنوات الست الماضية كلها «صناعة رئاسية» بالموافقة على تعويم العملة الوطنية، فارتفع التضخم، وعم الغلاء، وانخفض مستوى المعيشة، وتدنت الدخول، مع عجز وخلل واضح في كثير من المجالات
معيار أول: الحفاظ على وحدة البلاد وحماية تراب الوطن والدفاع عن أراضيه، وعدم التفريط في شبر واحد منها، وتَحمُّل ما يترتب عليها من مسؤوليات وأعباء وتكاليف.
معيار ثاني: رد اعتبار الانتاج والعمل المنتج، والعودة الجادة لاستصلاح الأراضي، وإعطاء أولوية لمشروعات الانتاج؛ الزراعي والصناعي – الثقيل والمتوسط والخفيف، والصناعات الكيماوية والنفطية، بجانب المنتجات الرقمية والإلكترونية، ومواكبة العصر والسير في ركابه، والتوسع في مجالات العمل وفرصه، وخفض البطالة، والارتقاء بنوعية الحياة بشكل آدمي وكريم، وتوفير الخدمات الحقيقية ووضع حد للجباية والابتزاز فورا؛ بوطأته ومهانته للحاكم والمحكوم على السواء، وتجاوز المنع {الفيتو) المفروض على الإنتاج الزراعي (القمح مثلا) وعلى الانتاج الصناعي؛ والصناعات الثقيلة وما في مستواها، والطاقة النووية السلمية، والتركيز على الاكتفاء الذاتي، فمن يشرب ويأكل ويلبس أو يركب من إنتاج يأتيه من خارج الحدود، ومن غير سواعد أبنائه ومواطنيه؛ يبقى أبد الدهر «محلك سر».
معيار ثالث: الارتقاء بنوعية الحياة وجودتها، ورفع معدلات الدخول، والحد من الاقتراض بأعبائه الثقيلة، ووقفه من هيئات وصناديق ومصارف الدمار المالي والاقتصادي الشامل، وحصار الفقر، الذي زاد، حسب «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» (جهاز حكومي) إلي 32.5 في المئة من عدد السكان، بنهاية العام المالي 2017/ 2018، وكان 27.8 في المئة في العام المالي الذي سبقه 2015/ 2016؛ ذلك في ظل الإدارة الحالية، وهذا من أخطر مؤشرات الفشل، فنجاح أي حكومة مرتبط برفع مستوى المعيشة لا خفضه، والقضاء على الفقر لا صناعته، وتقليص عدد الفقراء لا زيادتهم، والحد من وطأة الجباية، لا التمادي فيها حتى تجاوزت حد الأمان. والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة تقوم على زيادة الأغنياء غنى، وزيادة الفقراء فقرا، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة، لا يصلح معها تهديد، أو وعيد أو عنف، أو تشييد سجون وبناء معتقلات وتلفيق تهم الإرهاب لكل عابر سبيل يعبر عن رأيه ويفصح عنه(!!).
معيار رابع: التوسع في مساحات المصالح الاجتماعية والاقتصادية؛ المصحوبة بحريات سياسية كاملة وديمقراطية حقيقية وعدالة إنسانية؛ توحد ولا تفرق، وتقرب ولا تشتت، وهي أساس استقرار المجتمعات، ومعالجة أي احتقان، وتحقيق الأمان للمواطن والحاكم على حد سواء.
معيار خامس: إعادة الاعتبار للسياسة والعمل السياسي بمعناه الوطني والاجتماعي والإنساني، وهو ما يجعل المواطن آمنا في بيته، مطمئنا على أهله وذويه، كريما بينهم، ويرى فلاسفة اليونان كأفلاطون وأرسطو، إن وظيفة الدولة هي إسعاد البشر؛ بالحكمة والفضيلة والمعرفة، وخير وسيلة لذلك التربية؛ كأهم واجبات الدولة، والتبس على البعض ما ذهب إليه أفلاطون عن حكم الأرستقراطية، وكان يعني بها حكم أفضل المواطنين لصالح جموع الشعب، وهذا تعريفه للأرستقراطية، التي يحمل معنى أخلاقيا، وليس معنى الاكتناز والمضاربة والاستغلال والسمسرة، واعْتقَد أفلاطون في الجمهورية، وأرسطو في السياسة أن الحكومة الأرستقراطية؛ بالمعنى الذي ذهبا إليه هي أفضل أنواع الحكومات وأكثرها عدلاً، وإن أبديا ارتياباً في قدرتها على الاستمرار، أو التفاف الشعب حولها.
وسارت الفلسفة الأفلاطونية في اتجاه مثالية جمهوريته، لحملها أربع صفات شديدة الأهمية؛ تتلخص في الحكمة بين طبقة الحكام، والشجاعة؛ كسلوك يتحلى به الحراس والجند، وضبط النفس والسيطرة على الغرائز والشهوات فيمن يتحمل المسئولية السياسية، والصفة الرابعة هي العدل، وتعكس تناغم طبقات الجمهورية، ويرى أن كل طبقة تقوم بما تأهلت له. وهو يرى في الفرد النموذج المصغر للدولة. واعتبار النفس البشرية مقسمة إلى نفس عدد الأجزاء، المُحدِّدة للسلوك العام للفرد وهي الحكمة، والشجاعة وضبط النفس، والنزوع إلى العدل.
وأخيرا وقع تحت يدي وأنا أقلب أوراقي لإعداد هذه المادة نص ملخص رسمي لتقرير «لجنة تقصي الحقائق عن ثورة 25 يناير»؛ الذي أعَدته لجنة من المستشار عادل قورة الرئيس الأسبق لمحكمة النقض، والمستشار محمد أمين المهدي رئيس مجلس الدولة الأسبق، والمستشار اسكندر غطاس مساعد وزير العدل الأسبق، وأ. د. محمد سمير بدران الأستاذ بحقوق القاهرة، وأ. د. نجوى حسين خليل، رئيس المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، وأرى أهمية إعادة قراءته؛ سواء كان من مؤيدي الثورة أو ممن «شيطنوها» والعمل على تصفيتها؛ عليهم الاطلاع عيه، ومعرفة ما فيه من وقائع ومعلومات وجرائم في حق الثورة والمجتمع، ومعرفة ما يحتويه من عبر ودروس مستفادة للجيل الحالي، وللأجيال القادمة، وأخص القابضين على زمام السلطة، وفي مقدمتهم «المشير» السيسي ومساعديه، ويسترجعوا ما حدث، وقد كانوا أطرافا أساسيين فيه.
كاتب من مصر
إسرائيل تبقى العدو الأول لنا كعرب ومسلمين أما المطبعين من يتحجج بأمور دولية وشؤون السياسة الخارجية فهذا شأنهم
تصحيح: ….مهما فعلت يا نتنياهوا……
حكام الخليج لا يثقو بالسيسى .وهنا الثقه معدومه منذ زمن عبد الناصر وله خطابات كثيره ضد حكام الخليج . فى الوقت الحاضر السيسى ينظر لحكام الخليج على انهم شوالات رز فقط لاغير .