للصراعات في عالم العرب عناوين شتى ولاعبون كثر، لكن عنوانين اثنين يستحوذان على النسبة الكبرى من اهتمام الناس والقادة السياسيين واللاعبين المحليين والاقليميين والدوليين. انهما مسألة البرنامج النووي الايراني، ومسألة الحرب في سورية وعليها.
من بين اللاعبين تستأثر امريكا وروسيا، ومؤخرا ‘اسرائيل’ والسعودية، بالنسبة الاكبر من التأثير في مجريات الصراعات المحتدمة وامكانات التسوية او الفشل بشأن المسألة النووية الايرانية والمسألة المصيرية السورية.
من الواضح ان واشنطن وطهران توصلتا، بمعرفة موسكو، الى تفاهم مبدئي لتسوية المسألة النووية الايرانية، وانهما بصدد هندسة الاجراءات الفنية وصوغ المخارج السياسية للتسوية المنشودة. من تباشير التسوية قول وزير الخارجية الامريكي جون كيري ‘اننا قريبون جدا من التوصل الى اتفاق مع ايران’، وتوقف الكونغرس، بناء على طلب ادارة اوباما، عن البحث في اقرار عقوبات اضافية اكثر تشددا ضد طهران.
من الواضح كذلك ان واشنطن وموسكو توصلتا الى تفاهم مبدئي على تسوية المسألة السورية، وفق بيان مؤتمر جنيف -1، انما من دون الاتفاق على تفسير موحد لمضمونه.
التفاهم المبدئي بين اللاعبين الكبيرين على تسوية المسألتين الايرانية والسورية قوبل برفض واستهجان من طرف ‘اسرائيل’ وبتحفظ وتخوّف من قبل السعودية.
‘اسرائيل’ رفضت ‘كل اتفاق جزئي مع ايران’، ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو اشترط لاجازة اي اتفاق ‘الا تتملك ايران قدرة على انتاج اسلحة نووية، بمعنى الا تكون لديها اجهزة طرد مركزي للتخصيب، وألا يكون لديها مفاعل يعمل بالماء الثقيل لانتاج البلوتونيوم الذي يستخدم في تصنيع اسلحة نووية فقط، وان تتخلص من مخزونها من المواد الانشطارية، وألا تكون لديها منشآت نووية سرية’.
السعودية رفضت اي اتفاق لتسوية المسألة السورية لا يسبقه اقصاء للرئيس بشار الاسد، ولا يتضمن تفاهما على تشكيل حكومة انتقالية يكون بموجبها الجيش وقوى الامن السورية تحت سلطتها الحصرية.
هل تستطيع ‘اسرائيل’ والسعودية تعطيل تفاهم الدولتين العظميين؟
من الصعب حسم الاجابة في هذه الاونة. ما يمكن الجزم به ان تل ابيب والرياض تشنان، منفردتين، هجومين متفاوتي الحدّة على هدف مشترك هو ادارة اوباما، املا بتعطيل التفاهم بين واشنطن وموسكو.
‘اسرائيل’ عبأت اللوبي اليهودي لشن حملة اتصالات وضغوطات على اعضاء الكونغرس الامريكي لاقناعهم بمعارضة سياسة ادارة اوباما، وبالتالي تعطيلها. كما باشر نتنــياهو ووزراؤه حملة دبلوماسية في اوروبا لتحذير حكوماتها من مخاطر السماح لايران بالاحتفاظ باجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، وبالتالي القدرة على صنع اسلحةً نووية.
السعودية استنفرت اصدقاءها في ‘الائتلاف الوطني لقوى المعارضة في سورية’ لرفض المشاركة في مؤتمر جنيف -2، الا بعد اقصاء الرئيس السوري وتشكيل حكومة انتقالية تنحصر فيها سلطة قيادة الجيش وقـوى الامن. وفوق ذلك، تغاضت الرياض عن تسريب اخبار منسوبة الى مدير استخباراتها الامير بندر بن سلطان يهدد فيها بـِ’تقليص التعاون الامني مع الولايات المتحدة في تسليح وتدريب قوى المعارضة السورية’، وكذلك ‘بتغيير سيكون له تأثير في مجالات كثيرة، بينها مشتريات السلاح ومبيعات النفط’.
ظاهر الحال لا يشير الى ان ادارة اوباما قد تضررت من حملة ‘اسرائيل’ ضد التسوية النووية المرتقبة مع ايران. فهي تشدد في تطويقها، على موقفها الصارم بعدم السماح لايران بتملك سلاح نووي، وتعتقد ان ذلك كافٍ لترضية ‘اسرائيل’ واصدقائها. كما لا تبدي ادارة اوباما قلقا من تململ السعودية من مقاربتها لمسألتي ايران وسورية. فهي تؤكد للرياض انها لن تفرّط بأمن دول الخليج، وتعزو حنق المسؤولين السعوديين الى ‘شعورهم بالاحباط’ بسبب احجامها عن توجيه ضربة عسكرية لسورية، لكنها تؤكد للرياض تمسكها بموقفها بان لا دور للاسد في مستقبل سورية.
لئن كانت واشنطن تبدو في مركز اقوى من تل ابيب والرياض سياسيا ودبلوماسيا، الا ان عاملين اساسيين قد يدفعان ‘اسرائيل’ والسعودية الى انتهاج مقاربة راديكالية لمسألتي ايران وسورية. فقادة ‘اسرائيل’ يتخوّفون كثيرا من امكانية السماح لايران بالاحتفاظ بقدرة على صنع اسلحة نووية، ويبدو ان غالبيتهم تميل الى استعمال القوة العسكرية، بشكل او باخر، من اجل احباط هذه الامكانية. كيف؟
لعل ‘الخيار’ الاكثر ترجيحا هو افتعال صدام عسكري داخل سورية او على حدودها مع لبنان تتأتى عنه اضرار ملحوظة في المواقع والقوات السورية النظامية وحلفائها (حزب الله) ما يؤدي الى استثارة غضب ايران وسورية معا وبالتالي عرقلة، ان لم يكن تجميد، المفاوضات بين مجموعة دول 5+1 وايران من جهة، وتأجيل مؤتمر جنيف -2 من جهة اخرى.
ما يرجح نسبيا هذا ‘الخيار’ اكثار المسؤولين والقادة العسكريين من تحذيراتهم وتأكيداتهم على ان ‘اسرائيل’ لن تسمح بنقل اي اسلحة نوعية من سورية الى حزب الله. وزير الحرب موشيه يعلون اكد هذا الموقف خلال اجتماع عقدته لجنة الخارجية والامن في الكنيست، واضاف ان ‘اسرائيل’ ‘لن تسمح لسورية بان تتجاوز هذه الخطوط الحمراء، كما لن تسمح بأي محاولة لانتهاك السيادة الاسرائيلية في هضبة الجولان’.
المفارقة ان قوات المعارضة السورية المسلحة هي التي تنشط على خطوط وقف اطلاق النار في الجولان، وتقوم بخطف جنود وضباط تابعين للقوات الدولية، وان ‘اسرائيل’ لا تتوانى، رغم ذلك، عن استقبال جرحى هؤلاء المسلحين ونقلهم الى مستشفيات صفد ونهاريا في فلسطين المحتلة.
في اطار هذه الملابسات، ثمة احتمال بان تقوم ‘اسرائيل’ بتوجيه ضربة شديدة لمواقع سورية حساسة، بدعوى احباط محاولة من القوات النظامية لنقل اسلحة نوعيـة الى حزب الله. ولعلها تعوّل في ذلك على قيام مجموعة مسلحة من معارضي المشاركة في مؤتمر جنيف 2 بمشاغلة القوات النظامية بغية خفض فعاليتها القتالية اثناء صدِّ الهجمة الاسرائيلية.
غير ان احتمالا اخر يبدو اكثر ترجيحا، وهو الا تُقدم ‘اسرائيل’ على عمليةٍ كهذه لثلاثة اسباب:
اولها، ان التقدم الذي احرزه مؤخرا الجيش السوري على الارض، ولاسيما في منطقتي الغوطة الشرقية والغربية، جعل ميزان القوى مائلا لجهته في هذه الاونة.
ثانيها، ان بعض المجموعات المسلحة للمعارضة بات يميل الى المشاركة في مؤتمر جنيف -2، ولا سيما بعد تعديل قطر موقفها من الازمة السورية وقيامها بدورٍ فاعل في الافراج عن اللبنانيين المختطفين في منطقة اعزاز، واعادتهم الى لبنان عبر تركيا.
ثالثها، ان عملية عسكرية اسرائيلية مدوّية ضد سورية وحزب الله في هذه الاونة قد تدفع ايران، خلافا للتوقعات، الى اتخاذ موقف اكثر ايجابية في المفاوضات مع امريكا بغية تسريع التوصل الى تسوية بشأن برنامجها النووي.
في السباق المحموم بين التسوية والفشل في معالجة مسألتي ايران وسورية، تبدو حظوظ النجاح وحظوظ الفشل متكافئة، مع الخشية من ان يبقى النزف في سورية مستمرا في كِلا الحالين.
‘ كاتب لبناني