يُذكَّر مواطنو اسرائيل مرة في كل بضعة اسابيع بظروف حياة البدو القاسية في النقب. وكان التذكير هذه المرة بالواقعة المأساوية للبنتين اللتين قتلتا في البلدة ‘غير المعترف بها’ الفرعة في النقب، ثم كان بالواقعة الدامية في فرع البنك في بئر السبع التي دُفع اليها الزبون البدوي عمر وليد فرأته الشرطة مشتبها فيه فورا، ورغم أنه كان جريحا اعتقل وقُيد. إن قتل البنات هو احد صور الحياة لجزء كبير من العائلات في المجتمع البدوي في النقب، فهناك كثرة نساء وعدد كبير جدا من الاولاد في العائلة الواحدة، وآباء لا يعرفون أسماء أبنائهم جميعا، وتدهور الى الجريمة بين الشباب، إن الاعتقال الآلي لوليد في البنك وتجاهل شرطة عراد للشكوى التي رفعتها والدة البنتين، يعبران عن التصور المسبق للبدو في المجتمع الاسرائيلي، رغم ان كثيرا من البدو يتطوعون ويخدمون في الجيش الاسرائيلي، ورغم ان جزءا منهم مثقفون، والكثير منهم مواطنون خلاقون ومخلصون للدولة. لكن السكان البدو في النقب هم الوسط الأكثر تعرضا للظلم في المجتمع الاسرائيلي. ويضطر البدو، الذين عاشوا حياتهم منذ آلاف السنين، بحسب تراث نبيل لحياة بداوة وتنقل في أنحاء الصحراء، ورعي الضأن والجمال، الى مواجهة اجراءات تمدن مُعجلة في اسرائيل واقتصاد حديث يعتمد على التقنية، في حين تعوزهم الوسائل المناسبة للاندماج في ذلك. كان يعيش في النقب وقت انشاء دولة اسرائيل 18 ألف بدوي. ويوجد اليوم هناك 200 ألف. وترجع نسبة الولادة التي تحطم الارقام القياسية في جزء منها الى كثرة النساء، وهي مصدر عُسر وصعوبة في المجتمع البدوي. ومن المفهوم ضمنا ان مسيرة تمغرب فقط أو أسرلة في هذه الحال قد تجلب الحياة الطبيعية الى المجتمع البدوي مع خفض نسبة الولادة في المقابل، لتصبح نسبة يقبلها العقل في مجتمع غربي. والمفتاح كما يعلم الجميع هو التعليم، لكن حكومات اسرائيل على اختلافها أهملت علاج هذا الشأن وحاولت بدل ذلك ان تغري البدو بترك الصحراء والسكن في بلدات بدوية أُنشئت على مر السنين بنجاح جزئي فقط. ولا يوجد في هذه البلدات شيء تستطيع اسرائيل ان تفخر به ويصعب ان نتهم البدو الذين يفضلون البقاء في الصحراء. بعد انسحاب اسرائيل من سيناء وترك قواعد سلاح الجو هناك، بُنيت قواعد جديدة في النقب كان عدد منها على اراض كان يسكنها بدو. وحينما كنت وزير دفاع قبل ثلاثين سنة لقيت شيوخا بدوا في تل ملحاتة، كي أُعبر عن شكري لأنهم أخلوا المكان ومكّنوا من بناء قاعدة سلاح الجو ‘نفاتيم’. وقلت لهم إنني آمل ألا يكون بعيدا اليوم الذي أرى فيه طيارا بدويا يطير بطائرة حربية لسلاح الجو الاسرائيلي ويقلع من هذه القاعدة. ومرت ثلاثون سنة وبقي كلامي بمثابة حلم. أهملت حكومات اسرائيل البدو في النقب وملأت الحركة الاسلامية الفراغ. فالبدو الذين لم يكونوا متدينين في الماضي بصورة مميزة، أصبحوا يصلون اليوم في المساجد الكثيرة التي نشأت في جميع أنحاء النقب، ويُعلم مدرسون من الجناح الشمالي من الحركة الاسلامية طلابهم البدو أنهم فلسطينيون. من الخطأ أن نظن ان مشكلات البدو ستُحل باستجابة لمطالب ملكية الارض، فليس هذا لب المشكلة. إن هذه الاستجابة لن تُحسن مستوى تعليمهم ولن تأتي العائلة البدوية في القرن الواحد والعشرين. يجب ان يكون تحسين تعليم البدو في النقب في مقدمة اهتمامات الحكومة. وهذا الشيء أهم من أن يُترك للحركة الاسلامية.