إسطنبول: لأول مرة منذ عشرة أعوام، تحتضن العاصمة الليبية طرابلس، الخميس، “مؤتمر استقرار ليبيا”، بحضور ممثلي 27 دولة، وأربع منظمات دولية وإقليمية وازنة.
ويمثل حجم المشاركين رسالة قوية من المجتمع الدولي إلى أطراف النزاع في ليبيا بضرورة إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الجاري، ووضع نهاية للمراحل الانتقالية، وأيضا الضغط لإخراج المرتزقة من البلاد.
ويشارك في المؤتمر وزراء خارجية وممثلي 27 دولة، على رأسها الأعضاء في مجلس الأمن الدولي: الولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، والصين.
وتضم قائمة المشاركين دولا أوروبية لها ثقل في الملف الليبي، وعلى رأسها تركيا وألمانيا وإيطاليا بالإضافة إلى إسبانيا، ومالطا، وسويسرا واليونان، وهولندا.
كما تشارك جميع دول جوار ليبيا: مصر والجزائر وتونس والسودان والنيجر وتشاد.
تضاف إليها دول عربية فاعلة في الملف الليبي: قطر والإمارات والسعودية والمغرب والكويت.
علاوة على مشاركة بلدين إفريقيين جنوب الصحراء من خارج دول الجوار وهما: الكونغو، والكونغو الديمقراطية.
الأمم المتحدة ستكون حاضرة في هذا المؤتمر، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية.
وأغلب هذه الدول والمنظمات شاركت في مؤتمر برلين الثاني، باستثناء 12 دولة وهي: إسبانيا، ومالطا، واليونان، وهولندا، والسودان والنيجر وتشاد، قطر والسعودية والمغرب والكويت، والكونغو الديمقراطية.
إذ سبق لعدة دول أن غُيبت عن اجتماعات مؤتمر برلين، رغم مطالبتها بالحضور نظرا لتأثرها بشكل أو بآخر بالوضع الأمني في ليبيا، على غرار بعض دول الجوار.
لذلك لم يستثن مؤتمر استقرار ليبيا، أيا من الدول المعنية بالملف الليبي مهما كان وزنها أو تأثيرها وتأثرها به.
تراهن الدول المشاركة في “مؤتمر استقرار ليبيا” على الضغط على الأطراف الليبية لدفعها للتمسك أكثر بموعد 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل لإجراء الانتخابات الرئاسية.
إذ أنه وقبل نحو شهرين من موعد الانتخابات، لم تتمكن الأطراف الليبية من الاتفاق على قاعدة دستورية تجرى على أساسها الانتخابات، أما قانونا الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، اللذان أعدهما مجلس النواب، فأثارا انتقادات كثيرة لعدم احترامهما نصوص الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي.
كما جاء تلويح مسؤولي الحكومة من إقليم برقة بالاستقالة وتشكيل حكومة موازية في الشرق، ليهدد بنسف الانتخابات من أساسها.
وما زال إصرار اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الترشح للرئاسة، وكذلك الأمر بالنسبة لسيف الإسلام القذافي، يطرح الكثير من النقاش والجدل، بسبب رفض عدة أطراف خاصة في المنطقة الغربية ترشح شخصيات جدلية متورطة في سفك الدماء الليبية.
وهذا الوضع غير المشجع على الذهاب إلى الاستحقاق الانتخابي، يقلق المجتمع الدولي، ويدفعه إلى تكثيف جهوده لتشجيع الأطراف الليبية على عدم اليأس ومواصلة الطريق نحو الانتخابات.
ومن المرتقب أي يضع مؤتمر استقرار ليبيا، آلية لمعاقبة المعرقلين لإجراء الانتخابات.
الملف الذي ركز عليه مؤتمر برلين بنسختيه الأولى والثانية، ضرورة إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، ومن المتوقع أن يثير “مؤتمر استقرار ليبيا”، النقاش نفسه.
ففي الوقت الذي شرع فيه مرتزقة شركة فاغنر الروسية في الانسحاب بشكل محدود، حسبما تحدثت عنه وسائل إعلام ليبية، وأشارت إليه وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، عندما وصفتها بالبداية البسيطة جدا.
بينما عادت روسيا لنفي وجود مرتزقة يحملون جنسيتها في ليبيا، ما يصعب من مهمة إقناعها بإخراج مرتزقة فاغنر من البلاد.
وخفضت موسكو مستوى تمثيلها في مؤتمر برلين الثاني، الذي غاب عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
بينما شددت وزارة الخارجية التركية خلال مؤتمر “برلين 2″، على عدم السماح بمساواة مدربيها ومستشاريها في ليبيا بالمرتزقة.
ولفت وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إلى أن وجود بلاده في ليبيا شرعي بطلب من الحكومة الليبية والهدف منه ضمان الاستقرار وتعزيز مسار التسوية السياسية بالإضافة إلى الحد من الهجرة غير القانونية.
وبحث المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش، رفقة رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، بصفته وزيرا للدفاع، الأربعاء، مع اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) “خطة خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية”.
وقبيل انعقاد “مؤتمر استقرار ليبيا” بطرابلس، بأسابيع، أعلنت باريس رعايتها مؤتمرا دوليا حول ليبيا في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
ويطرح تساؤل حول سر توقيت مؤتمر باريس بعد أسابيع من مؤتمر طرابلس، وما سيضيفه خلال هذه الفترة القصيرة لصالح استقرار ليبيا.
وتسعى فرنسا لتنسيق جهودها في هذا الصدد مع ألمانيا وإيطاليا لتفادي التنافس بين البلدان الأوروبية الثلاثة، التي سبق لها أن عقدت مؤتمرات دولية حول ليبيا.
وحذر عضو المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) إدريس أبو فايد، لوكالة نوفا، “من أي مبادرات لفرنسا في ليبيا، لا سيما وأنها تورطت في الصراع الليبي بين الشرق والغرب، ولم تكن طرفاً محايداً، أو صاحبة موقف إيجابي”.
فدعم فرنسا لحفتر، ساهم في تشجيع روسيا على إرسال مرتزقة فاغنر إلى ليبيا، مما وضعها محل اتهام من شركائها الأمريكيين والأوروبيين، بل وحتى من كتاب وصحافيين فرنسيين أمثال “نيكولاس بو”.
وقد نشهد تنصل عدة دول من المشاركة في “مؤتمر باريس 3″، على غرار ألمانيا وإيطاليا، خاصة إذا حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استغلاله لأغراض انتخابية، قبيل رئاسيات الربيع المقبل.
ويشكل نجاح حكومة الوحدة في تأمين “مؤتمر استقرار ليبيا” ومشاركة دولية واسعة وبتمثيل عالي المستوى، تحديا هاما، سيكون له انعكاسه على عودة السفراء إلى البلاد، وكذلك الخطوط الجوية الدولية والاستثمارات الأجنبية.
وأولى هذه الإشارات الإيجابية على بداية تعافي ليبيا أمنيا ولو بشكل تدريجي، زيارة وفد سياحي أوروبي لمدينة غدامس (جنوب غرب)، ومن المتوقع أن يزور جبال أكاكوس والعوينات وغات، في أقصى الجنوب الغربي على الحدود مع الجزائر.
كما أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش، في رسالة للجنة العسكرية المشتركة، الأربعاء، بدء عمل المجموعة الأولى من المراقبين الدوليين لوقف إطلاق النار في طرابلس، منذ 10 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وأوضح كوبيتش أن بدء عمل المراقبين من طرابلس سيكون خلال الفترة الأولى إلى حين الانتهاء من الترتيبات المتعلقة بنشرهم في مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس).
فمؤتمر استقرار ليبيا، وإن كان حجم الطموحات المعلقة عليه كبيرا، فإن مجرد منعه من تدهور الأوضاع نحو الأسوأ سيعد في حد ذاته نجاحا لا يستهان به، بالنظر إلى حجم التهديدات التي تواجهها ليبيا بالعودة إلى مربع الصفر، وإعادة تقسيم مؤسسات البلاد السيادية.
(الأناضول)