‘ذات يوم عندما كنت مستشارا لرئيس الوزراء للشؤون العربية، وصل الى مكتبي رجل طويل القامة، مشطب الوجه، بيدين ترتعدان وبعين واحدة. ‘اسمي كذا وكذا’، قال. ‘كنت في سجن تدمر في وقت المذبحة الكبرى في 1980. نجوت، وأريد ان تسمع قصتي’. سمعت والذكريات غمرتني. في أحد الايام، في ظلمة الليل، انزلت قوة كوماندو تابعة لرفعت الاسد (شقيق حافظ الاسد، والد بشار) في هذا السجن، الذي يقع في الصحراء، وفي ليلة واحدة قتل هناك أكثر من الف سجين ‘أمني’. لماذا؟ ربما لان الاسد انتابته لحظة رحمة فقرر تخليص الكثير من السجناء من التعذيبات القاسية التي كانوا يجتازونها هناك. لم تكن هذه هي المرة الاولى التي اطلعت فيها على الوحشية السورية الحيوانية. اذا كنا نريد اعطاء أوصاف للسوريين، فان أحد هذه الاوصاف هي الحيوانية التي تقشعر لها الابدان والتي يتعاملون فيها مع بني البشر: ابناء شعبهم والاجانب على حد سواء. نحن كاسرائيليين شهدنا ذلك في معاملة أسرانا. كان لنا أسرى في لبنان، في الاردن، في مصر ولكن لم تقترب الوحشية تجاه الاسرى في أي مكان من الوحشية السورية. العراقيون، على الاقل في زمن صدام حسين، كانوا معروفين بوحشيتهم ولكن يخيل لي ان السوريين يفوقونهم بكثير. اذا كانت هناك وحشية حيوانية موازية للوحشية السورية، بل وتفوقها، فهي برأيي ما كانت في كمبوديا في زمن حكم ‘الخيمر روج’، في 1975 حتى 1978، وربما ايضا في عدة دول افريقية. تعالوا نتذكر حقيقة مركزية واحدة: في مصر سقط مبارك لان الجيش لم يوافق على اطلاق النار على المتظاهرين. هكذا كان ايضا في تونس. في ليبيا تدخل الغرب بحجة ان القذافي قد يذبح المواطنين. في سوريا بدأ كل شيء في اذار 2011، عندما خط فتيان شعارات على الحائط فالقي القبض عليهما، عُذبا وتعرضا لتنكيل جنسي (وهو مستحب جدا من المعذبين السوريين)، قتلا والقيت بجثتيهما الى الشارع. وعندها، عندما بدأت مظاهرات المواطنين، حصل في سوريا ما لم يحصل في أي مكان آخر: الجيش وقوات الامن لم تتردد للحظة وفتحت النار الحية على المتظاهرين. هكذا بوضوح تام. هذا بدأ بنار البنادق وسرعان ما انتقل الى الدبابات، المدفعية وسلاح الجو. اذا كان النظام يشك بان في حي معين يوجد مثلا عشرين ثائرا مسلحا، فانه يبيد الحي بسكانه وبيوته. واذا كانت حاجة الى إثارة الخوف حتى الموت، فعندها يستخدمون ايضا السلاح الكيميائي (على الاقل حتى قبل بضعة اشهر). هذا هو الفارق الهائل بين سوريا وكل باقي الدول العربية التي كانت فيها مظاهرات ‘الربيع/الشتاء العربي’. ‘عندما ترتبط الوحشية المفترسة السورية بنظام غير مستعد بأي حال للتخلي عن الحكم لجملة من الاسباب، فان لديه كل أدوات السحق والتعذيب والمساعدة المتواصلة والمصممة من روسيا، ايران وحزب الله، وامامهم يقف الغرب المتردد، مزدوج الاخلاق، عديم التصميم فان النتيجة هي الدمار المنهاجي لسوريا وقتل الشعب، بكل ما في الكلمة من معنى. وعندما تضاف الى هذا وحشية قسم من الثوار، فان أمامنا وضع يبدو بانه مأخوذ من مشاهد الجحيم. ولا يوجد شيء اكثر سخافة، اكثر انقطاعا عن الواقع من ذاك المؤتمر الدولي المسمى ‘جنيف 2’، الذي بدأ في نهاية الاسبوع بالهدف المعلن لاحلال مصالحة ونهاية للحرب في سوريا. لا يمكن لاي دبلوماسية واي كلمات عالية ان تضع حدا للجحيم السوري الذي من المتوقع ان يستمر بتقديري في السنوات القادمة. فالحرب الاهلية اللبنانية استمرت 15 سنة. المذهل هو عدم الاكتراث والسلبية من كل ‘طالبي الخير والعدل والحقوق’ في العالم. كنت أتوقع أن تكون في العواصم الاوروبية مظاهرات دائمة امام الممثليات السورية، وأن في شوارع المدن يتظاهر الناس ضد جرائم الاسد، فضلا عن أن الاف الفلسطينيين قتلوا وعشرات الالاف تحولوا الى لاجئين. ولكن لا شيء، صمت. ولعله يمكن فهم الاوروبيين. فهنا لا يدور الحديث عن اسرائيل وعن اليهود. ‘ معاريف 27/1/2014