القاهرة ـ «القدس العربي»: في محاولة لبحث سبل إنهاء الصراع في السودان والتداعيات السلبية له على دول الجوار، استضافت مصر قمة دول الجوار الخميس الماضي.
وجاء مؤتمر القاهرة بعد سلسلة محاولات دبلوماسية لوقف إطلاق النار، منها ما شهده الأسبوع الثاني من الصراع، من عقد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية محادثات لوقف إطلاق النار في مدينة جدة السعودية، وانعقاد قمة إيغاد في أثيوبيا لبحث الأزمة السودانية.
الترحيب الذي أبداه طرفا الصراع في السودان بمخرجات المؤتمر، أكسب القاهرة فرصة لاستعادة دورها الإقليمي وللرد على محاولات التهميش في الأزمة السودانية، خاصة ان المؤتمر جاء بعد أيام من دعوة اللجنة الرباعية لدول المنظمة الحكومية للتنمية «إيغاد» المعنية بحل الأزمة في السودان، إلى عقد قمة إقليمية لبحث نشر قوات لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات، بعد نحو 3 أشهر من القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما رفضه الجيش السوداني.
دكتورة أماني الطويل، مدير البرنامج الأفريقي في مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية، قالت، إن هناك فرصا كبيرة لنجاح المبادرة المصرية.
وأضافت لـ«القدس العربي» أن هذه الفرص تتمثل في المجهود المصري الذي اتفقت عليه كل دول الجوار ما ظهر في حضور المؤتمر، إضافة أن الهدف ليس إيجاد حل على المستوى العسكري فقط، وإنما على المستوى السياسي والإنساني، سواء في داخل السودان أو خارجه فيما يتعلق بقضية للاجئين.
واعتبرت أن ما أشار إليه أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، من ضرورة دعم مسار جدة الساعي لوقف إطلاق النار بشكل فوري ومستدام يسمح باستئناف العملية الانتقالية وهو المسار الذي تبنته الولايات المتحدة والسعودية خلال جلسة المباحثات التي عقدتها في جدة بشأن الأزمة السودانية، وحديث الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي عن ضرورة التصدي لأي تدخل خارجي في الأزمة السودانية وتوسيع مبادرة الإيغاد لتضم دول الجوار، يؤكد تلاقي كل القوى على ضرورة إيجاد حل للأزمة.
وعن وجود انقسام إقليمي بشأن الأزمة السودانية، قالت الطويل: يمكننا القول إن الانقسام كان موجودا قبل انعقاد قمة دول الجوار، وإن دول شرق أفريقيا باتت لديها قناعة أن ما مارسته من محاولة الاستئثار بالأزمة السودانية وإبعاد باقية الأطراف منذ اندلاع الثورة السودانية لم يجد.
وعن إمكانية تطبيق مخرجات المؤتمر على أرض الواقع في السودان، قالت إن الأمر سيتعلق بطبيعة الصفقة السياسية التي تتضمنها المخرجات.
وعن تأثير موقف مصر الداعم للجيش السوداني، وقدرتها على التأثير على قوات الدعم الذي سبق وأدانت الخطوات التي أقدم عليها، قالت الطويل، إن ليس من الضرورة أن تتواصل مع قوات الدعم السريع بشكل مباشر وأن التواصل يمكن أن يأتي من خلال قوى إقليمية داعمة لقوات الدعم السريع.
دبلوماسي مصري فضل عدم ذكر اسمه قال لـ«القدس العربي» إن مؤتمر قمة الدول الجوار، يلقى دعما عربيا وأمريكيا.
وأضاف، أن كل الأطراف التي سبق وحاولت لعب دور في إنهاء الصراع، توصلت إلى أن استبعاد دول الجوار من الحوار لن يجدي نفعا.
وتابع: أن فرص نجاح مخرجات المؤتمر مرتبطة في النهابة بتفوق أحد الأطراف عسكريا وإنهاء حالة توازن الضعف التي يشهدها السودان.
وجاء مؤتمر القاهرة بعد سلسلة محاولات دبلوماسية لوقف إطلاق النار، منها ما شهده الأسبوع الثاني من الصراع، من عقد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية محادثات لوقف إطلاق النار في مدينة جدة السعودية، وانعقاد قمة إيغاد في أثيوبيا لبحث الأزمة السودانية.
وأكدت مخرجات المؤتمر على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأناً داخلياً، مشددة على أهمية عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة بما يعيق جهود احتواءها ويطيل من أمدها.
وأشارت إلى أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها، ومنع تفككها وانتشار عوامل الفوضى، بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة في محيطها، لافتة إلى التداعيات بالغة الخطورة على أمن واستقرار دول الجوار والمنطقة.
وأعربت عن قلقها البالغ إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان، منددة بالاعتداءات المتكررة على المدنيين والمرافق الصحية والخدمية.
آلية وزارية
اتفقت دول جوار السودان على تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضيها بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية.
وأكدت على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر في السودان، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني
واتفقت على تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، تعقد اجتماعها الأول في جمهورية تشاد، لوضع خطة عمل تنفيذية تتضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة، بالتكامل مع الآليات القائمة.
وحملت كلمات عدد من المشاركين في القمة، رفضا للتدخل الخارجي ونشر قوات في السودان فيما يعد تلميحا لدعوة اللجنة الرباعية.
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قال إن بلاده ستبذل كل ما في وسعها لوقف نزيف الدم في السودان، وإن مؤتمر قمة دول جوار السودان تنعقد في لحظة تاريخية فارقة من عمر السودان الشقيق الذي يمر بأزمة عميقة لها تداعياتها السلبية على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم وعلى دول جوار السودان بشكل خاص.
وأضاف السيسي خلال فعاليات قمة دول جوار السودان التي تستضيفها القاهرة: نسعى لتوحيد رؤية ومواقف دول الجوار تجاه الأزمة السودانية واتخاز قرارات ملزمة.
المساعدات الإنسانية
ودعا السيسي الأطراف السودانية إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية وموظفي الإغاثة إلى المناطق الأكثر احتياجا، موضحا أن تداعيات الوضع الإنساني المتدهور في السودان تتطلب الوقف السريع للاقتتال.
وبين أن مبادرة بلاده لحل الأزمة السودانية، تتضمن مشاركة القوى السودانية والمدنية لبدء عملية سياسية، داعيا إلى تشكيل آلية اتصال منبثقة عن هذا المؤتمر لوضع خطة عملية تنفيذية لوضع حل شامل للأزمة والتنسيق مع كافة الأطراف في السودان.
وأضاف أن دول جوار السودان تعد الأشد تأثرا بالأزمة والأكثر فهما ودراية بتعقيداتها؛ ما يتعين على دولنا توحيد رؤيتها ومواقفها تجاه الأزمة واتخاذ قرارات متناسقة وموحدة تسهم في حلها بالتشاور مع أطروحات المؤسسات الإقليمية الفاعلة وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية؛ حفاظا على مصالح ومقدرات شعوب دول الجوار.
وأضاف السيسي: قدمت الحكومة المصرية، مساعدات إغاثية عاجلة تضمنت مواد غذائية وإعاشية، ومستلزمات طبية للأشقاء السودانيين المتضررين من النزاع داخل الأراضي السودانية.
دعم دول الجوار
وطالب السيسي كافة أطراف المجتمع الدولي بتنفيذ تعهداتها بدعم دول جوار السودان الأكثر تضررا من الأزمة، لافتا إلى أن مصر استقبلت مئات الآلاف من السودانيين النازحين الذين انضموا إلى 5 ملايين من السودانيين يقيمون بالفعل على أرض مصر.
إلى ذلك قال رئيس جنوب السودان سلفا كير، إن الخطوات التي يأخذها العديد من الأطراف المعنية بالأزمة السودانية يجب أن تصل إلى وقف إطلاق نار مستدام.
وأضاف: نحن نشهد أوضاعا حرجة ونرى الدمار يؤثر على جميع المناحي في السودان، ولذلك تركز دولة جنوب السودان على إيجاد حلول لهذه الأزمة القائمة، ونرى أن دول الجوار والمنطقة بأكملها يجب أن يجتمعوا ويجدوا حلا لهذه المشكلة.
وتابع: يجب علينا جميعا أن نسعى نحو فهم سياق الأزمة السودانية وتاريخ السودان عند مناقشة وبحث سبل إنهاء الحرب، والأكثر أهمية أن نستخدم الكثير من الصفقات في مسعانا لإيجاد الحلول والسلام لدولة السودان، وأن نضع مصلحة الشعب السوداني أولا، فلا يجب تجاهل صوت الشعب عند بحث سبل إنهاء هذا الصراع بشكل مستدام، لذلك أطالب بتوسيع نطاق مبادرة الإيجاد لتضمين ممثلين عن الشعب السوداني، ودول الجوار السوداني الذين أيضا يعانون من أثار الأزمة الإنسانية التي ولدها الصراع.
رفض التدخل الخارجي
وقال الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، مبادرة قمة دول جوار السودان ستقود في نهاية المطاف إلى تأمين المناخ الملائم للشعب السوداني، وكل دول الجوار تساعد السودان لحل مشكلاته وأزماته دون تداخلات خارجية.
وتابع: «قمة دول جوار السودان فرصة لبدء عمل جماعي بهدف تأمين المناخ في السودان، لكي تنعم كل الدول المجاورة بالاستقلال والتعاون مع السودان» مشيرا إلى أنّ تأمين المناخ السوداني يعني منع أي تدخلات خارجية تحت أي مسمى سواء كانت إنسانية أو عسكرية.
مشيرا إلى أهمية وجود آلية واضحة ذات مراجع عملية حتى يتمكن الشعب السوداني من الاستفادة من الإمكانيات المتوفرة لكل الدول المجاورة.
واعتبر أنّه لا يوجد مبرر للحرب في السودان، وأن المطلوب الآن إعطاء فرصة للشعب الذي أطاح بنظام بائد دمر السودان اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وأمنيا، مؤكدا أنّ هذه المبادرة طيبة ويجب أن يكون لها نفس طويل ورؤى واضحة وآليات فعالة وعملية: «تاريخ المنطقة أو الإقليم الذي نعيش فيه فريد من نوعه، حل المشكلات في هذه المنطقة يعتمد كثيرا على ما سينتج من هذه المبادرة لتأمين المناخ للشعب السوداني».
إلى ذلك قال رئيس المجلس الليبي، محمد المنفي: «استمرار الصراع المسلح بين أبناء الشعب الواحد في السودان منذ منتصف نيسان/ابريل الماضي، تسبّب في آثار أمنية واقتصادية وإنسانية بالغة الصعوبة، تجاوزت حدود هذا البلد الجار إلى بلداننا دون استثناء، كما أنّ حدّتها تفاوتت من بلد لآخر».
وتابع: عبرت بلادي منذ اندلاع الأزمة السودانية عن استعدادها للانخراط والمساهمة بفعالية في أي جهود إقليمية ودولية لإيقاف هذه الحرب، وعودة الأشقاء في السودان إلى الحوار الجاد والبناء، من أجل التوافق على مستقبل السودان الديمقراطي الموحد، الذي يسعى إلى الاستقرار والسلام والتنمية.
وقال أحمد أبوالغيط، أمين جامعة الدول العربية، إنّ قمة مصر الخاصة بدول جوار السودان جاءت لبحث سبل إنهاء الأزمة الحالية وتداعياتها السلبية وغير المسبوقة على مستقبل السودان وأمن واستقرار جواره، لافتا إلى أنّ مجلس الجامعة اهتم منذ اندلاع الأزمة ببحث سبل استعادة السلم والاستقرار في السودان، باعتبارها إحدى أهم أولويات الجامعة العربية.
وأضاف أبوالغيط، أنّ مجلس الجامعة المنعقد بشأن السودان طالب بوقف جميع الاشتباكات المسلحة وحفظ سلام وأمن السودانيين مع ضمان وحدة أراضيه وسيادته.
وفي النهاية يؤكد خبراء أن فرص نجاح مؤتمر دول الجوار على إنهاء الصراع في السودان، مرتبط بقدرة أحد الأطراف على التفوق عسكريا والخروج من معادلة توازن الضعف.