ميونيخ- “القدس العربي”: احتلت الحرب في قطاع غزة صدارة المناقشات في اليوم الأخير من مؤتمر ميونخ للأمن في نسخته الستين، اليوم الأحد.
وشارك رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في حلقة نقاشية، صباح اليوم، حول مستقبل العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، بحضور وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.
وأثرت الحرب المستمرة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة “حماس” الفلسطينية، والتي استمرت لعدة أشهر، على المؤتمر بشكل طفيف.
وتطرّقَ المتحدثون في المؤتمر، بمن فيهم المستشار الألماني أولاف شولتس ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إلى الموضوع خلال خطاباتهم، وتحدثوا مرة أخرى لصالح حل الدولتين. وينص هذا على قيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل.
وكانت تحذيرات وزير الخارجية المصري سامح شكري، اليوم السبت، من عواقب العمليات العسكرية في رفح، وأضرارها على السلم والأمن في الشرق الأوسط، قد أثارت الجدل، خاصة بعد وصفه حركة “حماس” بأنها خارج الأغلبية المقبولة من الشعب الفلسطيني، وتمارس العنف، ولا تعترف بإسرائيل.
تصريحات مثيرة للجدل لوزير الخارجية المصري بعد وصفه “حماس” بأنها خارج الأغلبية المقبولة من الشعب الفلسطيني، وتمارس العنف، ولا تعترف بإسرائيل
جاء ذلك خلال مشاركة شكري مع وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله ووزيرة خارجية بلجيكا حاجة لحبيب، في أعمال الجلسة النقاشية المعنونة: “نحو الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط: تحديات خفض التصعيد”، والتي عُقِدت على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، حسبما صرح المتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد.
وكشف المتحدث عن أن شكري أكد في حديثه خلال الجلسة على مخاطر انهيار المنظومة الإنسانية في قطاع غزة، والمسؤولية القانونية والإنسانية والسياسية التي يتحملها المجتمع الدولي في إطار القرارات الدولية ذات الصلة من أجل تسهيل إنفاذ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل كامل وآمن ومستدام، ومنها قرار مجلس الأمن رقم .2720
بيد أن وزير الخارجية المصري حذّر في المؤتمر من العواقب الجسيمة التي تكتنف أية عمليات عسكرية في مدينة رفح- الملاذ الأخير لحوالي 4ر1 مليون نازح فلسطيني- وتداعياتها التي تتجاوز كافة حدود المفاهيم الإنسانية والقوانين الدولية، منوهاً كذلك إلى أن حدوث مثل هذا السيناريو من شأنه أن يؤثر على الأمن القومي المصري، ويؤدي إلى أضرار لا يُمكِن إصلاحها ستلحق بالسلم والأمن في الشرق الأوسط.
من جهته دعا الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في ختام المؤتمر، حلفاء بلاده إلى تكثيف الدعم في القتال ضد الغزو الروسي، قائلاً إن مقاتلي بلاده لا يقيّدهم إلا نقص الأسلحة.
وقال زيلينسكي، في خطابه في مؤتمر ميونخ للأمن، إن أوكرانيا بدّدت بالفعل أساطير عديدة خلال حوالي سنتين من القتال الدموي، منذ أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو شامل.
وذكر أن “الأوكرانيين أثبتوا أننا يمكننا أن نجبر روسيا على التقهقر، وأننا قادرون على إعادة الحال إلى ما كان عليه. وبهذا، لا نترك أي شيء من الأسطورة الروسية الرئيسية القائلة بأن أوكرانيا لا يمكنها الانتصار في هذه الحرب. يمكننا استعادة أرضنا، ويمكن أن يخسر بوتين. وقد حدث ذلك أكثر من مرة على أرض المعركة .”
وأضاف زيلينسكي “إذا لم نتخذ إجراءً الآن، سيتمكّن بوتين من جعل السنوات القليلة المقبلة كارثية لدول أخرى أيضاً”، محذراً من أن روسيا إذا انتصرت يمكنها أن تدمّر أوكرانيا، ثم تهدّد دول البلطيق وبولندا.
وجاءت تصريحات زيلينسكي بعد خطاب المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي دعا شركاء بلاده في الاتحاد الأوروبي إلى زيادة المساعدات المالية المقدَّمة لأوكرانيا، ورأى أن هذه المساعدات تخدم الأمن الأوروبي.
في ذات السياق، صرح وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا بأنه يتوقّع أن الحكومة الاتحادية سوف تتخذ قراراً لصالح توريد صواريخ ألمانية من طراز “تاوروس” إلى بلاده.
وقال كوليبا أمام الصحفيين، على هامش مؤتمر ميونخ الدولي للأمن: “حقيقة أنك لا تسمع لا واضحة هي إجابة في حدّ ذاتها. نحن على ثقة دائماً بأنه سيتم حلّ مثل هذه المشكلات في وقت ما، لأن هذا ما علّمتنا إياه الحياة خلال العامين الماضيين”.
وأكد الوزير الأوكراني، بالنظر إلى جدالات سابقة حول توريد أسلحة ذات جودة جديدة إلى بلاده، أن كل نقاش حول توريدات أسلحة بدأ بـ “لا”، وأوضح أنه قبل أن تصرح الحكومة الاتحادية بتصدير دبابات من طراز “ليوبارد”، كانت قد تردّدت أيضاً آنذاك لفترة طويلة.
يذكر أن الحكومة الأوكرانية طلبت رسمياً من الحكومة الاتحادية ببرلين صواريخ “تاوروس” يصل مداها إلى 500 كيلومتر وذات دقة عالية، في أيار/مايو الماضي، حتى تتمكّن من ضرب أهداف عسكرية (روسية) بعيدة عن خط المواجهة.
وكان المستشار الألماني أولاف شولتس قرر، مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عدم توريد هذه النوعية من الصواريخ إلى أوكرانيا في الوقت الحالي، حيث هناك مخاوف من إمكانية إصابة أراضٍ روسية أيضاً بهذه الصواريخ التي يبلغ مداها 500 كيلومتر.
وخلال كلمته في مؤتمر ميونخ للأمن، قال شولتس إن ألمانيا ضاعفت مساعداتها العسكرية المخصصة لأوكرانيا في هذا العام لتتجاوز سبعة مليارات يورو، وأشار إلى أن ألمانيا تعهدت، بالإضافة إلى ذلك، بتقديم ستة مليارات يورو في السنوات القادمة، وأعرب عن رغبته الشديدة بأن “يتم اتخاذ قرارات مماثلة في جميع عواصم الاتحاد الأوروبي”.
وبالإضافة إلى ذلك، من المخطط أن يركز المؤتمر، اليوم الأحد، مرة أخرى على القدرات الأوروبية في ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا. ومن بين المتحدثين رئيسة جورجيا سالومي زورابيشفيلي، ونائبة رئيس الوزراء الأوكراني أولها ستيفانيشينا، ووزير الخارجية الليتواني جابرييليوس لاندسبيرجيس.
زيلينسكي: إذا لم نتخذ إجراءً الآن، سيتمكّن بوتين من جعل السنوات القليلة المقبلة كارثية لدول أخرى أيضاً،.. روسيا إذا انتصرت يمكنها أن تدمّر أوكرانيا، ثم تهدّد دول البلطيق وبولندا
وفي حدث آخر، يعتزم الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، ورئيسة وزراء لاتفيا إيفيكا سيلينا، والسياسية الألمانية ماري أجنيس ستراك زيمرمان، التي ترأس لجنة الدفاع في البرلمان الألماني “البوندستاغ”، مناقشة الأجندة الجيوسياسية للاتحاد الأوروبي.
أعرب رئيس مؤتمر ميونخ للأمن كريستوف هويسجن عن اعتقاده بأن الاتفاقية الأمنية بين ألمانيا وأوكرانيا تُعدّ دعماً مهماً للبلد الذي يتعرّض لهجوم من قبل روسيا منذ عامين.
وفي تصريحات للقناة الأولى بالتلفزيون الألماني “ايه آر دي”، قال هويسجن إن مؤتمر ميونخ للأمن قدّمَ فرصة للتفكير في كيفية دعم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وجعل الإسهام الأوروبي في القضية أكثر أهمية. وختم: “وبهذه الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها في برلين اليوم، سيكون قد تم أخذ خطوة مهمة أيضاً من قبل الحكومة الاتحادية.”
وعلى هامش المؤتمر التقى الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، وبحسب بيان الرئاسة بحثَ الجانبان محادثات السلام بين البلدين، وتطبيع العلاقات، وترسيم الحدود، وغيرها من القضايا. وأشار البيان إلى أنّ الجانبين أعطيا تعليمات لوزيري خارجيتهما من أجل عقد لقاء في وقت قريب لبحث معاهدة السلام بين البلدين، وكذلك تعليمات لعقد اجتماع لجنتي ترسيم الحدود بين البلدين .وقبل اللقاء الثنائي، جرى عقد اجتماع ثلاثي شارك فيه أيضاً المستشار الألماني أولاف شولتس.
تجدر الإشارة إلى أن الافتتاح الرسمي للنسخة الستين من أهم مؤتمر للساسة والخبراء في مجال السياسة الأمنية على مستوى العالم، والذي استغرق ثلاثة أيام، جاء بمشاركة نحو زعيم 50 دولة من كل أنحاء العالم.
وأصبح مؤتمر ميونيخ الأمني الدولي، اختصارًا MSC (باللغة الإنكليزية “مؤتمر ميونيخ للأمن”)، الآن جزءًا لا يتجزأ من تقويم فعاليات العاصمة البافارية. في كل عام، يجتمع رؤساء الدول ورؤساء الحكومات والوزراء من جميع أنحاء العالم في فندق بايريشر هوف لمناقشة الوضع الدولي.
وناقش المؤتمر عشرة مؤشرات تعتبر تهديداً للأمن العالمي، وهي التهديد الذي تمثّله روسيا والمخاطر المرتبطة به، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية، وإيجاد درع نووي أوروبي.
وكذلك انقطاع إمدادات الطاقة، بشكل بات تهديده أكبر من أي وقت مضى، ويفوق ما كان عليه في مؤشر ميونيخ للأمن 2022، لكنها انخفضت في مؤشر المخاطر مقارنة بالعام الماضي. وكذلك موضوع حرب غزة وإجلاء رفح ودور الأمم المتحدة و”محكمة العدل الدولية”.
ومن القضايا الرئيسية التي ناقشها مؤتمر ميونخ للأمن أيضاً مخاطر انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بعد التصريحات التي أدلى بها الأسبوع الماضي، والتي ألقت بظلال من الشك على الالتزامات الأمنية الأمريكية.