مؤتمر ميونيخ 2019.. تهميش وتلميع وتصعيد

حجم الخط
0

إسطنبول- إحسان الفقيه: مؤتمر ميونيخ للأمن، هو الأشهر من بين مؤتمرات السياسة والأمن في العالم الذي يحرص على حضوره زعماء دول عظمى ومسؤولون وقادة عرب في دورات انعقاده السنوية في شباط/فبراير من كل عام في مدينة ميونيخ بألمانيا منذ 56 عاما.

ولا تصدر عن المؤتمر بيانات ختامية، إنما تقتصر فعالياته على اجتماعات ونقاشات تتضمنها أكثر من 30 جلسة يتحدث فيها نحو 120 متحدثا من قيادات العالم وصناع القرار في القضايا الدولية التي تهم دول العالم.

في دورته الحالية، شارك أكثر من 600 من صنّاع القرار الدوليين من سياسيين ورجال أعمال وقيادات أمنية ورؤساء شركات كبرى وشخصيات دولية ومراكز أبحاث ومنظمات دولية، منهم 35 رئيس دولة وحكومة و50 وزيرا للخارجية والدفاع.

بدا واضحا في ختام مؤتمر ميونيخ للأمن أن المؤتمر ركز على ثلاثة محاور أمنية رئيسية تتعلق بالسياسات الأمنية وعلاقاتها بالسياسات التجارية، والسلام الدولي وصلته بالهجرة غير الشرعية، وأيضا ما يتعلق بالتسليح.

وإضافة إلى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، حضر جلسات المؤتمر زعماء دول ورؤساء حكومات ووزراء خارجية ودفاع ومسؤولون آخرون، من بينهم نائب الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية الروسي وأمير دولة قطر والرئيس المصري ورئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا.

ناقش المشاركون على مدى ثلاثة أيام (15 و16 و17 شباط/فبراير) الأزمات الدولية الشائكة والتعاون الأمني والدفاعي بين دول العالم والتجارة الدولية وقضايا تهم دول العالم مثل الصراعات في الشرق الأوسط، ليبيا وسوريا واليمن، والخطر الإيراني والسلام الفلسطيني الإسرائيلي وغيرها مثل الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.

أشار التقرير السنوي لمؤتمر ميونيخ للأمن إلى الخلافات الأمريكية الروسية حول التسليح والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مشددا على تزايد انعدام الأمن على مستوى العالم، مؤكدًا أن “النظام العالمي يتفكك”.

وتأتي أهمية مؤتمر ميونيخ للأمن من كونه منصة عالمية، يتم من خلالها بحث القضايا الأمنية حول العالم عبر منح الفاعلين السياسيين وصناع القرار فرصة التواصل المباشر بشكل غير رسمي.

ومن بين المواضيع التي أخذت أولوية في جلسات المؤتمر، التعاون الأمني والدفاعي لدول الاتحاد الأوروبي ومستقبله، وما يتعلق بتحقيق التعاون والرغبة الأمريكية بمشاركة “أكثر عدالة في الأعباء داخل حلف شمال الأطلسي”، وما يستوجب عمله لمنع إنشاء هياكل عسكرية متنافسة وخلق استراتيجيات تعاون بديلة عن المواجهة، إضافة إلى مستقبل التجارة الدولية.

الخلافات الأوروبية الأمريكية: 

خلص مراقبون إلى أن مؤتمر ميونيخ للأمن كشف حقيقة التباين في المواقف السياسية بين الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي بشكل أكثر وضوحا وغير مسبوق على منصات المؤتمر التي عبّر مسؤولون أوروبيون عن استيائهم من قرارات “معادية” دأب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على اتخاذها.

شملت الخلافات الأمريكية الأوروبية علنا أو في أروقة المؤتمر قائمة مواقف حول قضايا تتعلق بالملف النووي الإيراني والمناخ والتجارة الدولية والالتزام الأوروبي بدفع المستحقات لحلف شمال الأطلسي، وأيضا حول الانسحاب الأمريكي من سوريا والحرب في اليمن وغيرها.

في دلالة على عمق الخلافات الأوروبية الأمريكية، قوبلت كلمة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس بالصمت عندما نقل للحاضرين تحيات الرئيس الأمريكي لهم

وفي دلالة على عمق الخلافات الأوروبية الأمريكية، قوبلت كلمة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس بالصمت عندما نقل للحاضرين تحيات الرئيس الأمريكي لهم في دلالة “عملية” على حجم الاستياء الأوروبي والعالمي منه.

الملف السوري: 

وعقد وزراء دفاع دول التحالف الدولي ضد تنظيم داعش اجتماعا مغلقا على هامش أعمال مؤتمر ميونيخ للأمن، تناول انحسار داعش في سوريا، غير أنه لم يصدر عنه أية إشارة حول مستقبل النظام السوري والتسوية السياسية في هذا البلد، ما قد يعني ضمنا اقرارا بالواقع.

وفي الوقت الذي أكد فيه نائب الرئيس الأمريكي على مواصلة بلاده ملاحقة فلول تنظيم داعش مع اقتراب سحب قواتها من سوريا؛ فإنه شدد على أن الولايات المتحدة “تحتفظ بوجود قوي في منطقة الشرق الأوسط”.

وبالتزامن مع اقتراب خسارة تنظيم داعش آخر مساحة يسيطر عليها في سوريا، وهي أقل من كيلومترين مربع، أعلن نائب الرئيس الأمريكي أن بلاده ستبدأ “لاحقا” بتسليم المهمات القتالية لمطاردة فلول التنظيم لشركائها في المنطقة بينما تقوم بإعادة قواتها إلى بلادهم، فإن هذا ليس أكثر من تغيير في الخطط المرحلية وليس تغييرا في المهمة أو الخطط بعيدة المدى.

وناقش وزراء دفاع لبنان وتركيا والأمين العام لجامعة الدول العربية ونائب وزير الدفاع الروسي والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ملف “الصراع السوري بين الإستراتيجية والمأساة”، وما يتعلق بالمنطقة الآمنة وهزيمة تنظيم داعش في ظل إجماع على وجوب الاستماع إلى معاناة الشعب السوري وضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي 2254.

منصة ميونيخ لتحسين صورة النظام المصري: 

في محاولة منه لتحسين علاقاته مع الدول الأوروبية بسبب الانتهاكات الحادة لحقوق الإنسان، حيث تحدثت منظمات حقوقية دولية عن أكثر من 60 ألف حالة اعتقال سياسية لمعارضين، استعرض الرئيس المصري جهود بلاده في مكافحة الإرهاب، وهو شأن يحظى باهتمام تلك الدول، والإشارة إلى الانفتاح الاقتصادي على دول العالم والسعي المصري لاستثمار رئاسة الاتحاد الإفريقي في ما بدا عكس صورة عن استعادة مصر لدورها الإقليمي وما يتطلبه من تعاون وتنسيق دولي.

إلا أن ذلك لا يعني الكثير أمام المزيد من التناقضات، التي يحاول النظام المصري الظهور أمام العالم بأنه مثال للتعايش بين الأديان ورأس حربة في مكافحة الإرهاب، في ذات الوقت الذي تتزايد ممارسات الأجهزة الأمنية في قمع المعارضين وكبت الحريات في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما يدركه العالم وتؤكده المنظمات الحقوقية الدولية.

من جانب آخر، وبعيدا عن الانتهاكات لحقوق الإنسان والانتقادات الموجهة للحكومة المصرية على خلفية التعديلات الدستورية المنتظرة والتي تسمح للرئيس الحالي بالبقاء في السلطة إلى عام 2034، أي “مدى الحياة”، عكست تصريحات القادة الأوروبيين خلال جلسات المؤتمر على أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار في مصر بصفتها دولة إقليمية مهمة لقضايا الشرق الأوسط ورئيسة للاتحاد الإفريقي، المنظمة الأهم في القارة الإفريقية.

إيران في مؤتمر ميونيخ: 

وإلى جانب الخلافات حول القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا، والذي اعتبره وزير الخارجية الفرنسية وحلفاء آخرون بأنه سيخلّف المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، وأنه سيخلق فراغا قد يفيد “عدوتها” إيران، برزت خلافات أكثر أهمية حول دعوة مايك بنس الدول الأوروبية لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، الذي ترفض هذه الدول الانسحاب منه وتتمسك بتطبيقه “كاملا” من أجل “أمن أوروبا”، وفقا لمسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي في ردها على انتقادات مايك بنس بشأن قرارات فرنسا وألمانيا وبريطانيا السماح للشركات الأوروبية بمواصلة نشاطاتها في إيران رغم حزمة العقوبات الأمريكية.

تعتقد الولايات المتحدة أنها اتخذت خطوات حاسمة، وفقا لنائب الرئيس، في مواجهة ما وصفه “أكبر تهديد للسلام والأمن في الشرق الأوسط والذي تمثله إيران” الدولة الراعية للإرهاب حول العالم والتي تدعم “الوكلاء لها والميليشيات وحماس وحزب الله”، وتقوم على تصدير الصواريخ التي تغذي الصراعات في سوريا واليمن وتنادي علانية بتدمير “دولة إسرائيل”.

وشبّه مايك بنس إيران بألمانيا النازية متهما إياها بالسعي لخلق “محرقة جديدة” لليهود الإسرائيليين.

ووصف وزير خارجية إيران جواد ظريف تصريحات مايك بنس بأنها “مثيرة للسخرية” مؤكدا على أن بلاده “حمت اليهود دوما لكنها تناهض الصهيونية” بينما اتهم إسرائيل بالبحث عن الحرب محذرا من أن التصرفات الإسرائيلية والنشاطات الأمريكية تزيد من فرص حدوث “اشتباك في المنطقة”. (الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية