الناصرة – “القدس العربي”: يحذر مؤرخ إسرائيلي مختص بتاريخ اليهود من التهديد الوجودي الكبير الذي يجسده المستوطنون على المشروع الصهيوني مقارنا بينه وبين الممالك الصليبية. البروفيسور دافيد أوحانا المحاضر في قسم تاريخ اليهود في جامعة بن غوريون في بئر السبع يقارن في مقال بعنوان “الفخ المأساوي لإسرائيل” نشره ملحق صحيفة “يديعوت أحرونوت” بين المستوطنين الذين يميز بينهم وبين الصهاينة الأوائل (العلمانيين) وبين الصليبيين. ويستذكر نعت الأديب الإسرائيلي الراحل عاموس عوز الإسرائيليين بـ “الكنعانيين والصليبيين”. ويتابع: الآن انتهيت للتو من قراءة كتاب “فوق أرض حجرية”، وهو استمرار ممتع لكتاب “لا كنعانيون ولا صليبيون”. وفي الواقع يمكن أن نسميه بالتأكيد “كنعانيون وأيضا صليبيون”، هذا ما كتبه عاموس عوز في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017. ويقول أوحانا إنه في أعقاب حرب 1967 تحولت مناطق الضفة الغربية المأهولة بفلسطينيين الى مناطق استيطان يهودي كولونيالي وإن إسرائيل كدولة أرسلت مستوطنين لإقامة مستعمرات وراء الخط الأخضر، خارج حدودها السيادية. ويوضح أنه في منتصف السبعينيات كان أعضاء حركة “غوش ايمونيم” الاستيطانية هم الجيش الطليعي للاستيطان الكولونيالي في قلب مناطق فلسطينية، مثلما أقام الصليبيون الأوروبيون في منتصف العصور الوسطى المستوطنات داخل بلاد الشام، مؤكدا أن هذه ليست ظاهرة سياسية عابرة، بل نقطة انعطاف تغير توجهات المفكرين الصهاينة والمستوطنين الأوائل، حيث أن منطق إقامة دولة إسرائيل مشوه تماما. ومن منطلقات صهيونية تقليدية يعتبر أوحانا أن المنطق الصهيوني الذي هو في أساس إقامة دولة إسرائيل كان يعني أن الآخرين (الأغيار) لن يحكموا اليهود، واليهود لن يحكموا الآخرين. ويضيف “سلالة جينية تحدث الآن في الجسم الصهيوني، أكثر من نصف مليون إسرائيلي يعيشون خارج الحدود المعترف بها للدولة، وهذه الحقيقة أصبحت أقرب من أي وقت مضى من النبوءة بأن حدود إسرائيل ستمتد من البحر وحتى نهر الأردن”.
“حق عالمي”
وزاعما أنه لم يلتصق الخطأ الأساسي (الصليبي) بإقامة دولة إسرائيل وأن الإسرائيليين الأوائل لم يعتذروا عن وجودهم القومي، بل اعتبروه تجسيدا تاريخيا لحق عالمي معترف به دوليا، مدعيا أن المقارنة الصهيونية – الصليبية التي قام بها المفكرون والسياسيون أثبتت في أحيان كثيرة بأن المستوطنين اليهود (الرواد) لم يتم إرسالهم نيابة عن بلادهم الأصلية، دوافعهم كانت بناء إنسان حر يتحكم بمصيره، وعاد إلى وطنه التاريخي، ويمقت الاضطهاد اللاسامي ويطمح إلى أن يشبه جيرانه القدامى وكافتهم أصحاب سيادة في بلادهم”. ويمضي في مزاعمه حول الفارق بين الأجيال الصهيونية المتعاقبة بالقول “لقد ابتعدوا عن نمط مشهد دينهم وأصبحوا وطنيين في وعيهم الحديث. هم لم يعتكفوا في الجبل ولم ينغلقوا في حصن، بل تم اعتبارهم مجتمعا شرق أوسطي مزدهرا وطوروا استيطانا وعلوما وتكنولوجيا ورسخوا (في حرب تحرير دموية انتهت بهرب وطرد معظم الفلسطينيين من سكان البلاد الأصليين) أغلبية مطلقة في سكان البلاد وبلوروا هوية مستقلة وثقافة وطنية ولغة عبرية”.
وضمن الإشارة لحالة الانغلاق عن البيئة المحيطة يدعي المؤرخ الإسرائيلي أوحانا أنه في الـ 200 سنة استيطان افرنجي لبلاد الشام دخلت فقط 30 كلمة عربية الى اللغة اللاتينية للكولونياليين. وطبقا لمزاعم أوحانا فإنه في صراع عسكري مستمر نجح المستوطنون الأوائل في إقامة نظام ديمقراطي ثابت، الأمر الذي منح حقوق مواطنة (في الواقع بالقطارة ويد مقبوضة) للأقلية القومية العربية التي تعيش في داخلهم. هذا باستثناء سنوات الحكم العسكري، سنوات الدولة الأولى التي ولدت للتو، وكانت عديمة الأمن والثقة بالذات مقابل جيرانها الذين لم يعترفوا بشرعية وجودها. ويشير أوحانا لما كتبه المؤرخ ب. ز كيدار في مقال بعنوان “العامل الصليبي في الخطاب السياسي الإسرائيلي” بأن هناك مكانا لبحث مقارن لدرجة الحاجة إلى مقارنة وأخذ عبر تاريخية في بلاد وعهود مختلفة”. ويتابع أوحانا: “مقارنة جيدة ستطرح أسئلة وتثير نقاشا، والتشابه بين الصليبية والصهيونية هو مؤشر يمكن من خلاله فحص الفرق بين الحركة الصهيونية والحركة الاستيطانية اليهودية المعاصرة”.
ويرى أوحانا أنه خلافا للصهيونية فإن المستوطنين الأيديولوجيين يشبهون في حالات كثيرة الصليبيين ويدلل على مقولته بالقول: أولا، الحركتان وضعتا في أساس مشروعهما التفوق الديني، الرؤية الدينية سبقت الرؤية القومية، ودمجهما معا خلق رؤية دينية سياسية، أهدافها الدينية والكولونيالية تم تحقيقها بوسائل سياسية. ويستذكر أن الصليبيين الأوائل استجابوا لنداء البابا أوربانوس الثاني، لتحرير القبر المقدس في القدس من أيدي الكفار المسلمين الذين سيطروا عليه، “هذه إرادة الله”، التي تم إسماعها في مجلس كلارمون في 1095. ويتابع في مقارناته: “استجاب المستوطنون للحاخام تسفي يهودا كوك، الذي قام بالبكاء في “مركز الراب” في يوم الاستقلال في 1967 على ضياع إرث السابقين الذي سيطر عليه المسلمون. سارع المستوطنون بعد ثلاثة أسابيع الى إعادة المجد الى سابق عهده وبدأوا في توطين حدود البلاد الكبيرة مثل الصليبيين، على الجبل وفي الحصن منغلقون ومنفصلون عن سكان البلاد الأصليين”.
ويستذكر أن أحد قادة الاستيطان، حنان بورات، الذي كان موجودا أثناء خطاب الحاخام كوك، كتب مقالا مقدسا يقول في بدايته: “يمكن أن نعيد إسماع قصيدة المسيرة الكبرى التي يقودنا الله فيها في الطريق التي تصعد إلى البيت: كل “شعب إسرائيل” لكل “أرض إسرائيل” وفي مركزها قدسنا، هي معبد المدينة الملكية”. ويشير إوحانا ضمن مقارنته أيضا إلى أن البابا أوربانوس رفع مكانة القدس الى درجة ما سماه “صرة العالم” بادعائه أنها المدينة الأهم للكاثوليكيين سرقت ويجب أن نرسل إليها الفرسان. ويضيف “غاب أساس لاهوتي كهذا عن مؤسسي الصهيونية وعن المستوطنين الأوائل في فلسطين وعن الإسرائيليين حتى العام 1967. الحركة الصهيونية والإسرائيلية الأولى كانت علمانية وحتى أن التيارات الدينية الهامشية قبلت الافتراض الأساسي الذي يقول بأنه يجب فصل الدين عن الدولة، والمشروع الصهيوني كان يفتقر إلى العنصر المتسامي”.
وفي رأيه برز في التفوق الديني للصليبيين والمستوطنين الأساس المسيحاني ويشير لقول البابا في خطابه التأسيسي في كلارمون إن “الحرب من أجل الأرض المقدسة المسلوبة والمدنسة هي حرب جميع المسيحيين: ليكن الآن جنود المسيح، أولئك الذين كانوا حتى الآن لصوصا”. ويضيف أوحانا: “في رؤيا يوم القيامة في المسيحية فإن المناوئ للمسيح سيخضع له، وهو الذي عاد ليؤسس مملكة الشياطين على الأرض”. انتقد أوربانوس حروب النبلاء ودعاهم للقتال من أجل المسيح لأن الفرنجة هم شعب الله المحبوب والمختار”. صحيح أنه في الصهيونية كان هناك أساس مسيحاني، لكن شبيها بأنبياء الحركات القومية الأوروبية، برز لدى رؤسائها من هرتزل وحتى بن غوريون البعد العالمي وأضيفت اليه أسس علمانية وبراغماتية”. ويشير أوحانا في المقابل إلى أنه في حين حصل المستوطنون الايديولوجيون على الإلهام من الديالكتيك الذي رسمه الحاخام أبراهام إسحق هكوهين كوك، الذي فيه جلب الله القوميات من أجل الحفاظ على الدين ومنح التوراة للشعب المختار. ويضيف: “حسب رؤيته تبرز فرضية المناوئ للمسيح: التفسير المسيحي الديني لدولة إسرائيل يمنح أهمية للكارثة، حيث أنه في نهاية المطاف مثل عمق السقوط الشيطاني سيكون عظم الخلاص المسيحاني”.
تأجيج الصراع
ويقول أوحانا إنه في “المسيحانية الحتمية” لـ “غوش ايمونيم” حدث تطرف، وهذا انعكس في الانتقال من الضرورة التاريخية على صيغة الحاخام كوك الى تفعيل للتاريخ بأسلوب ابن الحاخام كوك. ويقول أيضا إن إبعاد النهاية انعكس في احتلال كل “أرض إسرائيل” والاستيطان فيها. وبرأيه كشف هذا التطرف انتقالا من البعد العالمي، الميتافيزيقي السحري للمسيحية، الى البعد الخاص، القومي الإسرائيلي، بعد أن مر بتهويد على شكل الطلائعية الاستيطانية. ويتابع: لم ينغلق الفيلق الرائد في “غوش ايمونيم” الذي كان على مستوى من اللاهوت السياسي المسيحي، وراء أبواب معايير المعسكر الديني، بل قاد دولة بأكملها إلى عملية دراماتيكية ومصيرية جدا في تاريخها. إسرائيل، التي نجحت في إقامة هذا القدر أو ذاك من الديمقراطية الليبرالية وجماعة يهودية حرة ونجحت في التعامل مع أقلية عربية تشكل نحو خمس سكانها، تشق الآن طريقها لتصبح دولة واحدة فيها قوميتان متطرفتان لم تعرفا في أي يوم الهدوء في المئة سنة الاخيرة”. ويخلص للقول: إن “أصحاب النوايا الحسنة لدينا بأن الحل هو إقامة دولة مدنية مشتركة ولكنهم بسذاجتهم السياسية يتجاهلون اليمين السياسي في إسرائيل والمستوطنين الأيديولوجيين الذين لن يوافقوا في أي يوم على إعطاء مواطنة متساوية لـ 4.6 مليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة”. ويقول محذرا: “إبقاء الفلسطينيين في مكانة مواطنين من الدرجة الثانية سيؤسس بالتأكيد دولة ابرتهايد يهودية. يمكن أن العنوان الذي اقترحه عاموس عوز “كنعانيون، وأيضا صليبيون” هو أفضل ما يميز الفخ المأساوي الذي سقطت فيه دولة إسرائيل”.
تشبيه باطنه تبرير وظاهره ” تأريخ ” لا علاقة له بالتاريخ.
هي فعلا حرب صليبية بدماء صهيونية يهودية والتاريخ يكرر نفسه في نسخة القرن الواحد والعشرين، والله يحرر فلسطين ويكسر شوكة إسرائيل كسرا لا جبر بعده أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا