عمان- «القدس العربي»: يسهر الأردنيون مجدداً على الشارع المحاذي لمقر السفارة الإسرائيلية في العاصمة مرددين هتافات حارّة تخاطب حصراً الناطق الرسمي باسم كتائب القسام “أبو عبيدة” وتجدد قسم البقاء في حالة تضامن مع المقاومة الفلسطينية، فيما يؤسس بالتزامن وزير الخارجية أيمن الصفدي مقاربة بلاده الدبلوماسية عبر لقاءات عميقة مع قيادات المعادلة اللبنانية وبأمر مباشر من القصر الملكي.
في عمان، مقاربة الحراك الشعبي تعود بصخب ملحوظ تحت يافطة تجديد العهد بالتضامن الجماهيري بمناسبة الذكرى الأولى لعملية 7 أكتوبر.
وفي بيروت، يلتقي الوزير الصفدي قيادات الحكم اللبناني، ويوصل رسائل خاصة جداً لرئيس مجلس النواب نبيه بري وآخرين في صف دعم المقاومة اللبنانية، بعد أن حط الوزير الأردني في رسالة موازية بالعاصمة اللبنانية على متن طائرة عسكرية وبدون أدنى تحرش من الإسرائيليين وبرفقة 13 طناً من المساعدات الإغاثية، الأمر الذي يؤشر على تنسيق محتمل مع الأمريكيين.
الأهم أن وزير الخارجية الأردني وفي بيروت التي تعد اليوم عاصمة محور المقاومة، قرر أن يظهر ميلاً رسمياً لـ “تبني” غضب الشارع الأردني، وأطلق تصريحاً قال فيه إن الشارع الأردني غاضب؛ لأن مؤسسات الدولة غاضبة أيضاً.
عبارة الصفدي هنا، مثيرة للغاية ونادرة، وقد تكون المرة الأولى التي تتبنى فيها الدبلوماسية الأردنية مساحة مشتركة مع قوى الشارع في المملكة، حيث يتحدث الصفدي في بيروت عن “غضب المؤسسات” في بلاده، فيما عشرات الآلاف من المواطنين يتجمعون في ضاحية الرابية بالعاصمة عمان تحت عنوان ليس مخاطبة أبو عبيدة فقط، ولكن عودة منهجية “محاصرة سفارة الكيان”.
بوضوح، لم تمنع السلطات المختصة في عمان آلاف الأردنيين من التجمع قرب مسجد الكالوتي الشهير.
وبوضوح، لم تنصب الحواجز لقمع أو منع أو احتواء حالة التضامن المحلية الشعبية مع ذكرى 7 أكتوبر، ما يؤشر -مرحلياً وسياسياً- على نقطة مشتركة نادرة بين المؤسسة الرسمية وقوى الإخوان المسلمين في الأردن، التي تقود التظاهرات عملياً، فكرتها التصدي لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في غزة وأيضاً في لبنان.
“نحن الأردنيين، في دائرة الاستهداف نفسها، دولة وشعباً”… هذا ما أكده القطب البرلماني الإسلامي صالح العرموطي عندما ناقشته “القدس العربي” في المستجدات. وفيما يتحدث الصفدي باسم الدبلوماسية عن “غضب المؤسسات”، تشكلت بوادر منطقة أو مساحة مشتركة بين الشارع وقواه والسلطات، بعنوان التصدي للمشروع الإسرائيلي.
حصل ذلك أو يحصل في ظل إعلان القوات المسلحة الأردنية عن تجربة إطلاق صواريخ بعيدة المدى تحت يافطة “تعزيز أمن واستقرار البلاد، والتصدي لأي مخاطر”.
ويحصل فيما يطرح الإخوان المسلمون، تيار المعارضة الأبرز، معادلة “الشراكة” في سياق التصدي للأطماع الإسرائيلية، وفيما يبدو أن المراقب العام لجماعة الإخوان الشيخ مراد عضايلة واثق للغاية من معادلة “الأردن بعد لبنان”.
والتزامن بين تصريحات الصفدي الحادة حول غضب المؤسسة في بيروت وعودة الحراك الشعبي لمنطقة الرابية وبمناسبة الذكرى الأولى لـ 7 أكتوبر، محطة لا يمكن إلا ملاحظتها هذه الأيام في عمان، خصوصاً أن الأردن خلف الكواليس أصر بإلحاح على هبوط طائرته العسكرية الخامسة التي تحمل المساعدات والصفدي في مطار بيروت حصراً بعد ليلتين من القصف الإسرائيلي العنيف لمحيط مطار العاصمة اللبنانية.
وتلك المحطة على الأرجح مؤشر حيوي على “تبديلات وتغييرات” في المزاج الرسمي الأردني، مردها نمو الإحساس بالمخاطر ومستجدات المسرح العالمي بالقياس المؤسسي الأردني، حيث لا يمكن التغافل عن غياب وتغييب القانون الدولي وسقوط الأمم المتحدة في اختبار “وقف إطلاق النار في غزة”، بحسب الخبير السياسي البارز الدكتور جواد العناني، الذي يصر مجدداً في نقاش مع “القدس العربي” على أن الحسابات السياسية المعقدة تضاعف “التحديات” التي تواجه اليوم “ثقافة السلام”، ليس في الأردن فقط بل في المنطقة والعالم.
ما يلاحظه العناني وتحدث عنه في عدة نقاشات مع مؤسسات دولية بحثية مؤخراً هو كلفة وتأثير غياب الرؤية الدولية الردعية، وضعف الإدارة الأمريكية في مواجهة ما يفعله يمين إسرائيل، وفاتورة الإرباك الذي يحيط بالدول الأوروبية، واحتمالات الحرب المفتوحة التي تهدد الاستقرار العام.
كل تلك مؤشرات “ضاغطة”، برأي العناني وغيره، على “صناعة القرار” في الأردن، بدلالة أن الارتخاء والضعف الأمريكي نتج عنهما عودة لمربع “تصليب الجبهة الداخلية في الأردن”، وهو سيناريو لا يمكن إعادة تدشينه عملياً بدون “الإخوان المسلمين” أصحاب التجربة الأهم محلياً في معارضة إسرائيل وعمليتي السلام والتطبيع.
من ذلك التصور حصراً، تنطلق التناغمات بين الخط الإخواني أو الشعبي الأردني العام بقواه وبين “التبديلات الخشنة” التي تطرأ على خطاب الدبلوماسية الأردنية، والتي ظهرت في بيروت أكثر من غيرها، ليس من زاوية “تدوير الزوايا السياسية” على رافعة “الإغاثة” فقط، ولكن أيضاً من منطلق إعلان الصفدي الصريح بأن المؤسسات مثل الشعب في المملكة؛ يعتريها الغضب. وهو غضب يحيله العرموطي والعناني وغيرهما من كبار الملاحظين، إلى التأثيرات الأكيدة المباشرة التي ترصد ضد مصالح الأردن جراء “ضعف إدارة الرئيس جو بايدن” وجراء الغطاء الذي يحرص الأخير على توفيره لليمين الإسرائيلي بصيغة بدأت تحرج الأردن الرسمي مع شعبه عملياً وميدانياً.