مئات العائلات السورية العائدة من لبنان تجبر على المبيت لعدة أيام في العراء دون غذاء أو ماء

هبة محمد
حجم الخط
0

دمشق – “القدس العربي”:

دخلت آلاف العائلات السورية إلى ريف حلب الشرقي الخاضع لسيطرة المعارضة السورية، من معبر عون الدادات الإنساني بريف جرابلس، فارين من بيوتهم في بلد النزوح في البقاع وبعلبك وجنوب لبنان، هرباً من القصف الإسرائيلي العنيف على القرى والبلدات اللبنانية.

وأتى هذا النزاع على آلاف المدنيين ليضيف أزمة جديدة إلى الوضع الهش الذي تعاني منه أصلاً عشرات الآلاف من العائلات في لبنان وسوريا، ما أجبرهم على جولات متعددة من النزوح القسري مرة تلو الأخرى، بعد أوامر الإخلاء والقصف الإسرائيلي المكثف على مناطق متفرقة في لبنان.

نائب مدير الدفاع المدني السوري، منير مصطفى، قال لـ “القدس العربي”: “كنّا في استقبال نحو 1700 شخص، في معبر عون الدادات الإنساني وقدّمنا لهم الرعاية الصحية وخدمات تهوّن عليهم مرارة الحرب والتهجير المستمر، كانت ملامح التعب والإرهاق جراء السفر والضغوط النفسية والحزن واضحة على محياهم، وأغلبهم كانوا من النساء والأطفال والمسنين، وبينهم مرضى ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث قدمت فرقنا الإسعافات الأولية لنحو 10 عوائل فور وصولهم وأسعفتهم إلى المشافي”.

وقال: “كانت جميع العائلات والأفراد في حالة وهن أثناء رحلة التهجير التي فرضتها عليهم الحرب الدائرة في جنوب لبنان، ووصلوا إلى شمال غربي سوريا ليواجهوا ضغوطاً صعبةً أخرى ومعاناة ومأساةً إنسانية متجذرة في المنطقة، منذ بدء حرب النظامين السوري والروسي على المدنيين، والتي تسببت بدورها بأزمة إنسانية غير مسبوقة وفجوةٍ كبيرةٍ في الاحتياجات الإنسانية وتدهور في القطاعات نتيجة تراجع الدعم الإنساني واستمرار الحرب وحملات القصف الممنهج من قوات النظام”.

وأضاف أن “الأزمات المتتالية أجبرت السوريين على الهروب من مدنهم وبلداتهم في سوريا خلال الحرب التي شنها النظام السوري على شعبه، ثم اضطر الآلاف منهم إلى النزوح مراراً في لبنان بحثاً عن ملاذ آمن. والآن بعدما هربوا من مصير فرضته الحرب، يواجهون مصيراً لا يقل قساوةً ولا يختلف في مشاهد القصف والدمار اليومي”.

ويتعرض أكثر من مليون سوري لتهديد الغارات الإسرائيلية المكثفة، ويطاردهم شبح التشرد في بلد النزوح.

التقت “القدس العربي” بميساء، وهي شابة سورية من مدينة نبش بريف إدلب أم لطفلين، للحديث عن رحلة نزوحها من قرية برج البراجنة في الضاحية الجنوبية من بيروت وصولاً إلى مدينتها في بنش شمال غربي سوريا.

وتقول ميساء: “خرجنا من بيروت يوم أضخم ضربة إسرائيلية تعرضت لها المنطقة، قبل نحو 10 أيام، حيث خرجنا بلباسنا وأطفالنا ليلاً، وتجمعنا في باصات وسيارات أجرة وحافلات كبيرة منطلقين اتجاه الحدود السورية النظامية”.

 عشرات العائلات من المعارف والجيران، معظمهم من ريفي حلب وإدلب، توجهت نحو معبر العريضة في محافظة عكار ومنها إلى حمص ثم ريف حلب الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وبعد عبورها مدينة حلب توجهت إلى مدينة جرابلس، حيث معبر عون الدادات الحد الفاصل مع مناطق سيطرة المعارضة السورية.

تقول ميساء: “وصلنا إلى معبر عون الدادات حيث بتنا في العراء 4 أيام، أوقفتنا خلال الرحلة عشرات الحواجز العسكرية في مناطق المعارضة، ولم تشفع لنا رحلة النزوح ولا المرض والإعياء، بالدخول إلى أراضينا وبيوتنا، إذ إن معظم النازحين هم من أهالي حلب وإدلب، وتمنعهم الحواجز العسكرية من متابعة المسير”.

وتابعت: “أعاني من حساسية شديدة، ونتيجة مبيتنا في منطقة ترابية أشبه بالصحراء، حيث تسببت الرمال والغبار التي دخلت في أنفي وحلقي بالتهاب وتهجي ما زاد وضعي الصحي سوءاً، بينما بصق بعض المرضى دماء من شدة الحساسية، لكن حالنا كان أفضل من حال شابة عشرينية جاءها المخاض في الباص حيث ولدت دون طبيب أو مسعف”.

وتضيف: “عانى الأطفال من نزلات البرد والسخونة، كما أغمي على امرأة بسبب الجوع حيث نقلها الشبان إلى عناصر الحاجز الذين اضطروا إلى إسعافها وحيدة، بينما كسرت قدم رجل ولم يتلق العلاج، فيما أجبرت بعض العائلات على العودة من حيث أتت، ولم يسمحوا لها بالدخول لأنهم ليسوا من أبناء المنطقة”.

وحول استقبالهم لحظة الوصول إلى ريف حلب، تقول ميساء: “لم يستقبلنا أحد، وخلال مكوثنا في المنطقة الصحراوية الفاصلة عند المعبر، أكلنا فتات الخبز اليابس مع الماء، وتقاسم الأهالي بواقي الحليب بين الأطفال، وعند السماح لنا بالعبور، استقبلني أقاربي، وسأبقى هنا ريثما أرمم منزلي المدمر في بنش”.

وعن تكرار جولات النزوح تقول ميساء: “نزحت إلى لبنان قبل 13 عاماً، خرجت من إدلب تحت القصف، وعدت إليها تحت وطأة القصف والحرب. عدنا كما خرجنا… نازحين”.

 ويصف عبد الله إدريس وضعه خلال رحلة النزوح لـ “القدس العربي” فيقول: “لم تستقبلنا مراكز الإيواء في لبنان لأن السوري مرفوض بكل الملاجئ والمراكز التي تؤوي نازحين”.

وتابع: “خرجت بعائلتي المكونة من 6 أشخاص، مباشرة من بيوتنا تحت القصف في الضاحية الجنوبية، عبر باصات وسيارات الأجرة، اتجاه معبر العريضة، ومنها إلى حلب ثم ريف جرابلس عند معبر عون الدادات، حيث استغرق الوصول من المعبر في لبنان إلى المعبر بريف حلب ليلة كاملة”. ويضيف: “عند وصولنا إلى جرابلس تركنا 4 أيام نعاني من الجوع والغذاء والماء والدواء وعدم احترام لإنسانيتنا، حتى سمح لنا أخير بالعبور”.

وأصدرت منظمة “منسقو استجابة سوريا” بياناً حول حركة المدنيين في الشمال السوري، قالت فيه إن مناطق الشمال السوري شهدت خلال الأسبوع الماضي حركة مكثفة لتحركات المدنيين الوافدين، وفق حركة مركبة من عدة مناطق، منهم الوافدون من لبنان من اللاجئين السوريين إلى الشمال السوري خلال الفترة الممتدة من تموز وحتى نهاية أيلول، وبلغ عددهم حتى الآن 1,867 لاجئاً مع توقعات بزيادة الأعداد خلال المرحلة القادمة بالتزامن مع الأحداث التي يشهدها لبنان خلال الفترة الماضية.

إضافة إلى حركة نزوح من مناطق ريف حلب وإدلب القريبة من خطوط التماس إلى مناطق آمنة نسبياً في الشمال، وذلك بعد زيادة المؤشرات باحتمالية حدوث عمليات عسكرية، وبلغ عددهم حتى الآن 4,280 نازحاً مع استمرار حركة النزوح من تلك المناطق. وكذلك الوافدون عبر الحدود من تركيا إلى الداخل السوري، وبلغ عددهم خلال شهر أيلول/ سبتمبر 11,134 لاجئاً، وتشهد المنطقة دخول يومي لمئات اللاجئين باتجاه الداخل السوري.

وأضاف البيان: “تشهد المنطقة أزمات متزايدة في العديد من القضايا أبرزها الوضع الغذائي إضافة إلى أزمة سكن خانقة، تعاني منها المنطقة نتيجة التزايد السكاني الكبير منذ بداية العام الحالي وارتفاع ملحوظ للإيجارات وخاصة خلال الشهر الفائت”.

وحثت المنظمة في بيانها، كافة المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة على التحرك الفعلي لمساعدة النازحين واللاجئين الوافدين، واتخاذ التدابير اللازمة لتأمين الدعم اللازم في ظل المخاوف من زيادة أعداد اللاجئين والنازحين في المنطقة وخاصة في ظل الأعداد الكبيرة للسكان ووصول المنطقة إلى الطاقة الاستيعابية القصوى.

كما طالبت الجهات المحلية بالعمل على منع استغلال المدنيين من خلال ضبط عمليات الإيجارات التي تشهد زيادة باهظة تفوق قدرة المدنيين المالية في ظل الأوضاع الحالية.

رئيس الائتلاف الوطني السوري هادي البحرة قال من جانبه إن المناطق المحررة استقبلت آلاف العائلات العائدة من لبنان إلى سوريا في ظل ازدياد حدة الهجمات العسكرية العدائية التي استهدفت المدنيين، والسياسات التمييزية التي تتبعها الحكومة اللبنانية والتعليمات الإدارية التي تصدرها البلديات بمنع تأمين المأوى والمعونات الإنسانية للاجئين السوريين مما أجبر آلاف العائلات منهم على الخروج من عدة مناطق لبنانية.

ودعا البحرة منظمات المجتمع المدني إلى “ضرورة توجيه ما يلزم من المساعدات الإنسانية المتاحة للعائلات العائدة لتخفيف معاناتهم، كما ندعو الأمم المتحدة والدول المانحة إلى تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثيّة الطارئة بأسرع وقت ممكن إلى المناطق المحررة التي تناقص حجم المساعدات الغذائية والإنسانية المخصصة لها خلال السنوات الماضية وما زالت حالة النقص مستمرة خلال هذا العام، كما أن نسبة إيفاء الدول بالتزاماتها التي تعهدت بها خلال مؤتمر بروكسل للمانحين ما زالت ضعيفة جداً والعام قارب على الانتهاء، بينما تزداد الاحتياجات الإنسانية باستمرار، ولا سيما في ظل هذه الظروف الاستثنائية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية