في 24 يوليو 1923 أي قبل مئة عام، تم توقيع معاهدة لوزان للسلام، وهي اتفاقية أنهت مرحلة حرب مدمرة ومستنزفة بين دول الحلفاء والدولة العثمانية، بعد أن استمرت نحو 12 عاما، وأكدت رسميا وجود الجمهورية التركية، بصفتها دولة مستقلة وحرة على المستوى الدولي. نحتفل هذا العام بالذكرى المئوية لمعاهدة لوزان، وتأسيس جمهورية تركيا، التي تم تسجيلها بصورة رسمية عبر هذه المعاهدة.
تعتبر معاهدة لوزان ضمانا لجمهورية تركيا، لكنها في الوقت نفسه لا تزال مصدرا للعديد من المشكلات الداخلية والخارجية التي تواجهها البلاد باستمرار. وعلى الرغم من مرور مئة عام على توقيعها، وفحصها في العديد من الدراسات طيلة الفترة الماضية، إلا أن تفاصيلها لم تتضح بكل جوانبها حتى اليوم. وينظر بعض المؤرخين الأتراك إلى معاهدة لوزان على أنها «نصر» للأتراك، بينما يعتبرها آخرون، وبينهم الراحل قدير مصر أوغلو، «هزيمة».
مضت مئة عام على معاهدة لوزان، ويبدو أن التساؤلات لن تنتهي حول ما إذا كانت قد انتهت أم أنها سارية حتى اليوم، وما إذا كانت انتصارا أم هزيمة؟
في كتابه «لوزان، انتصار أم هزيمة؟»، يصف المؤرخ الراحل قدير مصر أوغلو، المعاهدة بأنها تمثل «عملية نهب لإرث إمبراطوري هائل»، وأنها بمثابة انتقام من الإسلام وترك العالم الإسلامي كله من دون رأس (قيادة). أمّا كمال طاهر، الذي كان من أشهر الكتاب والأدباء في تركيا، ويعتبر من ذوي الآراء اليسارية، فيقول إن المعاهدة أدت إلى تصفية إمبراطورية بكاملها علما، أنه من المستحيل حتى تصفية إرث بقالة في حي عادي خلال 5 شهور. فبعد خمسة أشهر من المفاوضات والمناقشات في لوزان، قامت الجمهورية التركية الجديدة بالتنازل عن بعض حقوقها وقدمت تنازلات في بعض القضايا. أثناء كفاح الوفد التركي حول طاولة المفاوضات في مدينة لوزان في سويسرا من أجل تحقيق مصالح تركيا الجديدة، كان هناك وفد عربي برئاسة الأمير ميشيل لطف الله، والأمير شكيب أرسلان، يكافح من أجل سوريا وفلسطين في مدينة جنيف. وكانت هذه الوفود تجري مفاوضاتها حول الطاولة دون علم الآخرين. بينما كان الأتراك والعرب ينتصرون على الأرض رغم تقديم آلاف الشهداء، كانوا في الوقت نفسه يخسرون أمام المؤامرات الكبيرة حول الطاولة. كانت لوزان في الواقع استمرارا للمعاهدات والمؤتمرات مثل اتفاقية سايكس بيكو عام 1915، ووعد بلفور عام 1917، ومؤتمر باريس عام 1919. وعقدت بعض هذه الاجتماعات سرا وبعضها كان مفتوحا، لكن الهدف من كل هذه المعاهدات كان واضحا، وهو التصفية الكاملة للإمبراطورية العثمانية. هل كانت معاهدة لوزان تتضمن بنودا سرية؟ بينما يرفض بعض المؤرخين الأتراك فكرة المعاهدة السرية، يجادل آخرون بأنها كانت كذلك بالفعل. في 21 يوليو 2018، كتب الرئيس السابق لمؤسسة التاريخ التركية البروفيسور متين هولاغو، مقالا طويلا لصحيفة «Süperhabertv» الإلكترونية، تحت عنوان «عصمت باشا وقع على إلغاء الخلافة باتفاق سري». واستند المقال إلى تقرير/ رسالة تحليلية طويلة مؤرخة في 10 نوفمبر 1946 من إعداد كمال أوهري، وهو صديق مقرب لعصمت باشا. وأشار هولاغو بناء على ذلك التقرير إلى توقيع عصمت باشا على اتفاقية سرية قبل معاهدة لوزان تتضمن 4 بنود بشأن إلغاء الخلافة، وحظر التعليم الديني، وقطع العلاقات مع الدول الإسلامية.
في المحصلة، مضت مئة عام على معاهدة لوزان، ويبدو أن التساؤلات لن تنتهي حول ما إذا كانت قد انتهت أم أنها سارية حتى اليوم، وما إذا كانت انتصارا أم هزيمة، وعما إذا كانت تتضمن بنودا سرية بالفعل. من الواضح أن المؤرخين الأتراك سيواصلون طرح هذه التفاصيل للنقاش، في ما يتعلق بمسألة ما إذا كانت معاهدة لوزان محددة زمنيا أم لا، يمكن القول إنه لم يتم تحديد فترة محددة في المعاهدة، لكن تنفيذ بعض البنود وتقييم نتائجها تشمل فترة زمنية معينة. والعام الماضي، قال الرئيس رجب طيب أردوغان، في خطاب له: «تلك الجزر، التي إذا صرخت يمكن أن يُسمع صوتك منها، قدمناها نحن من خلال لوزان». في إشارة إلى جزر بحر إيجة التي تتبع لليونان حاليا.
كاتب تركي