من يصدق أنهم فعلوا ذلك قبل أكثر من مئة عام؟ قليلون ربما من سيكونون اليوم قادرين على استيعاب الأمر والقبول به بسهولة. وفي الشمال الافريقي بالذات قد تنظر أعداد كبيرة من الشباب، الذين ولدوا في التسعينيات مثلا، ولم يتح لهم ولو مرة في حياتهم أن يعبروا الحدود البرية بين المغرب والجزائر للخبر باستغراب، وهم الذين فتحوا عيونهم على حدود مغلقة من الجانبين، وعاشوا مراحل طويلة من عمرهم في حالة انفصام، جعلتهم يتخبطون في نوع من التمزق والحيرة بين شعارات الأخوة الرنانة، التي كانوا يسمعونها وحالات التجييش والتسخين التي رأوها باستمرار بين البلدين، وكادت في أكثر من مناسبة أن تودي بهم إلى شفا الحرب.
المغاربيون لم يكونوا أبعد عن بعضهم بعضا مما هم عليه الآن بعد أكثر من ستين عاما من جلاء الاستعمار الأجنبي عن أرضهم
أما الأجيال التي سبقتهم بمراحل معدودة فلن تختلف ردة فعلهم على الأرجح عنها كثيرا. فتلك الأجيال عاصرت جزءا من المناورات السياسية الكبرى، والحملات الكلامية بين القادة المغاربيين، واستمعت في أوائل الثمانينيات مثلا إلى المسؤولين التونسيين وهم يشيرون إلى جارتهم الجنوبية ليبيا على أنها الغول المخيف، الذي يوشك في أي لحظة على أن يبتلع بلدهم، ويرددون أن لا أمان ولا سلام لتونس بوجود العقيد القذافي، على مرمى حجر من ترابهم، ويستحضرون أيضا كيف اتفقت جارتاهما ليبيا والجزائر في وقت ما على تنظيم دخول فرقة كوماندوس تونسية دربت في ليبيا من التراب الجزائري، لغرض احتلال بلدة قفصة في الجنوب التونسي، ما جعل الثقة في الشقيقتين تبدو شبه معدومة. ومما لا شك فيه أن أجيالا أخرى سبقتهم، أو حتى تلتهم لن تكون قادرة على أن تستوعب أن مثل ذلك الحدث قد حصل فعلا، قبل أكثر من قرن كامل، ولعلها ستعتبره محض خيال صرف، وقد يوجد من بينها من سيقول إن هناك حتما خطأ ما في الوقائع، أو تزويرا أو تحريفا للتاريخ. لكن لِمَ لم يعد ممكنا أن يصدق أحد اليوم بسهولة أن هؤلاء المغاربيين المنقسمين والمنكفئين على أنفسهم والمتخاصمين في السر، وحتى المتعادين أحيانا في العلن، لم يكن همهم قبل مئة عام أن تستقل تونس فحسب، أو أن تتحرر الجزائر فقط، وأن يكسب المغرب حريته لا غير، بل كانوا يريدون وبصدق أن يحصل ذلك كله، لكن بشرط واحد وهو، أن يتحقق ضمن مغرب عربي كبير؟
لقد تغيرت على مدى مئة عام، وبلا شك أشياء كثيرة في الدول المغاربية. فقد رحل الاستعمار الفرنسي والإسباني والإيطالي، واستقلت الأقطار الأربعة، أي ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، بل انضاف إليها قطر آخر هو موريتانيا، لكن العجيب فعلا، أن المغاربيين لم يكونوا أبعد عن بعضهم بعضا مثلما هم عليه الآن بعد أكثر من ستين عاما من جلاء الاستعمار الأجنبي عن أرضهم. فهل كان هناك خطأ أو خلل ما في استقلالهم؟ إن المفارقة الكبرى هي، أن الاستعمار ومع كل مثالبه ومساوئه المعروفة، مكنهم بطريقة أو بأخرى، من أن يتحدوا على هدف واحد، ولم يفرقهم كما فرقهم استقلالهم ذلك. ولأن أجيالا عديدة فتحت أعينها على تلك الفرقة، ولم تدرك مرحلة الاستعمار المباشر للمنطقة، فقد بقي أي حديث عن الانتماء محصورا بالنسبة لها في شيء واحد لا غير، وهو ارتباطها النفسي والرسمي بأقطارها، رغم كل ما ظلت تتعلمه من شعارات وأفكار، كانت تعتقد أنها تجريدية ونظرية للغاية، وربما حتى طوباوية أكثر من اللزوم، تخص الوحدة والمصير المشترك للأقطار المغاربية كافة، لكن السؤال هنا هو، هل كان ذلك الاستقلال في النهاية نوعا من الخديعة، وشكلا من أشكال إعادة إنتاج استعمار مقنع، بل حتى فخا محكما نصبه المحتل ليقع فيه المغاربيون بسذاجة وعن حسن نية؟
إن قصة القسم السري، الذي أدته مجموعة من المناضلين المغاربيين ضد الاستعمار الفرنسي في العشرينيات، قد تكون جديرة حقا بالاعتبار. ففي مذكراته يؤكد الشيخ أبو اليقظان، وهو واحد من العلماء البارزين في تلك الفترة، أن الهيئة الأولى للحزب الحر الدستوري التونسي الذي تأسس عام 1920 لم تتكون من تونسيين فحسب، مثلما يوحي به اسم الحزب، بل ضمت على العكس من ذلك تماما ثلة من التونسيين والجزائريين «بعد أن أدوا قسما سريا على أن يكون هدفهم تحرير المغرب العربي بأسره» بل يمضي محمد صالح الجابري في مؤلفه «التواصل الثقافي بين الجزائر وتونس» أبعد، ليضيف أنه جرت في تلك الفترة مراسلات بين أولئك المؤسسين ونظرائهم من الزعماء المغاربة، للانضمام لذلك الحزب، على الرغم من صبغته التونسية. فما الذي حصل إذن ليسقط المشروع بعدها في الماء؟ وهل تنكر أولئك المناضلون لسبب من الأسباب لقسمهم؟ أم أنهم غيروا أولوياتهم، واعتبروا أن هناك طريقا آخر لتحرير أقطارهم، لا يمر بالضرورة عبر ذلك المسلك الجماعي، وأن لا جدوى من العمل المشترك؟ أم أن الأمور ببساطة تعدتهم وتجاوزتهم؟ إن ما جرى على مدى العقود اللاحقة من أحداث وتطورات، وما تشهده اليوم منطقة الشمال الافريقي من جمود وفتور في العلاقات بين الاقطار المغاربية، قد يعود جزء كبير منه على الأقل إلى ذلك المنعرج المفصلي الحاسم من تاريخها، أي منعرج القسم السري. ومن دون أن يتعلق الأمر بدرس تاريخي، فإن عوامل عدة قد تضافرت للالتفاف على القسم وإفراغه من مضمونه النبيل، وتحويله إلى مجرد شعار براق، لا أفق حقيقي له. ولكن هل يتحمل التونسيون والمغاربة وحدهم كل العبء عن ذلك، بعد أن قبلت قياداتهم في وقت من الاوقات، أن تتفاوض مع المستعمر الفرنسي على استقلال البلدين بمعزل عن البحث في استقلال الجزائر؟ سيكون من حق الجزائريين أن يقولوا إن الطرفين الآخرين أي التونسي والمغربي، لم يلتزما بالقسم حين اندفعا وراء العرض الفرنسي بالتفاوض المنفرد على استقلال بلديهما. ولكن الأمر قد لا ينحصر في إلقاء المسؤولية على طرف دون الآخر. فإن عاشت الشعوب المغاربية معظم العقود التي تلت حصولها على استقلالها تحت حكم أنظمة استبدادية، لم تسمح لها بالتعبير عن إرادتها بحرية. فما الذي منعها في السنوات العشر الأخيرة مثلا من أن تضغط على حكوماتها، لا لتحقيق مضمون ذلك القسم المنسي، بل حتى لتحقيق الحد الأدنى من التقارب والتضامن بين الأقطار المغاربية؟
إن مشكلة القسم السري المغاربي هي، أنه على قدر سمو غاياته، ظل نخبويا فقط ولم يتحول إلى التزام جماهيري عام. ومع أن الشعوب المغاربية لم تر إلى الآن ثمار الاستقلال، التي حصلت عليها قبل أكثر من ستين عاما، فإنها لم تتوصل على ما يبدو بعد لأن تدرك أن الخطأ المنهجي الذي ارتكبته قيادتها في تلك الفترة هو الذي كان السبب الأصلي في ذلك. والمؤسف حقا أن الأجيال الجديدة لا تجد نفسها الآن، وبفعل عدة عوامل متحمسة للتفكير في محاولة تصحيح ذلك الخطأ، أو في العودة إلى الالتزام بقسم متروك مضى عليه اكثر من مئة عام.
*كاتب وصحافي من تونس
المغاربة
القسم السري
الاستعمار
السبب الحقيقي الاول هو تشبث الجزائر بالحدود الاستعمارية رغم ما فيه من هضم لحقوق الجيران..و الثاني هو محاولات قلب انظمة الحكم كما فعل بومدين مع ملك المغرب بدعم من عبد الناصر او كما فعل القذافي كذلك..لقد طلبت فرنسا من المغرب ترسيم الحدود لكن محمد الخامس قال لها اخرجي انت و سنتفاهم نخن بيننا لكن الجزائر انقلبت ليس على المغرب وحده..اما مسالة التفاوض مع المستعمر فرديا فكانت لها مبررات واقعية و هي مسالة غير جوهرية بالنظر الى المعطيات الأخرى..أظنك مطلعا استاذ بولحية على الخيانات التاريخية التي ملءت القلوب بالاحقاد السياسية..ابحث في هذا الصدد عن سبب أسر حسني مبارك و هو يدعم بومدين و كيف عفا عنه الحسن الثاني كبادرة حسن نية و سلمه لبلده…
الحدود ترسم بي الدماء لا بي الخرافة 177دولة قائمة علي مبدأ الحدود الموروتة عن الإستعمار بما فيها المغرب ..ارجع الي ما وقع عليه المغرب وتونس و 14 بلدا من افريقيا وقارات اخري سنة 56 مع المستعمر الفرنسي ..ستتضح الرؤية امام عينيك..الجزائر ارت الشهداء انتزعت وطردت المستعمر وانصح من لم يهضم الحقيقة علي مرارتها سواء من الجيران في المغرب وبعض التونسين متل الاستاد المحترم بي تقديم طلب تعويضات من فرنسا لان الجزائر انتزعت الاف الهكتارات من فرنسا وليس من دول الجوار والجزائر ستدعمهم في المحاكم الدولية
اما مسألة التفاوض مع المستعمر فرديا فكانت لها مبررات واقعية……..كذلك تشبث الجزائر بالحدود الاستعمارية له مبررات واقعية…..
عودنا الكاتب العزيز، نزار بولحية، على مقالات حول منطقتنا، تذكر بوقايع تاريخية جديرة بالاهتمام والدراسة.
ذكر الكاتب أن مواطنين تونسيين تم تدريبهم على حمل السلاح في ليبيا، بعدها هاجموا مدينة قفصة انطلاقا من التراب الجزايري.
كان الهدف هو تركيع الحكومة التونسية.
ولم يذكر الكاتب وهو يسترجع الذكريات السيئة في بلداننا أن 45 ألف مواطن مغربي طردوا على حين غرة من الجزاير، في ليلة واحدة. وكان اليوم يوم عيد الأضحى المبارك. عزل الاب عن بناته لأنه مغربي، وعزلت الام عن أبنائها لنفس السبب.
كانت الوسيلة مختلفة، لكن الهدف واحد: تركيع النظام في الرباط.
هناك الكثير من الذكريات السيئة، يجب نسيانها، لكنها تستعصي على النسيان. للاسف.
اوافقك الامر فالرجل لم يدكر اعتداء بنزرت بي قصف الطيران الفرنسي ولم يدكر الغزوة الإسرائلية علي العاصمة تونس واستهداف منضمة فتح وأغتيال زعمائها ..فقط دكر اعتداء قوة عسكرية ليبية قيل انها دخلت من الجزائر و تورطت فيها اجهزة امنية جزائرية ــ ومن هنا بي رأيه لم يكن هناك شئ لا محاولة المغرب غزو بشار وتندوف سنة 63 والسبب هو اضهار عداوة و شراسة جزائرية فقط اما غزو الصحراء الغربية و حتي تأمر عبد الناصر علي تونس بورقيبة الخ لا تهمه
الالتزام بقضايا المنطقة من منطلق ديني وقومي ووحدوي جامع…كان هو الموجه لمختلف التحركات التي سجلها التاريخ كمواجهة للاستعمار….ومن هذا المنطلق خاض المغرب حرب ايسلي دفاعا عن الشعب الجزائري في القرن التاسع عشر…وضحى بمساحة كبيرة من أرضه….ونفس الشيء بالنسبة إلى الحروب الطاحنة التي واجه فيها المغاربة جيوش فرنسا واسبانيا….وقصفت اثناءها مناطق بالأسلحة الكيماوية….؛ ولكن مع الأسف فان رسم الحدود كان وفق التوجه الاستعماري….الذي أراد معاقبة الامبراطوريات التي ذاق على يدها الخضوع….في الماضي وهي التي كان مركزها تحديدا في تونس والمغرب…ونصب أتباعه كحراس لتلك الحدود في إطار خدمة نفس التوجهات والاهذاف….ولذلك لن نستغرب عندما نرى افتخار أتباع الحراس بالسيطرة على أراضي سرقها الإستعمار….علما بأن ماسمي بحركة التحرير المنفوخ فيها …لم تسيطر من خلال الحرب…ولو على شبر من الأراضي التي تشكل الكيان المضخم جغرافيا بارادة المستعمر…..وهو في الواقع عبارة عن جسم قابل للانفجار والتشظي…من طرف من صنعه…. وشكراً للكاتب المحترم.
“فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين” ( آل عمران : 61 ) ، صدق الله العظيم .
قرأت لأحد المعلقين في تعليقه على اىحدود الجزائرية وهو يقول لابد من إعادة ترسيم الحدوظ مع الجزائر وأن
فرنسا لديها الوثائق والمخططات الحدود الجزائرية من هي فرنسا هذه. التي تريد تعيد لكم مخططات الحدود بعد قرنين من الزمن ولم تعيد ما أخذته من خيرات وثروات البلاد إستفق يا حبيبي وأترك الخرفات جانبا وأنظر الى المستقبل أحسن لك