بين موعد كتابة هذه السطور وموعد قراءتها في الصحيفة، لا بد أن نمر بتقلبات سياسية، بالونات اختبار سياسية مختلفة حتى هاذية ستطلق إلى الهواء، والمحللون سيحاولون حل لغز النوايا من خلف التصريحات السياسية. ورغم أن الوضع السياسي في هذه اللحظة يبدو غامضاً، يمكن منذ الآن أن نستخلص بضعة استنتاجات لا يجدر أن نتجاهلها.
1- العرب أصحاب حق الاقتراع استنفدوا 60 في المئة فقط من قدرتهم على التأثير، وهم يؤثرون. في حملة الانتخابات هذه، بذلت جهود جبارة، سواء من القائمة المشتركة أم من محافل اليسار الإسرائيلي، لإثارة اهتمام المقترعين العرب في قدرتهم على التأثير. يؤمّل ألا يكون الارتفاع الكبير في نسب التصويت في المجتمع العربي عابراً، وأن يهتم زعماؤه بالعمل الميداني، بالتعلم وبالإقناع حتى في الأيام العادية. فالمشاركة الفاعلة في اللعبة السياسية هي حجر طريق مهم في الاندماج، وحسب كل البحوث التي أجريت في المجتمع العربي حول وقبيل الانتخابات، فإن الغالبية الساحقة من عرب إسرائيل تريد أن ترى ممثليه ينزلون من مقاعد المعارضة ويتبوأون المناصب، مثلما هم معنيون بالاندماج أكثر فأكثر في الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي. إن تأثيرهم المتعاظم في اللعبة السياسية يجب أن يكون محفزاً أيضاً لقيادة الدولة، من اليمين واليسار على حد سواء، لإشراك المجتمع العربي في الحياة المدنية هنا، في ظل مراعاة احتياجاتهم.
2- بشكل خاص، إن اليسار الإسرائيلي الغارق، الذي فهم بعد الموعد الأول بأن ليس له جدوى دون التعاون الوثيق مع المجتمع العربي، يجب أن يشمر عن أكمامه ويبلور حزباً يهودياً عربياً مشتركاً ومتساوياً. فسواء الجبهة أم ميرتس، لا يحققان هذه الرؤيا كما ينبغي. في الجبهة نائب يهودي واحد، وفي ميرتس نائب عربي واحد، والحالتان لا تحققان هذه الإمكانية بشكل متساو، وبالتالي فإنهما لا تكفيان.
3- من إحصاء 97 في المئة من الأصوات، في ساعة كتابة هذه السطور، يتضح أن كتلة الوسط – اليسار أكبر بمقعدين من كتلة اليمين. هناك أناس يحبون إخراج العرب من كتلة الوسط – اليسار، ولكن في كل ما يتعلق بالسياسة، الإحصاء صحيح معاً. أولئك الذين يدعون بأن ليبرمان يمين، ليسوا محقين تماماً في الحالة الحالية، كون زعيم “إسرائيل بيتنا” نجح في جذب غير قليل من الأصوات من مصوتي أزرق أبيض/العمل الطبيعيين في ضوء الإصرار الذي أبداه حيال نتنياهو وحيال ما يراه كثير من العلمانيين كابتزاز من الأحزاب الأصولية. هكذا بحيث يمكن أن نقسم مصوتيه من الناحية الكتلة إلى اثنين، بشكل متساو إجمالاً. وبالتالي، يمكن القول إن خريطة الكتلتين متساوية إلى هذا الحد أو ذاك. “أغلبية الشعب يمين” لم تثبت نفسها هنا، ولا حتى “أغلبية الشعب يريد نتنياهو زعيماً له”. في هذه الحالة، وفي ضوء الموقف الواضح من ليبرمان مقابل نتنياهو، يخيل أن أغلبية الشعب غير معنية برئيس الوزراء كزعيم لها لاحقاً. المؤكد هنا هو أن أغلبية الشعب غير معنية بالانقسام، قسراً، في ساحة سياسية ممزقة وغير موضوعية، بقوانين لا يقف خلفها غير محاولة الحصول على مزيد من الأصوات. كيف كان شعار حزب نوعم؟ أن نكون طبيعيين في بلادنا. أغلبية الشعب معنية بالحياة الطبيعية، بـ “عش ودع الآخرين يعيشون”، بالوسط وليس بالتطرف. هذه الرسالة يجدر أن تتسلل إلى كل الخريطة السياسية. لقد أثبت الشعب في إسرائيل في هذه الانتخابات بأنه أنضج من زعمائه.
4- الاستنتاج رقم 3 بالذات يجب أن يكون ضوءاً أحمر لأولئك الذين يفكرون بجر إسرائيل إلى انتخابات ثالثة. صحيح أننا زهقنا من الركض نحو الصندوق. وأضحت الحملات المدحوضة مثل ذبابة تدخل إلى الأذن وترفض الانصراف. ولكن إذا كان بعد ما حصل هنا، والذين انتهى، كعقبى، كدنا نخرج إلى الحرب –يحتمل أن لاعتبارات سياسية أيضاً– سنخرج مرة أخرى إلى الانتخابات، وسيواصل الاقتصاد جموده الذي يعيشه، المسؤول عن ذلك سيدفع ثمناً باهظاً في الصندوق.
بقلم: نوريت كنتي
معاريف 22/9/2019