ماذا عرض ديمستورا على المغرب؟

حجم الخط
22

حتى الآن ليس معروفا ما إذا كان ستيفان ديمستورا سيقابل فعلا «جميع الأطراف المعنية» بالنزاع الصحراوي «في الأيام المقبلة» مثلما وعد بذلك المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة. غير أن الثابت هو أن الأضواء لم تسلط كثيرا على ثاني زيارة له الى المنطقة بوصفه مبعوثا أمميا للصحراء. وكان واضحا جدا أن التذبذب والغموض اللذين طغيا على برنامج المحادثات التي أجراها المسؤول الأممي الأسبوع قبل الماضي مع المغاربة وزيارته التي اقتصرت على العاصمة المغربية دون الانتقال الى باقي عواصم الجوار الأخرى مثلما كان الحال في جولته السابقة في المنطقة مطلع العام الجاري قد طرح عدة نقاط استفهام حول الدوافع الحقيقية من وراء تلك الزيارة وما إذا كانت تحمل جديدا خصوصا فيما يتعلق بمسار استئناف المفاوضات المجمدة منذ مدة طويلة بين أطراف النزاع الصحراوي.
وكان لافتا أنه وفي الوقت الذي خرج فيه المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك ليؤكد في الأول من الشهر الجاري أن المبعوث الأممي للصحراء سيزور المغرب في اليوم الموالي، وأنه «يعتزم زيارة الصحراء الغربية أيضا» و»مقابلة جميع أصحاب المصلحة في المنطقة في الأيام المقبلة» عاد دوجاريك بعدها ليقول، قبل لقاء ديمستورا بوزير الخارجية المغربي الناصر بوريطة بيوم واحد، إن المسؤول الأممي «لن يزور الصحراء الغربية خلال هذه الرحلة، لكنه يأمل أن يفعل ذلك خلال زيارته المقبلة للمنطقة»، دون أن يقدم أي تفسير أو مبرر لذلك. وفي الأثناء لم يعرف شيء عما دار بين ديمستورا وبين المسؤولين المغاربة خلال اليومين اللذين سبقا لقاءه مع وزير الخارجية المغربي الثلاثاء قبل الماضي. بل إن صيغة البيان، الذي صدر عن الخارجية المغربية في أعقاب اللقاء بين الرجلين، أعطت الانطباع على أن التيار ربما لم يمر بالشكل المطلوب بينهما وبين الوفدين الأممي والمغربي. فقد انحصرت معظم فقرات ذلك البيان على التذكير بما وصف بـ «ثوابت موقف المغرب» كما أكدها العاهل المغربي في خطابه في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي من «أجل حل سياسي قائم بشكل حصري على المبادرة المغربية للحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة». وتجديدا لـ «تشبث المغرب بالمسلسل السياسي للموائد المستديرة طبقا للقرار 2602 الذي يدعو الى التوصل الى حل سياسي واقعي وعملي ومستدام وقائم على التوافق للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية» مثلما جاء في نصه. ولم يكن ذلك بالطبع شيئا جديدا أو غير مألوف، إذ اعتاد المغاربة على أن يذكروا المبعوث الأممي ومن ورائه الهيئة الأممية على أنهم يعتبرون المبادرة التي قدموها في 2007 للحكم الذاتي لما يدعونها أقاليمهم الصحراوية هي الحل النهائي والوحيد لمعضلة الصحراء مثلما فعلوا في لقائهم به في يناير/كانون الثاني الماضي خلال جولته الإقليمية الأولى في المنطقة.

من خلال الفتور الواضح الذي تعامل به المسؤولون المغاربة مع زيارة ديمستورا الأخيرة تأكد أنه لن تكون سهلة محاولة الالتفاف على ما باتوا يعتبرونها «ثوابت موقف المغرب» من النزاع الصحراوي

لكن الجديد الآن هو أنهم أرادوا أن يؤكدوا له أيضا أن ذلك لم يعد يمثل بالنسبة لهم مجرد مقترح قابل للنقاش بل صار يعد واحدا من «ثوابت موقف المغرب» أي من المسلمات التي لا تخضع للتفاوض. كما أن تجديدهم وبالمثل لتشبثهم بصيغة الموائد المستديرة التي بدأها سلف ديمستورا بحضور الأطراف الأربعة أي المغرب والبوليزاريو والجزائر وموريتانيا بات يدل وبوضوح على أنهم يرفضون أي صيغة أخرى بديلة عنه قد تعرض عليهم للعودة للمفاوضات بما فيها المقترح الجزائري بأن تجرى حوارات أو لقاءات ثنائية مباشرة بينهم وبين جبهة البوليزاريو. وربما استطاعت العبارات الدبلوماسية، والى حد ما، أن تخفي ما قد يبدو الآن مجرد سحابة قد تكون عابرة أو قد تؤشر الى بداية تصدع في علاقة ديمستورا بالرباط. لكن المظهر الأكثر تعبيرا عنها هو الإعلان المفاجئ عن إلغاء تحول المبعوث الأممي الى «العيون» التي يعتبرها المغرب عاصمة لأقاليمه الجنوبية، فيما تعدها البوليزاريو عاصمة لدولتها المعلنة من جانب واحد. فإذا كان المبعوث الأممي قد اصطدم بالفعل برفض مغربي بأن يقوم بجولة في تلك المدينة وأرادت السلطات المغربية وبشكل خاص «فرض شروط غير مقبولة بهدف منعه التواصل بحرية مع المجتمع المدني الصحراوي «مثلما صرح بذلك عمار بلاني مسؤول الخارجية الجزائرية الى إحدى الصحف المحلية فهل أن قرار التحول الى العيون أخذ بشكل اعتباطي ودون أي تنسيق أو اتفاق مسبق مع السلطات أم أن المغاربة أعطوا موافقتهم على الزيارة لكن الطرف الأممي حاول الالتفاف على البرنامج الذي ضبط معهم وسعى لتعديله بشكل منفرد؟
في كل الأحوال فإن الرسالة التي أبلغتها الرباط الى ديمستورا من خلال تعبير بيان خارجتيها عن ثوابت الموقف من الصحراء، كانت لا تحتمل أي لبس أو تأويل مزدوج، فحتى وإنْ بقي الملف الصحراوي مفتوحا، منذ أكثر من أربعة عقود في الأمم المتحدة، فإن ذلك لم يكن ليخول أي مبعوث أممي أن يتنقل الى أي منطقة يشاء تقع تحت السيادة المغربية من دون أن يحصل على إذن من السلطات أو موافقتها على ذلك. والسؤال الحقيقي، الذي قد يطرح هنا، هو ما الذي جعل ديمستورا يقرر أصلا أن تكون زيارته الثانية للمنطقة على النحو الذي تمت به، أي أن تقتصر فقط على المغرب؟ من البديهي أن الرجل كان يعرف جيدا موقف الرباط ومواقف باقي الأطراف المعنية بالنزاع الصحراوي، ويعلم جيدا مقدار التعقيدات والصعوبات التي تحيط بالملف، وكان أكبر إنجاز أمامه هو أن لا يتوصل الآن بالطبع الى إقناعهم بالاتفاق على حل توافقي ونهائي للمشكل الذي عجز أسلافه على مر السنوات عن حله، بل أن يجعلهم يقبلون الجلوس مجددا معا الى طاولة المفاوضات. وهذا هو بيت القصيد. فهل استطاع ديمستورا، وبعد اقل من ستة شهور فقط من جولته الاستكشافية الأولى كما وصفت في ذلك الوقت، أن يتلمس أخيرا طريقه الى نهاية النفق ويقدم مقترحات عملية قد تساعد في حلحلة الوضع وإعادة وضع قطار المفاوضات على السكة؟ إن اختياره المغرب كمحطة أولى في جولة لم يعرف برنامجها بدقة ولم يتأكد الى الآن موعد انتهائها يعني أنه عرض على المغاربة بالدرجة الأولى وقبل غيرهم مقترحا ما. لقد استطاع الاستماع جيدا اليهم في المرة الأولى في يناير/كانون الثاني الماضي ولم يكن هناك من سبب لأن يعيد الاستماع اليهم الآن من جديد وهو يعلم أنهم لم يغيروا موقفهم. لكن ما الذي يمكن أن يكون قد طرحه عليهم؟ إن الأرجح هو أن يكون قد سعى لجس نبضهم ومعرفة مدى استعدادهم للبدء ولو في مفاوضات تمهيدية ثنائية قد تجمعهم لا مع الجزائريين كما يفضلون بل مع جبهة البوليزاريو مثلما ترغب الجزائر بذلك. ومن الواضح أنه تأكد من خلال الفتور الواضح الذي تعامل به المسؤولون المغاربة مع زيارته الأخيرة أنه لن تكون سهلة محاولة الالتفاف على ما باتوا يعتبرونها «ثوابت موقف المغرب» من النزاع الصحراوي. أما هل إنه سيكرر المحاولة مرة أخرى أم سيرمي المنديل فذلك هو ما سنراه حقا في الأيام المقبلة.
كاتب وصحافي من تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول هشام الوراد:

    الرد الى صاحب التعليق عبد الله البوليساريو دي مستورا جاء للمغرب لجمع تلك دول قصد احياء التفاوض من اجل ايجاد حل سياسي تفاوضي تحت نطاق الشرعية الدولية

  2. يقول المغربي الانيق:

    لن نتفاوض على حبة رمل من ارضنا بل على كيفية إدارة الاقليم تحت سيادة ورايةالمملكة المغربية الشريفة.

  3. يقول عبد القادر UK:

    دي مستورا سيكون كما سابقيه سحابة عابرة فوق الصحراء المغربية دون ان يقدر لها ان تمطر شيئا ناهيك ان تعصف بالواقع فوق الارض الذي يصب في مصلحة المغرب. الملاحظ هو ان المغرب يسير من ضيق الى اضيق بخصوص هذا النزاع المفتعل ، و دار المخزن لن تلبت طويلا حتى تسحب مقترح الحكم الذاتي من فوق الطاولة، و الحديت انه الحل الوحيد المقبول من طرف المغرب سيتلوه خديت عن صيغة وحيدة لتطبيق الحكم الذاتي تصل الى مستوى الجهوية الموسعة و لا غير. و سينتهي الأمر بالصحراويين المحتجزين بتندوف لفقدان كل شيء حتى حق الرجوع إلى المغرب اذا لم يغتنموا الفرصة اليوم قبل الغد. اما عمار بلاني، فبامكانه استقبال المبعوت الاممي في منطقه القبائل ويضمن له حرية التواصل مع الاهالي ليتأكد بنفسه من مطالب شعب القبائل بالاستقلال و ينقلها الى المنتضم الدولي مي يتبنى قضية القبائل. ان ان التقسيم حل حلال في المغرب و حرام في الجزائر!؟

  4. يقول عروة بن الورد:

    ملف سيطوى قريبا. أريد أن أطمئنكم فقط. و السلام

  5. يقول سلطان:

    و متى نسمع بمبعوث الامم المتحدة يستقبل من طرف حكام المغرب الاقصى في ما يخص قضية المدن و الجزر المحتلة من طرف المستعمر الاسباني

  6. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    شيى مؤكذ هو أن زيارة ديميستورا توثق لرفض
    نظام الجزائر لكلام مجلس الأمن بالمشاركة
    في حوار طاولة مستديرة .. ثم .. أنه لا توجد
    منطقة متنازع عليها … كي يزورها … بما أن
    الطرف المعني لا يريد حديثا مباشرا … و نظام
    الجزائر اعني طبعا ..
    .
    و هكذا … نحن بصدد معايشة ولادة نسق
    جديد .. و هو .. وجود مبعوث دولي لنزاع ..
    هذا المبعوث يزور دولة واحدة … و سيتكرر
    الأمر … و يتكرر … و المغرب هو من سيتحدث
    و الطرف الآخر لا يقول اي شيى … و بالتالي ..
    يوجد مبعوث لنزاع في طرف واحد هو المغرب ..
    .
    و مات حلم الوصول إلى الأطلسي تقنيا …
    و بالبروتين الممل .. العبثي .. فقط.

  7. يقول Rachid:

    المغرب لم يقم بأي عمل مسلح من اجل تحرير الصحراء الغربية من الاحتلال الاسباني رغم كونه دولة مستقلة منذ سنة 1956؟؟؟ بل انتظر بدل ذلك قيام جبهة البوليساريو في 10 مايو 1973 باعلان الكفاح المسلح من اجل تحرير الصحراء الغربية من الاحتلال الاسباني، قبل ان يقوم رفقة موريتانيا سنة 1975 بالاستيلاء على انجازات الصحراويين وذلك باتفاقهما الخياني مع اسبانيا على تقاسم النفوذ على الصحراء الغربية وتهميش الصحراويين اصحاب الارض .
    اذا كانت الصحراء الغربية أرضا مغربية بالفعل كما يدعي المخزن، وبأنه من المستحيل ان يفرط في اي شير من ترابه، فلماذا قام سنة 1975 قام بتقاسم اراضيه مع موريتانيا ومنحها واد الذهب كما هو موضح في الصورة المرفقة. هل توجد دولة فالعالم ترضى بأن تقتسم اراضيها مع دولة اخرى
    عندما قامت قوات البوليساريو باعلان الحرب على موريتانيا سنة 1976 من اجل تحرير ارضها، واذعنت موريتانيا لذلك رسميا يوم 5 اغسطس 1979 بارجاعها الارض لاصحابها الصحراويين واعترافها بقيام الجمهورية الصحراوية

  8. يقول عبد الرحيم المغربي .:

    لمن قال بأن المغرب لم يقم بأي عمل مسلح ضد إسبانيا في الصحراء المغربية…يمكنه كتابة ثورة ماء العينين…وسيجد عشرات العناوين عن ثورة الشيخ الهيبة ماء العينين…انطلاقا من أكادير وتيزنيت…وشملت كل الساقية الحمراء بالرجال الاشاوس من سوس وباعمران….والشيخ ماء العينين كان يحمل لقب نائب السلطان…..؛ ويمكنه أيضا أن يكتب على النت… guerra de sidi ifni…وستظهر على اليوتوب عشرات الأشرطة الوثائقية بالإسبانية والفرنسية والانجليزية…وبرامج حوارية مع قدامى المحاربين…عن هجوم جيش التحرير المغربي على سيدي إيفني والساقية الحمراء…..وكيف تمت إبادة صفوة قوة المظليين الإسبان…. والكل موثق بالصوت والصورة….ولا محل فيه للانشاء….

  9. يقول عزيز:

    ديميشتورا فشل في كل المهام التي أعطيت له شالفا

    فلا تنتظروا ان ينجح في ما فشل فيه بيكر و روس و غيرهم.

    الحل في المرادية
    اما بالفبول بتسوية النزاع اما بالانتظار حتى يتغير النظام العسكري في الجزائر.

    اما المغرب فليس في استعجال لانه ممسك بما يقول انه له

  10. يقول نبيل المغربي:

    لن نتفاوض على حبة رمل من ارضنا بل على كيفية إدارة الاقليم تحت سيادة ورايةالمملكة المغربية الشريفة

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية