ظهر على البعض من شاشات التلفزيون العربية قبل أيام خبرٌ لجرافة إسرائيلية تقوم بتجريف جثة فلسطيني على حدود قطاع غزة بعد أن تم قتله. المشهد كان مقززاً للغاية وبشكل يثير الاشمئزاز والحزن، لما آل إليه ظلم البشر للبشر، خاصة مع التقاط صورة واضحة للجثمان، وهو معلق من الملابس بشوكة الجرافة، وقد لفظ صاحبه أنفاسه الأخيرة. الصورة على بشاعتها ألهبت مشاعر من رآها، فشبهها بصورة السيد المسيح مصلوباً على تلك الجرافة، وهو ينزف دماً فرسمها وعممها على صفحات الإعلام الاجتماعي ومجموعات النقاش العربية.
خبر آخر احتل مساحةً محدودةً من مساحات الأخبار العربية، تمحور حول زيارة فريق أمريكي لدولة الاحتلال، بغرض تحديد المناطق التي ستقتطع من لحم الفلسطينيين من جديد لتعطى هدية لدولة الاحتلال، تنفيذاً لوعد ترامب المأزوم، بعدما مزق وعد بلفور المشؤوم خريطة الوطن وأشبعها حرباً ودماراً. الوفد جاء… والوفد غادر.. بينما الخبر بمجمله لم يحظ باهتمام العالم وربما حتى باهتمام العالم العربي، فمرَّ مرور الكرام.
العروبة وكراماتها باتت مستباحة، لا قيمة لأحلامها وأحلام أبنائها! أمة منهارة، خائرة القوى، مكسورة الجناح
مشهدان مآساويان ربما سيكونان جديدين بالنسبة لمن يقرأ هذا المقال، لأنهما بالفعل لم يحظيا بالتغطية الإعلامية المطلوب، خاصة في وسائل الإعلام الغربي. لننسحب الآن من المشهدين المؤلمين اللذين غفلتهما وسائل الإعلام، ونقلب الصورة أو كما يقال بالعربية الدارجة «نعكس الآية»، ونتخيل أن الجرافة المذكورة كانت فلسطينية والضحية إسرائيلية.. لنتخيل أن لجنة التمزيق الأمريكية المذكورة كانت عربية، وذهبت إلى أمريكا واطلعت على خرائط جغرافية، وقامت بتحديد مساحات من أراض أمريكية، وفكّرت في نقلها لدولة أخرى أو طرف ثالث… في كلتا الحالتين، السؤال المهم والبديهي مع انقلاب الآية هو: ماذا لو؟ ماذا سيكون حال الإعلام لو أن انقلاب الحقيقة كان واقعاً؟ وموقف الدول والأمم ومؤسسات حقوق الإنسان والجمعيات الخيرية وناشطي العالم وغيرهم الكثير؟
العروبة وكراماتها باتت مستباحة، لا قيمة لأحلامها وأحلام أبنائها! أمة منهارة، خائرة القوى، مكسورة الجناح، ذليلة، مشرذمة، ممزقة قتلت وقُتلت وتقتلت باسم الحرية والديمقراطية والتطرف، حتى ذهبت ريحها واندثرت أحلامها. أمة سقطت مفاعيل الإنسانية العالمية معها.. وغارت في حلوق البشر غصة الاهتمام بمجرد الحسرة عليها.. مسموح لإسرائيل ما هو محظورٌ على الآخرين، ومسموح لترامب ما هو ممنوع على الآخرين. يداس الناس ويسحلون وتمزق أجسادهم… ولا قيمة لكل ذلك. تتفتت الجغرافيا وتوزع الغنائم بينما يطبل البعض لاتفاقيات مزعومة مع دولة الاحتلال. لسنا حتماً مع الدماء والقتل والتنكيل والتمزيق للبشر أو للجغرافيا، لكننا حتماً مع أن نذكر أبناء جلدتنا بما قاله المتنبي ذات يوم: من يهن يسهل الهوان عليه!
كاتب فلسطيني