قد يبدو عنوان هذه المقالة غريباً أو غير معقول من وجهة نظر الكثيرين لأنه لا يبدو في ظاهره متسقاً مع وضعية التشنج الناتجة عن حالة الإستقطاب الحاد على الساحة المصرية بين القوى المطالبة بعودة الرئيس كونه الرئيس الذي اكتسب شرعيته من صناديق الإقتراع، وبين النظام الحالي الذي يدعي أنه اكتسب شرعيته بتفويض الشارع الذي عبر عنه الشعب في مظاهرتين كبيرتين أو مبهرتين حسب توصيف قيادة الجيش.
ولكننا نرى أن هناك نقطة التقاء تجمع الطرفين رغم التناقض الكبير في كثير من النقاط التي تمترس خلفها كل فريق.
فإذا كانت قيادة القوات المسلحة تصر على أنها تقف على مسافة واحدة من كل أطياف الشعب المصري وتعيد تكرارها لنفس المقولة فإنها والحالة هذه لن تكون محرجة من التواصل مع كلا الفريقين، سيما وأن الفريق عبد الفتاح السيسي قد أعاد القول في حديثه لصحيفة ‘الواشنطن بوست’ أنه لا يطمع في السلطة، وقد قال هذا مراراً عندما أكد أن تدخل الجيش لم يكن إلا لحماية الشعب المصري من فتنة كانت على وشك الوقوع، وأنها كانت ستؤدي إلى إراقة الدماء ودخول مصر في حالة من الفوضى التي تهدد الأمن القومي المصري.
لن نتهم قيادة الجيش أنها لم تر ما يقلقها من تسارع وتيرة التجييش الشعبي الذي نجحت قيادات المعارضة والموالاة إن صح التعبير في دفعه إلى الشارع من أجل إقامة الحجة على صحة دعواها وبقصد إقناع الداخل والخارج أنها هي التي تستحق تمثيل الشعب دون سواها، ولكننا نأخذ على قيادة الجيش ولوجها في معسكر واحد وتبنيها لوجهة نظره وإهمالها لوجهة النظر التي صدحت بها حناجر الشعب في المعسكر الآخر.
في الجهة الأخرى نلاحظ وجود نقطة إيجابية تتمثل في إصرار القيادات المتواجده في ميدان رابعة العدوية على أنها تعتز بالجيش وتفتخر به وتراه ذخراً لكل الشعب المصري، مع أنها لم تتمالك أعصابها أثناء المواجهات الدامية عندما خرجت من معسكرها صيحات وجهت للفريق السيسي جملة من الإنتقادات اللاذعة وهي لا تخرج عن المألوف عندما تساقطت أعداد كبيرة من المواطنين بنيران قوات الأمن وما يعرف بالبلطجية الذين أظهرتهم الكاميرات وهم يتداخلون مع قوات الأمن في حالة من التآلف والإنسجام.
مع كل ما ذكرناه من تشنجات ومواجهات، إلا أننا على يقين بأن الحل (المصري المصري) سيقطع الطريق على القوى الإقليمية والدولية التي تتدافع اليوم بقوة على الساحة المصرية بما في ذلك الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وهما يمثلان القوى الإستعمارية التي تلطخت أيديها بدماء الشعب المصري خلال الحقبة الإستعمارية، وحتى في يومنا هذا، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.
قيام الفريق السيسي بمبادرة لا نشك في أنه يستطيع أن يحشد لها من القيادات الوطنية (الوسطية) التي يحترمها الشعب من كلا الفريقين، قادرة على إذابة الجليد المتراكم، وتستطيع أن تمهد الطريق أمام إعادة تأهيل مصر لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تدعى لمراقبتها لجان دولية محايدة، للتأكد من نزاهتها سواء كان ذلك من أجل انتخاب مجلسي النواب والشورى ومن ثم انتخاب الرئيس الجديد وتعديل الدستور أو تحديد الأولويات وفق ما يتم الإتفاق عليه بين كافة الأطراف الفاعلة على الساحة المصرية.
من الممكن مثلاً أن يصار إلى إعادة الرئيس مرسي كرئيس فخري بقصد رد الإعتبار
ويصار إلى تشكيل مجلس رئاسة إنتقالي يدير شؤون الدولة إلى حين إنجاز الإستحقاقات القانونية والدستورية المتمثلة بالإنتخابت التي سيتمخض عنها إعادة تشكيل مجلس الشعب والرئيس والحكومة التي ستولد من الأغلبية في مجلس النواب.
إن قدرة الفريق السيسي على إظهار الحزم المتوازن بين الفريقين سيؤدي إلى إعادة رسم صورته أمام الشعب المصري والعالم كقائدٍ فذ، تمكن بحكمته وصلابته من إنقاذ مصر من كارثة محققة، وهذا سيجعله يدخل التاريخ من أوسع أبوبه، بل لا نبالغ إذا قلنا أنه سيدخله التاريخ من باب أرحب بكثير من باب منصب الرئاسة الذي سيحرق الكثير من القادة قبل أن تبدأ مصر بالتعافي من كبوة… أو سقطة المئة عام السحيقة التي تعيش فيها اليوم.
خروج السيسي للتأكيد على أن الشعب المصري شعب واحد لا يقبل القسمة، وقيامه بتعزية الأهالي الذين سقطوا في المواجهات المحزنة وتأكيده على أن شعب مصر قد اختار طريق الديمقراطية وأن هذه الديمقراطية لا رجعة عنها بعد اليوم، وأن ميدان التحرير وميدان رابعة العدوية توأمان، وأنه يعتذر نيابة عن الجيش المصري لأهل هذا الجيش الذين هم الشعب المصري عن أي خطأ تم ارتكابه لأن قيادة الجيش من البشر وكل البشر خطاؤون، كفيل بفتح القلوب وتهيئتها للإنتقال من حالة الحقد والكراهية إلى حالة القبول والإرتياح، وربما فتح صفحة الحب من جديد.
توجه السيسي لكلا الفريقين بشحذ الهمم من أجل الشروع بالإعداد للمنافسة الشريفة الخلاقة المتمثلة بالإعداد للإنتخابات القادمة من أجل قطع الطريق على كل القوى الخارجية وصون مصر من الوقوع في شرك التدخلات الخارجية التي ستفقدها هيبتها كأكبر دولة عربية عريقة عاجزة عن إدارة العملية السياسية بطريقة ديمقراطية حضارية وبالتالي إيصال شعوب العالم العربي برمته إلى حالة من اليأس والبؤس بعد أن كانت قد تحمست لهذا الربيع الذي ظنت أنه سيخرجها من ظلمات جور الحكام إلى أنوار عدالة حكم الشعوب لنفسها من خلال تفويضها من تراهم أكثر كفاءة ونزاهة ومهنية وشفافية.
لا نظن أن الاخوان المسلمين والتيارات الإسلامية وبقية القوى المتعاطفة أو المتحالفة معها ستنأى بجانبها عن هكذا مبادرة،رغم أنها تحتاج إلى ضمانات غير قابلة للنقض من أجل العودة إلى المشاركة في العملية السياسية التي طالما فازت بها وتم إجهاظ فوزها بطرق متعددة.
زياد علان العينبوسي- نيويورك
[email protected]
للمعلومة فقط تمت الزيارة بالفعل على قناة السيسي الرسمية (المصرية) التي ظهر فيها ميدان التحرير بالملايين من مناصري السيسي الذين يعتصمون منذ 30 يونيولحد الآن بإستمرار بدون إنقطاع بينما ميدان رابعة العدوية فاضي و لا أحد يعتصم هناك و هذا ما أفاد به الإعلام المصري النزيه