موشيه (بوغي) يعلون، وزير الدفاع ورئيس الأركان السابق، قال في مقابلة مع يوسي اهريش في “السبت الثقافي” في تلفزيون “ديمقراط وميناء يافا”: “هم يجروننا إلى تطهير عرقي في القطاع”. وحسب قوله، فإنهم “يجروننا إلى الاحتلال والضم والتطهير العرقي. انظروا إلى شمال القطاع، ترانسفير، أطلقوا على ذلك ما تريدون. الاستيطان وإقامة مستوطنات يهودية هو الموضوع… لا يوجد الآن شيء اسمه بيت لاهيا أو بيت حانون، ويعملون الآن في جباليا. في الحقيقة هم يطهرون المنطقة من العرب”.
يعلون لا يقول شيئاً جديداً لمن يتابع التقارير الواردة من قطاع غزة. العمليات العسكرية الكثيفة في الأشهر الأخيرة، مثلما نقلتها “هآرتس”، تشرح عملية التطهير الممنهجة التي جرت بمساعدة القتل والتجويع وطرد السكان المدنيين الذين تبقوا في شمال القطاع.
لو كان يعلون عضواً عربياً سابقاً في الكنيست أو مطربة أو ممثلة عربية، لسمعنا إدانة لأقواله من كل الطيف السياسي، اليسار واليمين. وربما كتبت الشبكات الاجتماعية “كيف يتجرأون على قول إن ما يحدث في غزة تطهير عرقي؟”. وربما نفوا هذه الأقوال. “هذه هراءات وكلام فارغ. هؤلاء الوقحون يجب أن يقولوا شكراً لأنهم يعيشون في إسرائيل”، هكذا كان سيغرد العنصري المناوب.
لكن يعلون ليس عربياً أو يسارياً، ولا يمثل أي تنظيم يساري. هو جزء لا يتجزأ من التيار العام في إسرائيل الذي يتحرك نحو اليمين يومياً. وقد خدم في منصب رفيع في المشروع العسكري. هو يقول ذلك لأنه يرى ويعرف الوجهة التي تقودها حكومة الدمار لدولة إسرائيل، برعاية ماكينة سم غنية وملاحقة سياسية لكل مواطن يتجرأ على رفع صوته وقول شي مخالف. لو قال منصور عباس “إنهم يقومون بتطهير المنطقة من العرب، وأن هذا ترانسفير وتطهير عرقي”، لوجدنا إسرائيليين تصمه بـ”مؤيد للإرهاب”.
ليعلون أكثر من امتياز لقول الحقيقة حول ما يحدث في القطاع، وأخيراً استخدم هذا الامتياز. بعد العاصفة التي أثارها يعلون بسبب تعبير “التطهير العرقي” بقوله في مقابلة مع آريه غولان في “هنا شبكة ب”، في هيئة البث: “أنا أتمسك بهذا التعبير. أنا أتحدث باسم قادة يعملون في شمال القطاع، الذين توجهوا لي وهم يخافون مما يحدث هناك. يعرضون حياتهم للخطر ويضعونهم في معضلة أخلاقية، وفي نهاية المطاف سيكون هؤلاء مكشوفين أمام دعاوى في المحكمة الدولية في لاهاي. لم أفعل سوى أني وضعت المرآة. سموتريتش يتفاخر بأن أمامنا فرصة للتخلص من نصف مليون شخص من السكان. ماذا يسمى ذلك؟”. وقال أيضاً “يجب عليّ التحذير مما يحدث هنا وما يخفونه عنا. في نهاية المطاف، هم يرتكبون جرائم حرب”.
بالتأكيد، سيقف المعارض الأبدي ويقول “حماس هي التي بدأت” أو “ليقوموا بإعادة المخطوفين” أو “فقدنا التعاطف مع الغزيين”. لا تنقص حجج للاستماع إلى يعلون أو معارضته. في الحقيقة، حماس بدأت هجوماً فظيعاً ووحشياً في غلاف غزة، ولكن بعد 400 يوم وأكثر التي يتفاقم فيها الوضع الإنساني في القطاع ويعاني فيه السكان المدنيون ويموت المخطوفون في الأسر، بعد كل ذلك فقد حان الوقت للاستماع إلى الإسرائيلي الأخير المستعد لقول الحقيقة علناً.
رغم تمسك يعلون برؤية عسكرية، وينبع معظم قلقه من المحاكمة الدولية وليس معاناة سكان غزة اليومية، فإنه ينجح في وضع مرآة وإثارة نقاش عام. لو تجرأ عشرة أشخاص مثل يعلون، تحلوا بالشجاعة لقول أمور لا تتجرأ وسائل الإعلام الإسرائيلية الجبانة على قولها للجمهور المشاهدين، لاختلف الوضع، وربما كنا وقعنا على الصفقة.
بعد مرور خمسين سنة، سيحقق المؤرخون في هذه الجرائم، وسيحاولون العثور وفهم ما حدث وسيذكرون أقوال يعلون. بالتأكيد، سيقتبسونه وسيقولون بأنه حذر ورأى. الغفوة الأخلاقية التي يعيش فيها الإسرائيليون غير معقولة، ونجح يعلون من خلالها في إسماع صوت عقلاني بين آلاف أصوات الانتقام التي تنفي حدوث تطهير عرقي في غزة. يجب الاستماع إليه.
شيرين فلاح- صعب
هآرتس 2/12/2024