تراجع الاهتمام بخريطة الطريق وكل جهود السلام في اليمن، بل إن الصراع الإقليمي وتأثيره على اليمن بات يحتاج إلى قراءة مختلفة مع عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض.
صنعاء ـ «القدس العربي»: تمضي أحوال القرار في كل من صنعاء وعدن بعيدًا عن أي حديث عن خريطة الطريق للسلام في اليمن، التي أعلنت الأمم المتحدة عن توافق الطرفين عليها في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وكأن السلام لم يعد مدرجًا في جداول الجانبين؛ وهو نتاج طبيعي لتراجع الاهتمام به إقليميًا ودوليًا مع استعار الصراع في المنطقة؛ ليصعد سؤال مفاده: ماذا لو لم يصل اليمن إلى التوقيع على خريطة الطريق؟
من نافل القول إن طرفي النزاع لم يعدا مهتمين، بل ربما من الأصح القول إنهما لم يوليا منذ البداية التوقيع على خريطة الطريق الاهتمام الكافي؛ فطرف الحكومة المعترف بها دوليًا ملزم بما توافقت عليه الرياض في مشاوراتها مع «أنصار الله» العام الماضي، حيث وصلت الرياض إلى قناعة بضرورة إخماد بؤرة التوتر في اليمن، وإغلاق ملف الحرب هناك؛ وبناء عليه جاءت مشاورات الرياض مع الحوثيين في أكثر من جولة لتحقق توافقًا إيجابيًا على بعض الخلافات وأهمها، وبناء عليها تم التوافق على مسودة الخريطة، وهو التوافق الذي جاء متزامنًا، مع رغبة إقليمية ودولية بطي صفحة الحرب هناك.
من جانب «أنصار الله» وعلى الرغم من موافقتهم وتوافقهم مع السعوديين على مسودة الخريطة، وإعلانهم غير مرة استعدادهم للتوقيع عليها، لكنهم يشترطون توقيع الرياض عليها، كما صدر عن وزير الخارجية في حكومة صنعاء مؤخرًا، جمال عامر، لكنهم في ذات الوقت لا يبدون اهتمامًا بالخريطة؛ مطالبين الرياض بالتوقيع عليها. والمطالبة بتوقيع الرياض عليها يضع حجرًا أمام المضي في مسار التوقيع؛ لأن الرياض تعنبر نفسها في موقع الوسيط، بينما يؤكد الحوثيون أنها طرف باعتبارها قادت التحالف في حرب لثماني سنوات، علاوة على أنهم، كما يقولون، لا يعترفون بالحكومة المعترف بها دوليًا كطرف.
وفي هذا الخضم، جاءت حملة الحوثيين الإسنادية لغزة منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023 من خلال الهجمات البحرية واستهداف مواقع إسرائيلية في الأراضي المحتلة، لتدفع واشنطن إلى تبني موقف متشدد بخصوص السلام في سياق ربطها بين الهجمات البحرية والسلام هناك؛ بل إن التداعيات الإقليمية للحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان فرضت قراءات عديدة، بما فيها ما يتعلق بالصراع في اليمن، إذ بات هذا الصراع أكثر تعقيدًا وارتهانًا مما كان عليه؛ ومن تداعياته تراجع الاهتمام بخريطة الطريق وكل جهود السلام، بل إن الصراع الإقليمي وتأثيره على الصراع اليمني ربما بات يحتاج إلى قراءة مختلفة أيضًا مع عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض لاسيما مع علاقته المختلفة بنتنياهو وإسرائيل.
يقول نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، المفكر عبدالباري طاهر، لـ «القدس العربي» إن «المنطقة كلها تعيش حالة حرب حقيقية، والأخطر أن رجل السلام القادم خلال أسابيع للبيت الأبيض هو الأكثر جنوحاً للحرب. فترامب: الخوف والغضب والخطر والحرب كما تصوره كتابات بوب وودورلد لا يحكم إلا هذه المعاني الخطيرة. وما يجري في اليمن وباب المندب والبحر الأحمر، ومع الرباعية الدولية، وبالأخص بريطانيا وأمريكا مرتبط بالحرب في غزة وعلى لبنان».
وأضاف: «نتنياهو يريد تحويل الضاحية الجنوبية والجنوب اللبناني إلى غزة أخرى، وتقديم ذلك أضحية لسيد البيت الأبيض القديم والجديد. ويطمح أكثر في ضرب المفاعل النووي الإيراني، وتركيع إيران».
ويوضح طاهر: «والتوقيع على خريطة الطريق في اليمن ليس بمعزل عن صراع الإقليم وتوجهات رمزي الحرب ترامب ونتنياهو. والأطراف في التحالف العربي عرضة لضغوط القادم ترامب. والأطراف اليمنية المتصارعة والمرتهنة للصراع غير مدركة للمخاطر المحدقة بالأمة العربية وأقطارها. الضغوط والمساومة تجري في المنطقة كلها تحت سعير الحرب «.
ويرى عبدالباري طاهر أن «ما يدور في اليمن والتشاورات والمساومات لا تجري بمعزل عما يجري في غزة ولبنان، وأبعد من ذلك إيران، وربما الاحتمال الأخطر هو انتظار مجيء ترامب؛ فهل يستطيع اليمنيون التمرد على الضغوط وبناء سلام في المنطقة يجنب المنطقة والأمة العربية الدمار؟ فالثابت الوحيد لدى الأمريكان النفط وإسرائيل. والسيد الوحيد الآن نتنياهو».
مما سبق فإن اليمن أمام خيارين لا ثالث لهما، إما سلام حقيقي أو حرب منسية، والأخيرة في حال استؤنفت ستدخل معها البلاد في صراع دام لسنوات طويلة، ولن تخرج منه إلا بعد أن تكون قد دفعت ثمنًا باهظا من النزيف والخراب والتمزق.