عاموس هرئيل
العقيد إحسان دقسة، قائد لواء المدرعات 401 الذي قتل أمس في قطاع غزة، هو اللواء الرابع الذي فقده الجيش الإسرائيلي في الحرب. فقد سبقه قادة من لواء “الناحل” والوحدة متعددة الأبعاد ولواء الجنوب في القطاع، الذين قتلوا جميعهم في 7 تشرين الأول من العام الماضي في الساعات الأولى بعد هجوم حماس الإرهابي في بلدات الغلاف. الظروف مختلفة في هذه المرة، وتعكس التغيرات التي جرت على طبيعة الحرب المستمرة منذ ذلك الحين.
قادة الألوية الثلاثة قتلوا أثناء معارك دفاع يائسة في القطاع أمام قوات متفوقة لحماس اقتحمت المستوطنات. يجري القتال الآن في عمق المنطقة، في عملية ثالثة للجيش الإسرائيلي داخل مخيم جباليا شمالي القطاع. القوة التي كانت بقيادة دقسة وصلت في دبابتين إلى المخيم. نزل منها القادة إلى نقطة للمراقبة. قتل قائد اللواء وأصيب قائد كتيبة اللواء إصابة بليغة عندما صعدت القوة فوق عبوة ناسفة وضعت في المكان.
ما زالت حماس تشغل آلاف المسلحين في المخيم، أصيبوا الكثير منهم، ولكن استمرار القتال في المخيم يدل على درجة مبالغة ادعاءات إسرائيل حول استكمال النصر على حماس. في المناطق التي خرج منها الجيش الإسرائيلي، وفي ظل غياب أي بديل سياسي لحماس وإزاء تصميم حكومة إسرائيل، ها هي حماس تعود وتسيطر في المنطقة.
تحليل دقيق
تسريب الوثائق من البنتاغون عشية هجوم إسرائيل المخطط له على إيران، يدل على أمور غير قليلة حول الوضع الحالي للعلاقات بين واشنطن و”القدس” [تل أبيب]. يصعب التصديق بأن التسريب كان نتيجة قرار مؤسساتي، وإلا لوصلت المادة إلى “نيويورك تايمز” وليس إلى قناة “تلغرام” التابعة لقراصنة مؤيدين لإيران، ولما تضمنت صوراً لوثائق سرية. ولكن مجرد نشرها في هذا الوقت الحساس، يدل على عدم رضا أمريكا على خطوات إسرائيل. شخص في سلسلة من يعملون في هذا الأمر (يمكن أن يكون ضابطاً صغيراً في المخابرات يتماهى مع الفلسطينيين مثلاً) غضب إلى درجة المخاطرة ونشر المعلومات السرية. بيان البنتاغون حول التحقيق في التسريب يشير في الحقيقة إلى أن الإدارة الأمريكية تعتبر هذه الأمور خطيرة، لكنها في الوقت نفسه تؤكد أن معلومات الوثائق أصيلة وموثوقة.
صديقتنا الكبيرة تراقبنا منذ عدة عقود، ويجب أن نكون ساذجين لنصدق بعدم وجود جمع مشابه للمعلومات في الاتجاه المعاكس. الوثائق التي كشف عنها مؤخراً تدل على ما يشغل الأمريكيين، وكيف يحصلون على المعلومات ويستخلصون منها الدروس. تظهر المنشورات أن الولايات المتحدة تجري عملية متابعة وثيقة لاستعدادات سلاح الجو وجهاز الاستخبارات حول الهجوم الذي تهدد قيادة إسرائيل بإخراجه إلى حيز التنفيذ منذ هجوم الصواريخ البالستية الإيرانية في 1 تشرين الأول الحالي.
وجاء بالتفصيل في الوثائق حول نقل سلاح وطائرات بين قواعد سلاح الجو إلى جانب مناورات أجراها سلاح الجو استعداداً للهجوم. محللون في المخابرات الأمريكية، وبدرجة لا تقل عن نظرائهم الإسرائيليين، يستندون إلى تحليل دقيق لتفاصيل من مجمل مواقع وتنوع كبير من مصادر الجمع لاستخلاص الاستنتاجات. يجب الافتراض بأن إيران وحزب الله يجريان بدرجة مقلصة أكثر، عملية تحليل وجمع معلومات مشابه.
نشرت الـ “سي.ان.ان” بأن البنتاغون يخشى من تسريب معلومات سرية أخرى عن استعدادات إسرائيل في القريب. ويسمع في الخلفية إعلان الرئيس الأمريكي الذي -بحسبه- يعرف كيف ومتى ستعمل إسرائيل. تحاول الإدارة الأمريكية بقدر استطاعتها تنسيق خطواتها مع إسرائيل واستيعاب حجم قوة المواجهة لئلا تشتد وتصل إلى تصادم متواصل ومباشر بين إسرائيل وإيران، قبل أسبوعين على الانتخابات الرئاسية. يبدو من الوثائق المسربة أن الأمريكيين يقدرون أن رد إسرائيل سيكون كبيراً وسيشمل عدداً غير قليل من المواقع (حسب منشورات أجنبية في نيسان تمت مهاجمة هدف واحد، وهو رادار لبطاريات اس 300 المضادة للطائرات). ومن المرجح أن تشمل أهدافاً عسكرية. ناقشت وسائل الإعلام الأجنبية أيضاً إمكانية اختيار إسرائيل المس بمواقع تتعلق بصناعة النفط في إيران وحتى المشروع النووي.
تفجير المسيرة التي أطلقها حزب الله نحو بيت رئيس الحكومة الخاص في قيسارية يطرح إمكانية أخرى، وهي أن إسرائيل التي تتهم إيران أكثر من حزب الله بمحاولة الاغتيال (الوفد الإيراني في الأمم المتحدة نفى ذلك) ستحاول المس في الرد برموز السلطة في إيران. لا سبب للاستخفاف بالخطر الكامن في خطوة لبنان، رغم أن نتنياهو لم يكن موجوداً في قيسارية أثناء الإصابة. صحيح أن معظم المعلومات متوفرة في الإنترنت، ولكن من شغلوا المسيرة حسب الصور التي نشرتها وسائل الإعلام الخليجية، نجحوا في تفجيرها صوب نافذة معينة في البيت، بعد طيران طويل تملصت فيه من منظومات الدفاع الإسرائيلية. في السابق، كان من معروفاً أن نتنياهو يكثر من التواجد في منزله في قيسارية في نهاية الأسبوع.
نتنياهو بقي حتى الآن نفس نتنياهو: فالحادثة الحقيقية تتحول إلى احتفال بالحيونة، والتركيز على الذات والانغلاق. المتحدثة بلسان حزب الليكود، وبتوجيه منه، وبخت رؤساء المعارضة الذين لم يدينوا -حسب رأيهم- مهاجمته بالسرعة المطلوبة. هو نفسه يتحدث باستمرار عن تعرض حياته وحياة زوجته للخطر. في حين أن العاملين في المنزل الذين يدفع المواطنون رواتبهم، ينشغلون بجمع التعويضات من الدولة، التي لم تكلف نفسها عناء إظهار أي اهتمام ونجاعة كهذه بالأضرار الاقتصادية التي يتكبدها مئات آلاف الإسرائيليين منذ بداية الحرب. يطلب نتنياهو تعاطفاً لا نهائي لنفسه، في الوقت الذي لم يجر زيارته الموعودة إلى كيبوتس “نير عوز”، وهم الذين تم التخلي عنهم، بل واختطفوا وذبحوا. ليس غريباً أن يأتي رد المواطنين بشعور بالغثيان بعد يوم على محاولة الاغتيال.
قدر محتم
بيانات الشعور بالصدمة لوزراء وأعضاء كنيست من الليكود ظهرت على خلفية الصمت المطلق أمام ما اعتبر سابقاً أمراً عادياً وقدراً محتماً –موت ثلاثة جنود ومواطن إسرائيلي السبت، إضافة إلى دقسة: جنديا الخدمة الإلزامية اللذان قتلا بإصابة دبابة بصاروخ مضاد للدروع في غزة، وجندي الاحتياط الذي مات متأثراً بجروحه في معركة في لبنان، والمواطن الذي قتل بإصابة صاروخ في الجليل الغربي.
أمس، استمر إطلاق كثيف لمئات الصواريخ وإطلاق عدد كبير من المسيرات التي استدعت إطلاق صفارات الإنذار بشكل دائم في ثلث الدولة الشمالي.
الحياة في هذه المناطق مشوشة تماماً، ولا تلوح في الأفق أي احتمالية لوقف إطلاق النار. وتيرة الصواريخ في الحقيقة لا تشبه التوقعات المسبقة، المحزنة، للجيش الإسرائيلي قبل الحرب، ولكنها تزداد بالتدريج. الحياة من خط العفولة – عتليت وشمالاً مشوشة بالكامل؛ وزراء الحكومة بصعوبة يكلفون أنفسهم عناء التطرق إلى ذلك؛ أما الضرر الذي أصاب الفترينا في قيسارية عندهم أهم بكثير. لا نسمع عن زيارات وزراء للمناطق التي يتم قصفها كل يوم؛ شيء لا يصدق. زيارة لقيادة فرقة تحارب الآن جنوبي لبنان، غير بعيد عن الحدود، تطرح صورة وضع مركبة. تعمل في لبنان في هذه الأثناء، أربع فرق تقريباً، وتحتها عدد كبير جداً من الطواقم الحربية اللوائية، من الجيش النظامي والاحتياط. العدد في الواقع لا يذكر حتى الآن بالعملية في قطاع غزة في نهاية السنة الماضية، لكنها تتعاظم. مع ذلك، لا يحتل الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان، ولا يحاول السيطرة على المناطق حتى نهر الليطاني. العمليات محدودة في هذه الأثناء بقطاع ضيق جداً في الحدود الشمالية، وتركز على اقتحام قرى معينة، وعندما ينتهي تدمير بنى حزب الله التحتية في قرية أو في منطقة معقدة، تقوم القوات بإخلاء المكان وتنتقل إلى قرى وبلدات أخرى.
الدمار، حسب الصور الجوية التي تنشر في الشبكات الاجتماعية، كبير جداً. وخلافاً لما كان يمكن توقعه، يصعب في هذه الأثناء ملاحظة أي توتر واضح بين هيئة الأركان وقيادة المنطقة الشمالية بخصوص مواصلة الحرب. يتحدث الطرفان عن عملية محددة الوقت، ستستمر لبضعة أسابيع على الأكثر. بعد ذلك، يريد الجيش التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتسوية سياسية بتدخل دولي، بحيث يقلص تهديد حزب الله لمستوطنات الشمال بعد الضربات التي تكبدها. إضافة إلى العمليات في جنوب لبنان، بدأ سلاح الجو أمس في مهاجمة منشآت اقتصادية مهمة لحزب الله في بيروت.
المشكلة أن تحقيق هذا الهدف يتعلق بجهات أخرى مشاركة. أولاً، من غير المؤكد أن حزب الله سيوافق على التسوية، خصوصاً إزاء الأضرار التي تكبدها. ثانياً، من غير الواضح موقف حكومة إسرائيل، خصوصاً إزاء ضغط سكان البلدات على الحدود الشمالية لمواصلة السيطرة على مناطق أخرى، وربما حتى إعادة المنطقة الأمنية، التي حسب رأيهم، ستحميهم من التهديد القادم من لبنان.
هآرتس 21/10/2024