الخرطوم: تخيم على الساحتين السياسية والشعبية في السودان حالة من الارتباك، منذ أن أطلق المتحدث باسم الخارجية، حيدر بدوي (أُقيل لاحقا)، تصريحات مفاجئة عن تطلع الخرطوم لتطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال الإسرائيلي.
هذا التصريح الرسمي، في ظل رفض شعبي للتطبيع، أرجعه خبراء إما إلى إملاءات أمريكية مقابل تخفيف أعباء الديون ورفع اسم السودان من “قائمة الإرهاب”، أو طموحات لشخصيات سودانية ترغب في الاستمرار بالحكم.
حيدر بدوي: “تلقيت إخطارا بإعفائي من منصبي من دون توضيح الأسباب”
ونفى وزير الخارجية السوداني المكلف، عمر قمر الدين، أن يكون أمر العلاقات مع إسرائيل قد نوقش في وزارة الخارجية، وأعفى المتحدث باسم الخارجية، مدير إدارة الإعلام، من منصبه، بحسب وكالة الأنباء السودانية.
وقال بدوي: “تلقيت إخطارا بإعفائي من منصبي من دون توضيح الأسباب”.
نتنياهو والبرهان
قضية التطبيع مع إسرائيل برزت مجددا على الساحة السودانية، بعد ستة أشهر على لقاء مفاجئ جمع رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأوغندا في فبراير/ شباط الماضي.
وهو اللقاء الذي لم يثمر على الأرض إلا عن عبور طائرات إسرائيلية للأجواء السودانية، للمرة الأولى، وفقا لوسائل إعلام إسرائيلية.
وقال بدوي، الثلاثاء، إن “الاتجاه نحو إقامة علاقات مع إسرائيل ليس بالجديد، وسبقنا إليه وزير خارجية النظام البائد (عمر البشير 1989: 2019) إبراهيم غندور”.
وأضاف: “لسنا أول دولة تطبع مع إسرائيل، وعلاقتنا مع اليهود قديمة منذ عهد موسى عليه السلام، وسنناقش التطبيع مع إسرائيل في دهاليز السلطة بالخرطوم، ولسنا تبعا لغيرنا”.
وجاءت تصريحات بدوي المثيرة، لقناة “سكاي نيوز عربية” الإماراتية الثلاثاء، بعد أيام من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات وإسرائيل، الخميس، عن اتفاق أبوظبي وتل أبيب على تطبيع العلاقات بينهما، في خطوة غير مسبوقة لعاصمة خليجية.
التطبيع لم يحسم بعد
في ظل وضع اقتصادي وأمني هش في السودان، يبقى الحديث عن التطبيع مع إسرائيل، ودعم المحور العربي الذي بدأ فعلا في التطبيع مثل الإمارات، هو مجرد محاولة للقفز على المشاكل الداخلية إلى قضية خارجية لا علاقة لها بتردي الوضع الاقتصادي، بحسب محللين.
تطبيع النظام السوداني لم يُحسم بعد مع كيان الاحتلال الإسرائيلي
وأعلن حزب الأمة القومي السوداني، بزعامة الصادق المهدي، أحد أبرز أحزاب مكونات تحالف قوى “إعلان الحرية والتغيير”، الثلاثاء، رفضه لأي خطوة للتطبيع مع إسرائيل، باعتبار أنه ليس من حق حكومة الفترة الانتقالية اتخاذ قرار في مسائل خلافية تحتاج أن تقرها حكومة منتخبة.
وبدأت بالسودان في 21 أغسطس/ آب الماضي فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى “إعلان الحرية والتغيير”، التي قادت احتجاجات شعبية أجبرت قيادة الجيش على عزل البشير، في 11 أبريل/ نيسان 2019.
وقال أنور محمد سليمان، كاتب ومحلل سياسي، إن “حديث المتحدث باسم الخارجية يخصه وحده، فحسب المتوفر من معلومات لا يوجد تقارب بين السودان وإسرائيل إلا في وسائل الإعلام الإسرائيلية”.
واعتبر أن “إقالة المتحدت هو خير دليل على أن توجه الخرطوم نحو إسرائيل لم يُحسم بعد، باعتبار تعقيدات هذا الملف على المستويين الرسمي والشعبي”.
ورأى أنه “لا علاقة لملف التطبيع بين السودان وإسرائيل بإزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، فالمطلوبات الأمريكية محددة وواضحة منذ سنوات، وليس بينها التطبيع”.
ورفعت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، عقوبات اقتصادية وحظرا تجاريا كان مفروضا على السودان منذ 1997.
لكنها لم ترفع اسم السودان من قائمة ما تعتبرها واشنطن “دولا راعية للإرهاب”، المدرج عليها منذ 1993؛ لاستضافته الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة، أسامة بن لادن.
الديون وقائمة الإرهاب
اعتبر السفير السابق، مدير إدارة الأمريكيتين بالخارجية السودانية، الرشيد أبو شامة، أن “تصريح المتحدث باسم الخارجية عن التطبيع مع إسرائيل يعبر عن رأيه الشخصي، ولا علاقة له بصناعة القرار داخل الوزارة، التي تدير السياسيات الخارجية”.
محللون سودانيون: الولايات المتحدة قد تضغط على السودان للتطبيع مع إسرائيل مقابل رفعها من لائحة الإرهاب
لكن على عكس سليمان، لم يستبعد أبو شامة، أن تدفع واشنطن الخرطوم نحو التطبيع مع تل أبيب، قائلا: “وارد أن تقوم الإدارة الأمريكية بالضغط على السودان للاعتراف بإسرائيل مقابل إزالته من قائمة الإرهاب ومساهمتها في حل الديون الخارجية المتراكمة على السودان”.
وتخوض الحكومة الانتقالية، برئاسة عبد الله حمدوك، محادثات شاقة لإقناع الأطراف الدائنة بتخفيف أعباء الديون الأجنبية البالغة 62 مليار دولار.
وقوض الحصار الأمريكي فرص حصول السودان على أيّ قروض دولية، واكتفت المؤسسات الدولية بمساعدات فنية في مجال الخدمات.
وتابع أبو شامة: “السودان حتى الآن ملتزم بقرارات جامعة الدول العربية بشأن فلسطين والقدس، ولا يوجد ما يشير إلى تغيير موقفه، ففي حال توجه نحو التطبيع عليه أن يجمد عضويته أو ينسحب من الجامعة”.
وتلتزم الجامعة العربية، الصمت تجاه التطبيع الإماراتي- الإسرائيلي، بينما رحبت به دول عربية، بينها مصر والأردن والبحرين.
طموحات شخصية
رأى دكتور حاج حمد محمد، أستاذ في جامعات سودانية، أن “محاولة إعادة العلاقات بين السودان وإسرائيل ليست جديدة، فقد كانت توجد اتصالات بين الجانبين، عبر مسؤولين حكوميين منذ البشير”.
وأردف محمد: “يحاول مسؤولون حكوميون في السودان أن يُقدموا على التطبيع مع إسرائيل من دون أن تطلب منهم واشنطن ذلك، باعتبار أن هذه الخطوة تسهم في رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وقد يكون رأي استخباراتي أمريكي وصل الخرطوم”.
واستدرك: “لكن احتمال رفع العقوبات، في حال تطبيع السودان مع إسرائيل، هو أمر مستبعد، فالعقوبات مرتبطة بالكونغرس، وليس الإدارة الأمريكية واستخبارتها”.
وزاد بقوله: “وأيضا ربما يكون الدافع إلى التطبيع هو طموح شخصيات في حكومة الفترة الانتقالية، بشقيها العسكري والمدني، للاستمرار في حكم السودان من دون ضغوطات خارجية، خلال الأعوام القادمة، باعتبار عدم استقرار الأوضاع في البلاد”.
ورأى حمد أن “التهليل الإسرائيلي لتصريحات بدوي هو بمثابة جس نبض للخرطوم لمعرفة إن كانت ستذهب بالفعل إلى التطبيع أم أن الأمر لم يحن بعد”.
وما إن أطلق بدوي تصريحاته بشأن التطبيع مع إسرائيل، حتى سارع مسؤولون إسرائيليون إلى الترحيب، واعتبر نتنياهو، الثلاثاء، أن “إسرائيل والسودان والمنطقة بأسرها ستربح من اتفاقية السلام (في حال توقيعها بين البلدين)”.
فيما ذهب وزير الاستخبارات الإسرائيلي، إيلي كوهين، الأربعاء، إلى “وجود مفاوضات بالفعل مع السودان حول اتفاق سلام”.
وستصبح الإمارات ثالث دول عربية ترتبط مع إسرائيل بمعاهدة سلام، بعد الأردن عام 1994 ومصر في 1979.
وقوبلت الخطوة الإماراتية برفض عربي شعبي واسع عكسته منصات التواصل الاجتماعي واحتجاجات أمام مقار دبلوماسية إماراتية، في ظل استمرار احتلال إسرائيل لأراضٍ عربية، ورفضها قيام دولة فلسطينية حتى الآن.
(الأناضول)
العسكر في الخرطوم عازمون على التطبيع مع العدو لانهم قبضوا الثمن؟