بيروت- “القدس العربي”:
فيما كان يسود ترقب لردة فعل الثنائي الشيعي على مبادرة الرئيس سعد الحريري تسمية شيعي لوزارة المال من دون تكريس هذه الخطوة كعرف من أجل تسهيل ولادة الحكومة ومنع لبنان من الانهيار والسقوط في المجهول، وفي حين ذهب البعض بعيدا في تفاؤله وتوقع ولادة وشيكة للحكومة بعد زيارة يقوم بها الرئيس المكلف مصطفى أديب إلى قصر بعبدا، إلا أن عقدة جديدة برزت ملامحها بين سطور بيان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية الذي استهجن تجاهل دور الرئاسة في تأليف الحكومة.
وجاء في بيان مكتب الإعلام: “إزاء المواقف والبيانات، وما تم تداوله إعلاميا بشأن تشكيل الحكومة، وحرصا على المبادرة الفرنسية وتشكيل حكومة مهمة، من أخصائيين مستقلين للقيام بالإصلاحات اللازمة لإنقاذ لبنان من أزماته المعقدة، وبما أن البيانات والمواقف المختلفة والمتباينة في بعض الأحيان قد تحجب المسار الدستوري الذي يجب اتباعه حتما للوصول إلى تشكيل الحكومة، يهم مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية إيضاح الآتي: أولا: التأكيد على مضمون البيان الذي صدر عن رئيس الجمهورية يوم الإثنين الماضي. ثانيا: التذكير بأن الدستور ينص صراحة في مادتيه 53 (فقرة 4) و64 (فقرة 2) على أن رئيس الجمهورية يصدر، بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، مرسوم تشكيل الحكومة، وأن رئيس الحكومة المكلف يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها، ما يعني من دون أي اجتهاد أو اختزال أو تطاول على صلاحيات دستورية، أن رئيس الجمهورية معني بالمباشر بتشكيل الحكومة وبإصدار مرسوم التشكيل بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلف”.
جاء هذا البيان معطوفا على تعليق مصدر قريب من بعبدا يؤشر إلى شروط جديدة في طريق التشكيلة الحكومية
وجاء هذا البيان معطوفا على تعليق مصدر قريب من بعبدا يؤشر إلى شروط جديدة في طريق التشكيلة الحكومية، حيث نقلت وكالة “أخبار اليوم” عن مصدر قريب من بعبدا أن “الحريري فوت فرصة ذهبية في تأييد بيان رئيس الجمهورية الواضح على جميع الأصعدة، والذي كان يشكل موقفا نوعيا في كل المفاهيم والمعايير، لكن رئيس المستقبل كالعادة اختار الذهاب نحو الرئيس نبيه بري انطلاقا من الثلاثي الذي يجمعهما بالنائب السابق وليد جنبلاط”. وأضاف المصدر: “ليس الهدف خلق اصطفاف -لا سمح الله- ضد الشيعة بل الأساس هو تأليف حكومة، وقد فات الحريري أن رئيس الجمهورية هو الذي يؤلف الحكومة بالاتفاق مع الرئيس المكلف”.
وكانت مصادر القصر ذكرت أن لا موعد الأربعاء للرئيس المكلف، في وقت توقع البعض أن يقوم المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل بزيارة إلى بعبدا للاستفسار عن عدد من النقاط ونقل ملاحظات حزب الله عليها.
وفي الانتظار، نُقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري ترحيبه ببيان الحريري، واعتباره أنه “يُبنى عليه إيجابا”، وأفيد بأن اتصالات تجري بين الثنائي الشيعي لتقييم اقتراح الحريري وكيفية الرد عليه، وهل يُترَك أمر تعيين الوزير الشيعي للرئيس أديب أم تُقدم لائحة أسماء ليختار من بينها الرئيس المكلف على غرار اللائحة التي قدمها رؤساء الحكومات السابقون لاختيار اسم من بينها. مع العلم أن مصادر قريبة من الثنائي رأت في خطوة الحريري إيجابية لكنها لم ترَ فيها حلا، وتخشى تصوير المالية على أنها العقدة فيما الموضوع في مكان آخر.
وجاء تنازل سعد الحريري بعد اتصال هاتفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مقابل وعد تلقاه بتسريع الإفراج عن قروض “سيدر” لصالح لبنان. وتقول مصادر بيت الوسط إن الحريري يدرك أن خطوته غير شعبية وشبهها بمن يتجرع السم، ولكن في اعتقاده هذه هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ البلد مع الأمل بأن يتلقف الثنائي الشيعي هذه المبادرة التي لم تكن منسقة مسبقا معه.
وقد سارعت وزارة الخارجية الفرنسية إلى الترحيب بمبادرة الحريري ووصفها بالـ”الشجاعة”، وبأنها “تبرهن حسه بالمسؤولية والمصلحة الوطنية للبنان”. ورأت أن “مثل هذا الإعلان يشكل انفتاحا يجب أن يقدر أهميته الجميع لكي يتم تشكيل حكومة مهمة”.
وأضافت الخارجية في بيان: “هذا ما يتوقعه اللبنانيون إضافة إلى شركاء لبنان الدوليين وكل من يريد، عن حسن نية، مساعدته في هذه اللحظات الحرجة. لهذا السبب، تدعو فرنسا جميع القادة السياسيين اللبنانيين إلى احترام الالتزامات التي وعدوا بها الرئيس إيمانويل ماكرون في الأول من أيلول/سبتمبر، بهدف وحيد وهو تلبية الاحتياجات الطارئة للبنان”، مؤكدة “استمرار فرنسا بالوقوف إلى جانب اللبنانيين بالتنسيق مع شركائها الأوروبيين والدوليين والسهر على احترام شروط الدعم الدولي للبنان في كل مرحلة”. وختم البيان أن “فرنسا تشجع مصطفى أديب على تشكيل حكومة مهمة بأسرع وقت ممكن تتألف من شخصيات مستقلة ومختصة يختارها بنفسه”.
بموازاة ذلك، وبعد التزام الرئيس أديب الصمت طيلة هذه الفترة من عملية تشكيل الحكومة، تحسسا منه كما قال “بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه ومن أجل الوصول إلى تقديم تشكيلة بالتشاور مع رئيس الجمهورية ضمن الأطر الدستورية، تساعد اللبنانيين على وضع حد لآلامهم اليومية”، فقد أعلن الرئيس المكلف في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، حرصه على “تشكيل حكومة مهمة ترضي جميع اللبنانيين وتعمل على تنفيذ ما جاء في المبادرة الفرنسية من إصلاحات اقتصادية ومالية ونقدية وافقت عليها جميع الأطراف”، وأكد مجددا التزامه “الثوابت التي أطلقها في أن تكون الحكومة من ذوي الاختصاص وأصحاب الكفاءة القادرين على نيل ثقة الداخل كما المجتمعين العربي والدولي، لأن من شأن ذلك أن يفتح الباب أمام حصول لبنان على الدعم الخارجي الضروري لانتشال الاقتصاد من الغرق”، متمنيا على الجميع “التعاون لمصلحة لبنان وأبنائه وتلقف فرصة إنقاذ الوطن”.
وعلى خط المختارة المؤيدة للتسوية بعد زيارة قام بها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط إلى باريس، فقد لفت الزعيم الدرزي إلى أنه “آن الأوان لالتقاط ورقة الأمس والبناء عليها وتسهيل التشكيل بعيدا عن الحسابات الضيقة، فكل دقيقة تمر ليست لصالح لبنان”، وقال في تغريدة: “لا تعطوا حكومة الوباء والكوارث الحالية مزيدا من الوقت”.
وكانت صحيفة “الأخبار” القريبة من حزب الله رأت أن “ما أعلنه الحريري نقطة تُسجل عليه، لا له. وهو إن كانَ قد أعطى إشارة إيجابية في الشكل، لكن البيان في مضمونه يدين الحريري ويؤكد أولا أنه كانَ يتصرف وكأنه الحاكِم المطلق، يضَع شروطا للتأليف أمام أديب ويحدد له مواصفات الحكومة ووزراءها وكيفية توزيع الحقائب، كما يؤكد أن المعالجة السياسية لهذا الملف لم تتأخر بسبب إصرار الثنائي على تسمية وزير المالية، بل بسبب الحريري نفسه الذي تصرف منذ تكليف أديب كما لو أنه الوصي عليه والمفاوض الحقيقي في ملف التأليف وأن الرئيس المكلف هو مجرد منفذ لقرارات رئيس تيار المستقبل”.
وسألت: “من يظن الحريري نفسه ليخرج ويقول إنه يسمح بأن يتولى وزير شيعي مستقبل وزارة المال لمرة واحدة فقط؟ ونقلت عن الثنائي أنه “لا يزال عند موقفه في اختيار الوزير الذي يريد بالتشاور مع رئيس الحكومة، ونحن على استعداد لتقديم لائحة طويلة بالأسماء، وليختَر أديب واحدا منها”.
ألمشكلة ان رئيس الوزراء المكلف يريد وزير مالية من أصحاب الاختصاص وأصحاب الكفاءة, ولكن حزب يريده من أصحاب ألشوائب والسوابق.