ما جرى من تشكيل حلف عسكري جديد، مكون من أمريكا وبريطانيا وأستراليا، يمثل الخطوة العملية الأولى لتطبيق الاستراتيجية الأمريكية، التي وُضعت في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، وقضت بإنسحاب الولايات المتحدة من أوروبا ومن الشرق الأوسط، كي تركز جهودها على صراع النفوذ بينها وبين الصين
حرب باردة ضد الصين:
لم تمض سوى أيام على إنسحابها من أفغانستان، حتى سارعت الولايات المتحدة إلى نقل بؤرة الصراع الدولي إلى جنوب شرق آسيا، وبدأت بشن حرب باردة ضد الصين. وتزامن تشكيل الحلف الجديد، وإقامة مصنع للغواصات الأمريكية في أستراليا، مع إلغاء الأخيرة صفقةً لشراء غواصات فرنسية، بقيمة 65 مليار دولار، أُتفق عليها منذ عام 2016.
وجاء الإعلان عن (الحلف الثلاثي) خلال مؤتمر قمة افتراضي جمع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، ورئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون.
وقد وصف جونسون الحلف الجديد أنه (شراكة دفاعية ثلاثية جديدة تعرف باسم “أوكوس” AUKUS، بهدف العمل معاً للحفاظ على الأمن والاستقرار في المحيطين الهندي والهادئ).
أما الاسترالي موريسون فقد أعلن عن إقامة مصنع للغواصات في مدينة (أديلايد) الساحلية جنوب أستراليا (بالتعاون الوثيق) مع أمريكا وبريطانيا.
وسيتطلب ذلك نقلٍ التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة في مجال الغواصات إلى أستراليا، التي ستكون ثاني دولة تملكها بعد بريطانيا.
يستهدف الحلف الثلاثي محاصرة الصين، من جهة بحر الصين الجنوبي، الذي يدور حوله نزاع أمريكي – صيني، حيث تدعي الصين أنه من ضمن مجالها الحيوي. وفور الإعلان عن تشكيل الحلف، أبرزت أستراليا نفسها خصماً عسكرياً للصين، وقالت إنها ستعزز دفاعاتها العسكرية لمواجهة القوة الصينية المتنامية، بحصولها على صواريخ كروز الأمريكية بعيدة المدى، وبتكثيف التواجد العسكري الأمريكي على أراضيها. وبذلك ستكون أستراليا من ضمن الدول التي إصطفت لتطويق الصين وهي: الفلبين، وتايوان، واليابان، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، وأندونيسيا، حيث تتواجد في هذه المنطقة أكثر من 150 قاعدة عسكرية أمريكية.
تهاوي النظام العالمي:
إذا كانت فرنسا قد تلقت (طعنة في الظهر)، بإلغاء صفقة الغواصات، وتلطخت سمعة أسلحتها، فإن الطعنة الأشد هي في تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها بالدفاع عن القارة الأوروبية. حيث يشعر الأوروبيون الآن أنه (لم يعد هناك وجود لحلف شمال الأطلسي “الناتو” ولا وجود للأمم المتحدة ولا وجود لمعالجة الأزمات في الوقت المناسب)، كما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية. وهذه هي الركائز التي قام عليها النظام العالمي الحالي، منذ الحرب العالمية الثانية، وأصبحت الآن على وشك التداعي، من المنظور الأوروبي.
وقد أعاد هذا التطور إثارة مسألة (الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي)، بتشكيل قوة عسكرية قادرة على الدفاع عن القارة العجوز أمام الأطماع الروسية. وربما تكون تركيا، بعديد جنودها وترسانتها الحربية الحديثة، هي العضو الوحيد في حلف (الناتو) القادر على الوقوف في وجه روسيا.
بررت أستراليا تخليها عن صفقتها مع فرنسا (لأن الغواصات الأمريكية تناسبها أكثر)، حيث أنها تعمل بالوقود العادي (البنزين). وهذا يضطرها للطفو على سطح الماء مرة كل عدة أيام، لأخذ قسط من الهواء للمساعدة في عملية إحتراق الوقود. كما تضطر الغواصات الفرنسية لدخول الميناء، مرة كل عدة أشهر، للتزود بالوقود. وبالتالي فإن تكرار ظهورها يُسهل اصطيادها من قبل العدو.
أما الغواصات الأمريكية فتعمل بالوقود النووي، وتغطس تحت الماء لفترة طويلة، وبذلك تتجنب مخاطر التعرض للضربات.
ويدل هذا على مدى تقدم التكنولوجيا الأمريكية على الفرنسية، يضاف إلى ذلك أهمية أن يكون سلاح الحلفاء موحداً خلال الحروب.
فرصة إنهاء التدخلات الخارجية:
بعد الحرب العالمية الثانية، اتخذت الولايات المتحدة الإتحاد السوفييتي عدواً لها، وقامت بينهما (حرب باردة) متواصلة، وحروب ساخنة أخرى بالوكالة. وظل هذا العداء مدة 40 عاماً إلى أن إنهار الإتحاد السوفييتي.
بعد ذلك انتقلت أمريكا إلى معاداة الإسلام بذرائع واهية، منذ 30 عاماً، شنت خلالها حرباً مدمرة تلو الأخرى على بلاد العرب والمسلمين. ولما أكملت إنسحابها من أفغانستان، في نهاية شهر أغسطس – آب 2021، خرج رئيسها بايدن ليعلن أن العداء للإسلام قد انتهى، وأن حروب أمريكا العسكرية والفكرية عليه ستتوقف، وأن الصين أصبحت الآن هي العدو الأول لبلاده.
وفي حال كان بايدن صادقاً في التخلي عن العداء للإسلام، ولم يكن كلامه مجرد مخادعة أخرى، فماذا يعني إنتقال بؤرة الصراع الدولي إلى جنوب شرق آسيا؟
يعني انتقال بؤرة الصراع خارج منطقتنا أن هذا التحول ربما يجلب معه فرصة سانحة للشرق الأوسط يجب اقتناصها.
تتمثل الفرصة في أن يتمكن العرب والمسلمون من أن يصدوا التدخلات الخارجية، ويستغلوا خيراتهم الوفيرة، ويعيدوا بناء بلادهم المنكوبة، وينهضوا من كبوتهم المؤلمة. ويومها ربما يتحقق حلمُ الشاعر عمر أبو ريشة في أن يصبح لهم (منبرٌ للسيف أو للقلم).
كاتب أردني
” تتمثل الفرصة في أن يتمكن العرب والمسلمون من أن يصدوا التدخلات الخارجية، ويستغلوا خيراتهم الوفيرة، ويعيدوا بناء بلادهم المنكوبة، وينهضوا من كبوتهم المؤلمة. ” إهـ
وماذا عن دولة المؤامرات المسيرة من الكيان الصهيوني يا أستاذ؟
حكام هذه الدولة المارقة يعيشون على خراب العالم العربي!! ولا حول ولا قوة الا بالله