في حوار معه، يقول الكاتب والروائيّ الكندي «يان مارتل»، والحائز على جائزة «مان بوكر» البريطانيّة 2002، عن روايته «حياة باي»، إنّه بقي ثلاث سنوات يبعث خلالها بكتاب، كلّ أسبوعين، إلى رئيس وزراء بلاده، كي يقوم الأخير بقراءته، وقد أنشأ لذلك حملة إلكترونيّة مع موقع مخصّص، حمل عنوان: «ماذا يقرأ ستيفن هاربر».
لم يعرف الكاتب إذا ما كان رئيس الوزراء قد قرأ شيئاً من ستّة وسبعين كتاباً أرسلها له، أم لا، وإن كان يرجّح أنّه لم يفعل، إذ حصل «مارتل» على خمس رسائل شكر رسميّة ومقتضبة من موظّفي الرئاسة على تلك الكتب، من غير أن يكلّف رئيس الوزراء نفسه بإرسال شكر شخصيّ، أو تعليق، و قد توقّف الروائيّ عن إرسال الكتب للرئيس طبعاً، بعد أن غادر منصبه.
لن يحدث في العالم العربيّ شيء من ذلك، أو لم نسمع بأنّه حدث، فالوصول إلى رئيس الوزراء ضرب أشبه بالمستحيل، إذ دونه الأبواب والحجب، وربّما الاعتقال، والاستهزاء بالمبادرة في أحسن الأحوال. فضلاً عن أنّ معظمنا مؤمن بأنّ المسؤولين لا يقرأون، بل لم يقرأوا منذ تخرّجهم من الجامعات كتاباً واحداً لا في التخصّص ولا في غيره، والأكثر إحراجاً أن نعرف أنّ بعض زعماء الدول العربيّة بالكاد يفكّون الخطّ.
قد يظنّ البعض أنّ قراءة الروايات مسألة هامشيّة، أو فائضة عن الحاجة، لكنّها بالفعل ضرورة للزعماء السياسيّين أكثر من غيرهم، فهم، على حدّ ما تزعمه برامجهم السياسيّة وخططهم الترويجيّة، يسعون إلى الاقتراب من نبض الشارع، وقراءة الروايات هي أكثر ما يقرّبهم من ذلك الشارع، ويعرّفهم تاريخه، ورود أفعاله، وما يفرّقه، وما يجمّعه.
لو كانوا ينظرون إلى أبعد من أنوفهم، أومصالحهم المحدودة، لتعلّموا قراءة الروايات، والقصص، والمسرحيّات، وكتب الفكر، ولداوموا عليها، ولوجدوا فيها حلولاً لمعضلات كثيرة تواجههم، ولصاروا أكثر لباقة، ونبلاً، وإحساساً! إنّ قراءة الأدب مواجهة أخلاقيّة حيّة، تكوّن لدى المتلقّي حسّاً نقديّاً تجاه الذات أوّلاً، ثمّ تجاه العالم. فالذي يقرأ، يستطيع تصوّر وجهات نظر كلّ من أعدائه ومحبّيه تجاه أفعاله، ويستطيع التكهّن أيضاً بمواقفهم العاطفيّة التي يمكن أن تتكوّن تجاهه، ولو قرأ أولئك، لاعتزل معظمهم السياسة، ولما وصلنا إلى ما أوصلونا إليه.
لو قرأ أولئك، لأدركوا فداحة ما يرتكبون، وهم يستحضرون نماذج الفنّ التاريخيّة: لوضعوا أيديهم على محنة أوديب، ولوعة بريام العجوز، واحتدام عواطف آخيل، وحذلقة نرسيس، ويقين أوديسيوس، وندم عطيل، وعذاب هاملت…
يمكن، بناء على ذلك، تقسيم العالم أخلاقيّاً إلى الذين يقرأون، والذين لا يقرأون، أي إلى الذين يواجهون عيوبهم وأخطاءهم، والذين هم في عماء عنها، أو إلى الذين تعلّموا التخلّي عن الصلف والخسّة، والذين احتفظوا بهما، أو إلى الذين تعلّموا القياس والنمذجة، والذين يعيشون داخل أطر الواقع المحدّدة، والمصادفات الضنينة.
كان ساسة الماضي، في غالبيتهم، لا يقرأون، فيستبدلون القراءة بالموعظة، إذ يطلبون العالم (الذي يقرأ)، ويسألونه الموعظة، فيحكي لهم أخبار الأمم الغابرة، وأسرار نجاحها وإخفاقها، أو مستخلص تجاربها. لقد قال هارون الرشيد لشيبان: عظني، فقال: لئن تصحب من يخوّفك حتى يدركك الأمن، خيرٌ لك من أن تصحب من يؤمّنك حتى يدركك الخوف. فقال الرشيد: فسر لي ذلك! قال: من يقول لك: أنت مسؤول عن الرعيّة، فاتق الله، أنصح لك ممن يقول: أنتم أهل بيتٍ مغفور لكم، وأنتم قرابة نبيّكم صلى الله عليه وآله وسلم، فبكى الرشيد وارتعد جسده!
يحكى أنّ محارباً استطاع الانتصار على عدوّه بسبب قراءاته، لا بسبب قوّته، إذ كان قد قرأ أسطورة ميدوزا، التي تحوّل كلّ من ينظر إليها إلى حجر، والتي استطاع برسيوس تجنّب نظرتها تلك، حينما حدّد موقعها بانعكاس صورتها على درعه، فقتلها، وكذلك فعل البطل مع خصمه. إنّها ليست أكثر من استعارة دالّة، لكن لن ننسى أنّ الإسكندر الكبير كان إسكندراً لأنّ معلّمه كان أرسطو، ولأنّه أولع بأعمال هوميروس، وبخاصة ملحمة الإلياذة، التي قّدمها له أرسطو بنسخة وافية الشرح، كان الإسكندر يحملها معه في حملاته العسكرية كلّها.
كاتبة سورية
شهلا العُجيلي
مشكورة و إنشاء الله يبدأ حٌكامنا القراءة والاستفادة من التاريخ
لفت انتباهي عبارة ” حكامنا لم يقرأوا منذ تخرّجهم من الجامعات” ممكن استاذة شهلا تذكري لي حاكم عربي واحد متخرج من الجامعة. ان شاء الله أنت تعتقدين أن بشار الأسد مثلا دخل جامعه وسهر الليالي في المذاكرة والأمتحانات؟ أذا كنت تعتقدين ذلك فأنت مخطئة, حكامنا أغلبهم جهله و هذا واضح من خلال أدارتهم لسياسات البلاد والأزمات التي تكاد تلازم كل الدول العربية. على الأقل في البلاد الغربية يكون مستشاري الرئيس أو رئيس الوزراء موظفو خدمة محترفون و مستقلون, أما في البلاد العربية فالحاشية (المستشارون) غالبا يتم اختيارهم حسب درجة الأنتماء و الأنبطاح للحاكم. فالدرجة العلمية هي أخر اهتمام الرئيس, ولا يتم اختيار مسؤول الا بعد أن يتم غسل دماغه كليا وخير مثال على ذلك د. بثينة شعبان مثلا.
أخ Visitor أذكر لنا الكاتب و الرئيس المنصف المرزوقي و الشيخ راشد الغنوشي ( الرئيس الفعلي لتونس )
كفيتي ووفيتي ايتها الحسناء
الفكرة الأخطر ماذا لو قرأوا وهم بهذا العمى
وماذا ينفعُ من هؤلا الحكَّام فيما إذا قرؤوا الروايات أم لم يقرؤوها؟؟؟
من حكَّامٍ “عربٍ” لا يعدونَ أن يكونوا مجرمي حروب، على أقل تقدير؟؟؟
حقيقةً، كتاباتكِ هذه لا تصلح إلا لمن يتفاخرُون سرًّا أو جهرَا بـ”جذورهم” الأرستقراطية، أو لمن لا يزالون يتطيَّرون بأوهام هذه “الجذور”، شئتِ أم أبيتِ.
كما تقولين أنتِ: «لكن لن ننسى أنّ الإسكندر الكبير كان إسكندرًا [كبيرًا] لأنّ معلّمه كان أرسطو، ولأنّه أولع بأعمال هوميروس، وبخاصة ملحمة الإلياذة، التي قّدمها له أرسطو بنسخة وافية الشرح، كان الإسكندر يحملها معه في حملاته العسكرية كلّها».
وكما نقولُ لكِ نحنُ: «هل تريدين معلِّمًا خصوصيًّا بمقام أرسطو يعلِّم الأسد المجرمَ لكي يكون أسدًا مجرمًا كبيرًا، ولكي يولع هذا المجرم الكبير بالملاحم التي يقدِّمُها لهُ هذا المعلِّمُ الكبير بنُسَخٍ وافية الشَّرح، في حملاتهِ العسكرية البربرية الجبانةِ على شعبٍ بريءٍ أعزلَ على مدى أكثرَ من أربعين عامًا؟؟؟».