ماكبث السوري وعطور الجزيرة العربية… الخميني في كلية الفنون في دمشق… هل فاجأكم محمد منير؟

حجم الخط
0

أن يكون المغني المصري محمد منير جزءاً من بطانة تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الترفيه السعودية، ليس أمراً جديراً بالمفاجأة. كمغنٍ، كصوت، الرجل منتهي الصلاحية، وفي الأساس لا يستحق صوته، حتى في أيام عزّه، أكثر من كلمة «لطيف». نتذكر «الليلة يا سمرة»، واحتفاء مروان صواف، المذيع السوري الشهير في حينه، والذي احتفى، كعادته، بالأغنية، بكلام غامض وعصي، كما لو أنه سهيل الحسن على نحو مبكر. إن كان هناك مشروع لمنير، كما يحب البعض أن يصنفه، فهو استثمار الآخرين فيه، محاولة تصديره كمشروع طَموح مضاد، عندما نتذكر مثلاً «علِّ صوتك بالغنا» نعتبرها مشروع يوسف شاهين ورسالته في فيلمه عن ابن رشد.

هذا الضخ الأعمى (لهيئة الترفيه) لا يلقي بالاً إلى تنمية مستدامة تستثمر في الإنسان، ليس هذا في حساباته.

الاختبار الحقيقي لتجربة منير كان في مقارنة أغنيته بالأغنية الأصل، المتحدرة من أصل نوبي مثلاً، وهنا كانت الكارثة، عندما تستمع للمادة الخام تعرف أن الأصل أجمل، وأنه يستحق اشتغالاً أفضل مما فعل منير.
دعك بالطبع من المذيع البوق عمرو أديب، ومديحه لحفل محمد منير هو فقط من نوع «حاجة ما اتعملتش»، و«ليلة غير عادية»، و»شفت آلات ما شفتهاش قبل»، و«منير اتدلع». هذا كلام لا وزن له على الإطلاق، وهو فقط شكل من أشكال «التسحيج»، المرادف العاميّ المتهافت لكلمة «تصفيق».
هنالك عملية قيصرية تجري هناك، تُدفع فيها أرقام وإمكانات خرافية، لأنها نوع من الإعلان، ولا شك أن هذا الضخ الأعمى لا يلقي بالاً إلى تنمية مستدامة تبني في الإنسان، ليس هذا في حساباته.

الخميني في مرآة الفن

«الخميني في مرآة الفن السوري»، هذا عنوان فعالية فنية أقيمت أخيراً في كلية الفنون الجميلة في دمشق، بتعاون بين المستشارية الثقافية الإيرانية وجامعة دمشق. وعلى ما يبدو في الصور المنقولة هنا وهناك فإن المعرض هو لوحات تشكيلية وصور تتمحور حول صورة المرشد الإيراني الراحل.

في البدء كانت العتبات المقدسة، ثم السلاح، والذبح، والتجنيس، شراء الأراضي والبيوت الدمشقية..

هناك من يرى بأن الإيرانيين تأخروا قليلاً في استثمار القوة التشكيلية الناعمة، بعد التأسيس العسكري والميليشوي المتوفر في معظم أنحاء البلاد. مع كل تلك القوى القاهرة، التي دمرت وأذلّت وهجرت، وما زالت تواظب على قهر السوريين، لم تكن هناك حاجة للاستعانة بقوى أخرى للتطبيع والتطويع. لقد قضي الأمر حقاً، وبات بإمكان الاستشارية أن تدّعي ما تشاء الآن، بإمكانها أن تقول «الخميني في مرآة الفن السوري»، حتى لو لم يكن لدى أي من الفنانين التشكيليين أي عمل بهذا الخصوص، وما دام القرار قد اتخذ فلا بدّ أن الشوارع غداً ستمتلئ بالتماثيل، الشوارع نفسها التي غصت بتماثيل حافظ الأسد.
في البدء كانت العتبات المقدسة، ثم السلاح، والذبح، والتجنيس، شراء الأراضي والبيوت الدمشقية، أَيْرَنَتها، أما الوصول إلى الفن السوري فهو تحصيل حاصل، لا يجب أن يقلق أحداً.

الصور غير المجدية

الفنان السوري عمار عبد ربه يلتقط بعين المصور المجرب زيارة أسماء الأسد، زوجة رأس النظام، إلى قرية المراح السورية، في موسم الوردة الدمشقية، وهي البلدة السورية الأشهر المعروفة بزراعة «روزا دامسينا»، المعروفة والمرغوبة عالمياً، والنفيسة.
عبد ربه سبق أن رافقها في زيارة إلى ذات المكان، وكانت فجراً، لأن مزارعي البلدة يقطفون الوردة ندية، قبل أن تشويها الشمس، فتطيّر نداها وزيوتها.

صور قيصر، ومجزرة حي التضامن، وضحايا البراميل العشوائية المتفجرة، ومجازر حمص وحلب، يستحيل أن تغطيها صور الوردة الدمشقية.

لكن الفنان يلاحظ أن زيارتها الآن تأتي في غير وقت القطاف، ومن دون ثياب العمل، بل بفستان مورّد، وبطوق من الورد، ومع اثنين من نجوم التمثيل في البلاد (سلاف فواخرجي ومصطفى الخاني). أي مع كل لوازم الصورة والبروباغندا، وهي في رأي عبد ربه، صورة للخارج. حيث تعتقد الأسرة الحاكمة السورية أن الخطاب الناعم الذي أفلح في العثور على صدى عالمي قبل عصر الثورات العربية، يمكن أن يفلح الآن.
يقول المصور السوري إن الصور التي جاءت تالياً، في العشرية الأخيرة، صور قيصر، ومجزرة حي التضامن، وضحايا البراميل العشوائية المتفجرة، ومجازر حمص وحلب، يستحيل أن تغطيها صور الوردة الدمشقية.
هناك محاولات كثيرة – يتابع عبد ربه – للقول إن النظام انتصر ويتم التطبيع معه، لكن يستحيل أن تغطي جرائم زوج سيدة الورود ونظامه على تلك الصور.
فيديو عمار عبد ربه محق تماماً؛ إننا أمام ماكبث السوري، الذي «لن تستطيع عطور الجزيرة العربية كلها أن تطيّب يده»، والعبارة لماكبث نفسه (في الأصل الشكسبيري).

*كاتب من أسرة تحرير «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية