يتعرّض الرئيس التونسي قيس سعيّد وحكومته لضغوط متنامية من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون. والسبب قمة المنظمة الدولية للفرنكوفونية. من المقرر أن تنعقد القمة في تونس يومي 20 و21 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بعد أن تأجلت من تشرين الأول/أكتوبر 2020 بسبب جائحة كورونا. لكن فرنسا ترى أن تونس تأخرت في التحضير السياسي واللوجستي للقمة، لأن الرئيس قيس سعيّد غير متحمس لها، أو على الأقل، لمنحها هالة كبرى وجعلها محطة سياسية استثنائية.
في المقابل، يريد الفرنسيون والفرنكوفيليون في فرنسا وخارجها، أن تكون القمة استثنائية وخارقة، لأنها تصادف اليوبيل الذهبي (50 عاما) للمنظمة.
حسب تقارير إخبارية فرنسية، الذي «ورّط» الرئيس سعيّد في هذا المأزق هو سلفه الباجي قايد السبسي. وَعَد الرئيس الراحل، أثناء رئاسته، باستضافة القمة والتزم بمنحها ما يليق بها في هذه المناسبة. أراد قايد السبسي من وراء ذلك أن يكرِّم روح قدوته، الراحل الحبيب بورقيبة، باعتباره أحد مؤسسي المنظمة (سنة 1970) إلى جانب الرئيس (الشاعر والمثقف) السينغالي ليوبولد سنغور (1906/2001) وزعيم كمبوديا نورودوم سيهانوك (1922/2012). لكن قايد السبسي، ومن حيث لا يدري، وضع خلفه في مأزق سياسي هو آخر ما يحتاجه الرجل! أحد أسباب الغضب الفرنسي اختيار السلطات التونسية جزيرة جربة لاستضافة القمة. قدّر الفرنسيون أن الجزيرة السياحية لا تتوفر على الإمكانيات والمكانة الدولية التي تؤهلها لاستضافة القمة في يوبيلها الذهبي، خصوصا مع توقعات بأن يحضرها عشرات الرؤساء والملوك، والمئات من طواقمهم من وزراء ومستشارين وأمن وبروتوكول، ناهيك عن ضيوف آخرين من منظمات دولية عديدة ومتنوعة.
قرأ الفرنسيون في اختيار جربة نيّة مبيّتة للتقليل من شأن القمة ومنظمة الفرنكوفونية ككل. وتأكدوا أن سعيّد ليس رجلهم في تونس، وأنه سيكون أحد أسباب تراجع الفرنسية في تونس أكثر مما هي متراجعة.
الأزمة تتفاعل منذ سنة وليست وليدة اليوم. خلال شهر حزيران (يونيو) 2020 استضاف ماكرون نظيره التونسي في قصر الإليزيه، ثم على عشاء فاخر. وبينما تحدّث «المحللون» و«الخبراء» عن ليبيا والتعاون الثنائي الأمني والاقتصادي، كانت شوكة أخرى تكدّر على العشاء اسمها قمة منظمة الفرنكوفونية: دعا ماكرون أيضا للعشاء الأمينة العامة للمنظمة الدولية للفرنكوفونية، الرواندية لويز موشيكيوابو، لكنها اعتذرت بدواعي جائحة كورونا. غير أن مصادر فرنسية قالت آنذاك إن موشيكيوابو فضّلت الغياب من إحساسها بأن العشاء لن يسير على ما يرام بسبب موضوع القمة. وفعلا لم يمضِ العشاء كسمفونية، وتأكد الفرنسيون، مرة أخرى، أن تونس غير جاهزة للقمة، وأن رئيسها غير متحمس لها ما يكفي.
ستكون خيبة فرنسا على قدر تطلعاتها. ستنبع الخيبة من كون المنظمة الدولية للفرنكوفونية هي آخر قوة ناعمة تملكها فرنسا. لكن دور المنظمة يتراجع بتراجع النفوذ الفرنسي في العالم
ثم استمر التوتر يظهر ويختفي. آخر فصوله، وفق مصادر فرنسية، زيارة السفير الفرنسي في تونس إلى جزيرة جربة، في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، للوقوف على إمكانياتها وعلى الاستعدادات اللوجستية للقمة. يبدو أن السفير أندريه باران أُصيب بخيبة أمل لِما شاهد من استعدادات وإمكانات لا ترقى للحدث ورمزيته الكبرى.
من أسباب الفتور التونسي أن الرئيس سعيّد ليس فرنكوفيليا ولا فرنكوفونيا حتى. وهناك سبب لا يقل أهمية هو أن خزائن البلاد خاوية وبحاجة لكل فلس، وفرنسا ومنظمة الفرنكوفونية تمتنعان عن المساهمة في تمويل القمة. فلماذا تنفق تونس على قمة تريدها فرنسا أكثر من غيرها وتجني ثمارها دون الآخرين؟
الآن، حتى لو انعقدت القمة في الموعد ومُنحت كل ما تأمله فرنسا لها من اهتمام وموارد، الضرر حدث.َ والنجاح، إن تحقق، سيكون بطعم المرارة.
ستكون خيبة فرنسا على قدر تطلعاتها. ستنبع الخيبة من كون المنظمة الدولية للفرنكوفونية هي آخر قوة ناعمة تملكها فرنسا. لكن دور المنظمة يتراجع بتراجع النفوذ الفرنسي في العالم أمام أمريكا وروسيا والصين وقوى أخرى تزاحم فرنسا مساحاتها التقليدية. آمال فرنسا اليوم في المنظمة تتراجع.. من أداة أرادت لها أن تؤثر في العالم إلى جهاز بالكاد يؤثر في المستعمرات السابقة.
تونس دولة ذات سيادة ومن حقها أن تقرر استضافة القمة من عدمها، وفي تحديد كيفية التنظيم، وفق ظروفها ومصالحها. تستطيع أن تطلب مساعدة واستشارات، لكنها يجب أن تكون هي صاحبة القول الفصل. الآخرون، وعلى رأسهم فرنسا، ضيوف يجب عليهم الشعور بالامتنان والتقدير لتونس.
لكن غضب فرنسا على قدر خيبتها، وأسوأ ما فيه أنه نابع من ذهنية استعمارية ترفض التطور، وتُكابر في الإقرار بأن العالم يتغيّر ومعه المستعمرات الفرنسية وموروثها اللغوي والثقافي.
عناد فرنسا ومكابرتها تتجسّد في ميل ماكرون، رغم انتمائه إلى جيل لا علاقة له بالاستعمار، إلى معاملة بعض القادة الأفارقة بذهنية فوقية لا تختلف عن ذهنية أسلافه. هكذا أراد أن يعامل سعيّد في قضية القمة.
التغييرات التي فُرضت على دول وشعوب العالم في العقود الثلاثة الأخيرة غيّرت أشكال دول ومجتمعات وقارات بأكملها. وكان من الطبيعي أن تجعل المنظمات التي نشأت في النصف الثاني من القرن الماضي، خصوصا المبنية على خلفية استعمارية أو على تبعية فوقية، مجبرة على التغيّر وحتى الاندثار.
أستبعد أن فرنسا الرسمية وأذرعها المتعددة تجهل أن دول شمال إفريقيا ومجتمعاتها تتغيّر في العمق. على الأرجح هي تكابر وتعيش على وهْمِ أن شيئا ما سيكون في صالحها. من نتائج التغييرات الاجتماعية والثقافية العميقة في دول شمال إفريقيا أن الفرنسية لم تعد اللغة الأكثر انتشارا. ولم تعد اللغة الأحب لألسنة الناس رغم إصرار بعض النخب الثقافية والسياسية على التمسك بها، وعلى إنكار أنها تتراجع. مسألة وقت فقط ويقضي طوفان التغيير والإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي على الفرنسية في دول شمال إفريقيا، كما قضى على موروثات أخرى. في تونس والجزائر والمغرب أجيال جديدة ترى العالم كما هو وليس على أنه فرنسا فقط، مثلما توهَّم الآباء والأجداد.
ما لم تقرّ فرنسا بهذه الحقيقة وتتعامل معها بواقعية وشجاعة، فلن يكون أمامها إلا خسارة شعوب مستعمراتها السابقة حتى لو حافظت على ولاء الحكام وتبعيتهم لباريس. والمشكلة الناجمة عن قمة الفرنكوفونية المقبلة فرصة للفرنسيين لبداية استيعاب الواقع الجديد.
كاتب صحافي جزائري
دائما ما تعول فرنسا الإستعمارية على أذناب لها في دول إستعمرتها من بينها الجزائر و تونس و المغرب لتمرير سياستها التخريبية. فكيف يتحمس سنغالي وتونسي و كمبودي لتأسيس منظمة الفركفونية !!!!! وحتى في وقتنا الحاضر يعتقد أن من يتكلم الفرنسية بطلاقة فهو مثقف و متحضر!!!. وكما نوه الكاتب شبابنا في الجزائر توجهوا للغة الإنجليزية لأنهم لمسوا فيها هي اللغة التي تعبر عن طموحاتهم بحق.
وحتى في سوريا ولبنان ايضا لم يعودوا يروا فيها لغة مكانة وتقدير prestige كالانكليزية. بعض الأجناس الغير ذكورية تطعم حديثها أحيانا ببعض الكلمات الفرنسية او الأحرف كنوع من “التناعم” او “الدلع” في العامية.
معلومات مفيدة مطروحة بأسلوب أنيق وراقي. كل التحية للكاتب توفيق رباحي المتزن المطلع وباباي للفرنسية في المغرب العربي وان شاء الله تنقرض من على وجه الارض غير مأسوف عليها.
فرنسا خرجت عسكريا ولكنها تركت منظمات جمعت أيتامها الذين يستميتون في رعاية مصالحها الاقتصادية والثقافية والسياسية و….بالوكالة….الاستعمارالفرنسي لم ينته بعد وتتشدق علينا بشعار فرنسا الحرية
كل هذا الكلام عن أفول اللغة الفرنسية و الشباب الذي يترك الفرنسية من أجل الإنجليزية مبالغ فيه..فالاحصاءيات تقول العكس..احتل الطلبة الجزائريون المرتبة الأولى في طلبات الفيزا الدراسية الفرنسية، يليهم المغاربة..و احتلت دول المغرب العربي المرتبة الاولى لطلبات الفيزا (السياحية و العاءلية و التجارية)..كما لا ننسى ملايين المغاربيين الذين يعيشون في فرنسا..اذا الحذيث عن القطيعة مع فرنسا هو مجرد تمنيات.
سيد تاوناتي اللغة الفرنسية انتهى بريقها في المنطقة المغاربية الشباب فعلا توجه لغيرها
–
الطلب على الانجليزية يفوق نظيره على الفرنسية تحياتي
أظن أن اللغة الفرنسية تتراجع في عقر دارها .
يتحدث اللغة الفرنسية حوالي 80 مليون شخص في العالم كلغة رسمية وحوالي 190 مليون شخص كلغة رسمية ثانية، وحوالي 274 مليون شخص في جميع أنحاء العالم. ويتوزع هؤلاء على 54 بلداً بالعالم. وهي اللغة الوحيدة الموجودة بالقارات الخمس بجانب اللغة الإنجليزية. اضف الى كونها لغة القانون الاولى بالعالم. والله أعلم
غياب الإهتمام باللغات الوطنيّة يدفع الناس إلى التشبث بلغة مستعمريها. ولقد لا حظت أن أغلب المتفرنسين في المغرب والمشرق (ومن بينهم من يقيم في فرنسا منذ فترة طويلة) لايتقنون اللغة الفصحى ويتجاهلون حضارتهم، وهم في الواقع يتواصلون بلغة فرنسية سطحية مبسّطة لايتجاوز عدد مفرداتها خمسمائة كلمة، فيعيشون في حالة اغتراب نفسي عقيم، وكأنهم بدون لغة أم. أثبتت لي التجربة أن كبار المثقفين العرب ممن يتقنون اللغات الأجنبية بطلاقة، قراءة وكتابة، هم من في الواقع من الذين يعرفون تاريخ بلادهم ويتقنون لغتهم وهم حين يتحدثون مع الأجنبي تجده يحترمهم أشد الإحترام.فإتقان الفرنسية بحدّ ذاتها لايكفي إن لم يكن خلفه ثقافة ذاتية ووطنية. ومع ذلك تصرّ البرجوازية المغاربية والمشرقية أن تفرض على أبناءها مدارس فرنسية تدرّسهم مناهج غريبة عن مجتمعهم، لاناقة لهم فيها ولا جمل. ولو ساهمت البرجوازية العربية بدعم المدارس الوطنية لتطويرها وتحديثها وذلك لايمنعهم من تعلم اللغات الأجنبية. علماً أن الفرنسية فقدت الكثير من بريقها على حساب الانكليزية، حتى عقر دارها.