برلين: أكّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّه يرى إمكانية للمضيّ قدماً باتّجاه خفض حدّة التوتّر مع روسيا بشأن أوكرانيا، وذلك خلال جولة دبلوماسية مكوكية عاجلة قادته مساء الثلاثاء إلى برلين بعد أن زار كلا من موسكو وكييف.
وأجرى ماكرون الثلاثاء محادثات مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف، وذلك غداة عقده لقاء استمر 5 ساعات في الكرملين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في وقت يكثف فيه الغرب جهوده لخفض حدة المخاوف من احتمال غزو موسكو جارتها السوفياتية سابقاً.
وأفاد الرئيس الفرنسي أنّه بات يرى “إمكانية” لتحقيق تقدّم في المحادثات بين موسكو وكييف بشأن النزاع المشتعل في شرق أوكرانيا، بينما أعرب عن تفاؤله حيال وجود “حلول ملموسة وعملية” لخفض التوتر بين روسيا والغرب.
وقال ماكرون في مؤتمر صحافي مشترك أعقب محادثاته مع زيلينسكي “لا يمكننا التقليل من شأن لحظة التوتر التي نعيشها”.
وتابع “لا يمكننا حل هذه الأزمة عبر عقد محادثات على مدى بضع ساعات.. ستسمح لنا الأيام والأسابيع والشهور المقبلة بتحقيق تقدّم”.
ولفت ماكرون، الذي سيتوجّه إلى برلين للقاء قادة ألمانيا وبولندا، إلى أن بوتين أبلغه بأن روسيا “لن تكون مصدر تصعيد”، علما أنها حشدت أكثر من مئة ألف جندي ومعدات عسكرية عند الحدود مع أوكرانيا.
وبعد حصوله على التطمينات، وصل ماكرون إلى برلين عصر الثلاثاء حيث سيقدّم إيجازاً للرئيس البولندي أندريه دودا والمستشار الألماني أولاف شولتس الذي عاد لتوّه من واشنطن.
ويتوقّع أن يمثّل القادة الأوروبيون، الذين يجتمعون في إطار ما يعرف بصيغة فايمار، جبهة موحّدة.بدوره، أعرب زيلينسكي عن أمله في أن يمهّد اجتماع مرتقب الخميس في برلين لكبار المسؤولين الطريق لقمة تجمع قادة كل من روسيا أوكرانيا وفرنسا وألمانيا بهدف إعادة إحياء خطة السلام المجمّدة لوضع حد للنزاع بين كييف وانفصاليين تدعمهم موسكو.
من جهته قال بوتين، الذي طالب حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة بضمانات أمنية واسعة، بعد محادثاته مع ماكرون، إنّ موسكو “ستبذل كل ما في وسعها لإيجاد تسويات تناسب جميع الأطراف”.
وأشار إلى أن مقترحات تقدّم بها ماكرون بإمكانها أن “تشكّل أساسا لخطوات إضافية” باتّجاه تخفيف حدة الأزمة المرتبطة بأوكرانيا، دون أن يقدّم تفاصيل.
مقترحات فرنسية
وعرض بوتين مطالب اعتبرها الغرب غير مقبولة، تشمل منع أوكرانيا من الانضمام إلى الحلف الأطلسي وسحب قواته المنتشرة في شرق أوروبا.
وذكرت الرئاسة الفرنسية أنّ مقترحات ماكرون شملت تعهّد الطرفين عدم القيام بأي تحرّك عسكري جديد وإطلاق حوار استراتيجي وبذل جهود لإعادة إحياء عملية السلام الرامية لحلّ الأزمة الأوكرانية.
وأضافت أن اتفاقاً سيضمن انسحاب حوالى 30 ألف جندي روسي من بيلاروس مع انتهاء التدريبات العسكرية هناك في وقت لاحق هذا الشهر.
وشدّد الكرملين بدوره على أنه لم يكن ينوي قط نشر قواته بشكل دائم في بيلاروس.
ويواجه الغرب مهمة صعبة تتمثّل بإقناع زيلينسكي بالموافقة على أي تسويات.
وحدّدت كييف ثلاثة “خطوط حمراء” تقول إنها لن تتجاوزها من أجل التوصل إلى حل وهي: عدم تقديم أي تنازلات في ما يتعلق بسلامة الأراضي الأوكرانية وعدم الخوض في أي محادثات مباشرة مع الانفصاليين وعدم السماح بأي تدخل في سياستها الخارجية.
وتضغط موسكو على أوكرانيا لتقديم تنازلات للمتمرّدين المدعومين من روسيا والذين يقاتلون كييف منذ العام 2014 في إطار نزاع أودى بأكثر من 13 ألف شخص.
وتشير أوكرانيا إلى أن الكرملين يسعى لاستخدام الإقليمين الانفصاليين في الشرق ورقة ضغط لإبقاء كييف تحت هيمنة موسكو.
سفن حربية روسية
ونفت روسيا أن تكون تخطط لغزو جارتها لكنّ الولايات المتحدة حذّرت من أن موسكو حشدت 70 في المئة من القوات التي قد تحتاجها لتنفيذ توغل واسع النطاق.
وواصلت موسكو الثلاثاء تعزيز قواتها قرب أوكرانيا وأعلنت أنّ ست سفن حربية في طريقها من البحر المتوسط إلى البحر الأسود للمشاركة في مناورات بحرية دولية مقررة مسبقاً.
بالمقابل، قال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف لقناة تلفزيونية محلية إنّ كييف تخطّط لإجراء تدريبات خاصة بها تستخدم خلالها صواريخ مضادة للمدفعية زوّدها بها الغرب وطائرات قتالية مسيّرة تركية، وذلك ردّاً على التدريبات الروسية-البيلاروسية.
من جهتها، أعلنت الدنمارك الثلاثاء أنها ستعزز جهوزيتها العسكرية ردّا على “الضغط العسكري غير المقبول” لروسيا على أوكرانيا، وذلك عبر وضعها كتيبة في حالة تأهب.
وقالت وزارة الدفاع الدنماركية إن الجيش “سيعزز جهوزية الكتيبة القتالية الموضوعة في تصرف الناتو لتكون متاحة (حال استدعت الحاجة) في غضون يوم إلى خمسة أيام”، مقارنة مع الفترة العادية والبالغة 30 يوماً.
كما وصلت أول دفعة من القوات الأميركية لدعم قوات الحلف الأطلسي في جناحه الشرق إلى رومانيا، وفق ما أعلنت بوخارست الثلاثاء.
وكثّف الرئيس الأميركي بايدن الضغط على موسكو بتحذيرها من أنّه “سينهي” خط أنابيب الغاز المثير للجدل الرابط بين أوروبا وروسيا “نورد ستريم 2” إذا غزت روسيا جارتها.
وكان إعلان بايدن خلال مؤتمر صحافي مع المستشار الألماني أولاف شولتس الأكثر صراحة حتى الآن بشأن مصير خط الأنابيب الضخم، الذي استكمل بناؤه لكنه لم يبدأ بعد بنقل الغاز الطبيعي.
لكنّ شولتس تجنّب الإدلاء بتصريحات مباشرة واكتفى بالقول إنّ برلين “تقف صفاً واحداً” مع واشنطن في استعدادهما لفرض عقوبات واسعة على روسيا، رافضاً الإشارة إلى خط الأنابيب بالاسم.
وسيزور شولتس موسكو وكييف الأسبوع المقبل لإجراء محادثات مع كل من بوتين ونظيره الأوكراني.
(أ ف ب)