ماكرون يزور المغرب بعد شهر لـ«ترسيخ إعادة إطلاق العلاقات الثنائية» بعد فتور طويل

آدم جابر
حجم الخط
0

في اليوم التالي لتغيير موقف باريس حيال ملف الصحراء الغربية، حصلت شركة الهندسة الفرنسية «إيجيس» على عقد ينص على تمديد خط القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش.

باريس ـ «القدس العربي»: «بهدف ترسيخ إعادة إطلاق العلاقات الثنائية بين باريس والرباط بعد فترة فتور طويلة» سيُقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة دولة إلى المغرب في نهاية تشرين الأول/اكتوبر المقبل، استجابة لدعوة وجهها له العاهل المغربي الملك محمد السادس، وفق ما أعلن قصر الإليزيه.

الرئاسية الفرنسية قالت إن العاهل المغربي أشاد في رسالة الدعوة إلى الرئيس الفرنسي بـ«الآفاق الواعدة التي ترتسم لبلدينا». وقال إن هذه الزيارة ستكون «فرصة لمنح الشراكة الاستثنائية رؤية متجددة وطموحة تُغطي عدة قاطعات استراتيجية وتأخذ في الاعتبار أولويات البلدين».
وقبل استقباله ماكرون نهاية الشهر المقبل، يفترض أن يُشارك محمد السادس في قمة المنظمة الدولية للفرنكوفونية التي ستعقد بفرنسا، يومي الرابع والخامس تشرين الأول/اكتوبر المقبل، وسيجريان مباحثات ثنائية، وفق وسائل إعلام في البلدين. وستركز القمة على موضوع: «الإبداع والابتكار والتنفيذ باللغة الفرنسية». والدعوة موجهة إلى جميع الدول الأعضاء والمناطق الـ 54 تقريبًا، بالإضافة إلى ممثلي الدول الشركاء والمراقبين الـ34.
تُعد مشاركة العاهل المغربي في هذه القمة التي ستحتضنها فرنسا إشارة قوية تعكس حسب مراقبين ومحللين، نوعية العلاقة الحالية، بعد أن فتحت فرنسا الطريق أمام دفء العلاقات الثنائية. ففي رسالة وجهها إلى العاهل المغربي بمناسبة عيد العرش، يوم 30 تموز/يوليو، عزز ماكرون دعم باريس لخطة الرباط في منطقة الصحراء الغربية تحت سيادتها، معتبرا إياها «الأساس الوحيد» لحل الصراع المستمر منذ ما يقرب من 50 عاما، من دون الاعتراف صراحة بـ«مغربية» الصحراء. وردّ العاهل المغربي على رسالة ماكرون برسالة رحبّ فيها «بالموقف الواضح والقوي الذي تبنته فرنسا». وقال إنه من خلال الاعتراف للمغرب «بأسانيده القانونية وحقوقه التاريخية، تساهم فرنسا في تعزيز الدينامية الدولية التي تدعمها، بالفعل، العديد من البلدان، من أجل وضع حد لنزاع موروث من حقبة أخرى».
اعتبرت الخطوة انتصاراً دبلوماسيا للرباط، التي كانت قد حصلت قبل ذلك على تأييد كل من واشنطن وبرلين ومدريد التي سبقت باريس إلى تأييد الخطة التي طرحتها الرباط عام 2007 وتقترح فيها منح المستعمرة الإسبانية السابقة حكما ذاتيا تحت سيادتها.
وقد أثار هذا التحول في الموقف الفرنسي من هذه القضية الحساسة غضب الجزائر، الداعمة الرئيسية لجبهة البوليساريو التي تطالب بإجراء استفتاء لتقرير المصير. واستدعت على الفور سفيرها لدى باريس، ما أدى مرة أخرى إلى إغراق العلاقات الثنائية في حالة من الاضطراب.
ففي السنوات الأخيرة، عانت فرنسا والمغرب من أزمة تلو الأخرى. فقد أدى حديث بعض وسائل الإعلام الفرنسية عن استخدام المغرب برنامج «بيغاسوس» للتجسس في فرنسا، إلى أزمة بين الرباط والإليزيه. كما شعر المغاربة بالإهانة بسبب القيود المفروضة على منح تأشيرات السفر إلى فرنسا، للضغط على الرباط والجزائر وتونس من أجل التعاون بشكل أكبر في مسائل الهجرة غير النظامية. كما أن سياسية التقارب التي بدأها الرئيس الفرنسي مع الجزائر، في حين قطعت الأخيرة علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في عام 2021 أثارت بالفعل غضب الرباط إلى أقصى حد، حسب مراقبين. وعندما ضرب أكبر زلزال في تاريخ المغرب الأطلس الكبير، في أيلول/سبتمبر عام 2023 تجاهل المغرب المساعدة التي قدمتها فرنسا، مفضلاً دولة قطر أو حتى إسبانيا، في خطوة تقفت عندها وسائل الإعلام الفرنسية بشكل واسع منتقدة تارة للتعامل المغربي، وأخرى سياسة ماكرون تجاه حليف تقليدي مثل المغرب والتي أدت إلى توتر العلاقات في السنوات الأخيرة.
وبدأ هذا الدفء الدبلوماسي مع المغرب من خلال عدة زيارات وزارية في الأشهر الأخيرة، والتي كانت بمثابة مقدمة لزيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس ماكرون نهاية الشهر المقبل. في هذا الإطار، أجرى الرئيس الفرنسي في آب/أغسطس الماضي مباحثات مع رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، على هامش احتفالات الذكرى الثمانين للنزول في بروفانس، حيث أشادا «بالصداقة وعمق الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين باريس والجزائر». كما اتفقا على العمل على خريطة طريق ثنائية طموحة من شأنها الارتقاء بالعلاقة الفرنسية المغربية إلى مستوى جديد من الطموح في المجالات الاقتصادية والفلاحية والطاقة وكذلك الثقافية والتعليمية. وحددا أن هذه الشراكة الاستراتيجية الجديدة ستركز على الشباب المغربي وشباب القارة الأفريقية. ويفتح الدفء الفرنسي المغربي آفاقا اقتصادية وتجارية جديدة أمام الشركات الفرنسية، التي ابتعدت عن الأضواء في السنوات الأخيرة في مواجهة تراكم الخلافات. كما أنه يعد بآفاق جديدة، خاصة وأن الصحراء الغربية، التي تتمتع بموارد كبيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تعتبر استراتيجية لتنمية المملكة.
ففي اليوم التالي لتغيير موقف باريس حيال ملف الصحراء الغربية، حصلت شركة الهندسة الفرنسية «إيجيس» على عقد ينص على تمديد خط القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش. كما تعد الصحراء الغربية، بمواردها الهائلة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، استراتيجية للتنمية الاقتصادية للمملكة، التي اتجهت بحزم نحو الطاقات المتجددة. ويأمل المغرب في وضع نفسه في سوق الهيدروجين الأخضر.
وتوجد شركات فرنسية هناك بالفعل، ولا سيما شركة الطاقة إنجي التي تعمل على بناء محطة لتحلية المياه ومزرعة للرياح. كما أن فرنسا لا تيأس من إعادة علاقتها مع الجزائر إلى مسارها الصحيح على الرغم من تفشي الحمى مرات عديدة. وقال إيمانويل ماكرون إنه عازم على مواصلة «عمل الذكرى والحقيقة والمصالحة» مع الجزائر بعد إعادة انتخاب نظيره عبد المجيد تبون في 7 ايلول/سبتمبر، ووجه له «أحر التهاني».
وبلغت التجارة بين البلدين رقما قياسيا بلغ 14 مليار يورو العام الماضي وهذه المصالحة تفتح الباب أمام التسارع. وتعد فرنسا المستثمر الأجنبي الرائد في المغرب، حيث إن جميع الشركات الفرنسية الكبرى تقريبًا ممثلة في المملكة، بالإضافة إلى ألف شركة فرنسية تابعة، بما في ذلك مصانع البناء والتجميع. ويعتبر المغرب المستثمر الأفريقي الأول في فرنسا، إذ ارتفعت استثماراته المباشرة من 372 مليون يورو عام 2015 إلى 1.8 مليار عام 2022.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية