عمان- «القدس العربي:» مسألتان في غاية الأهمية لا يمكن إلا رصدهما مع وصول الحوار السياسي بطبيعته في الداخل الأردني حول القانون الجديد للجرائم الإلكترونية إلى زوايا حرجة لها علاقة هذه المرة بسمعة البلاد في الخارج، وما سبق أن سمّاه الناشط الحقوقي اعاصم العمري، بمراجعات الأردن مع الدول الصديقة والحليفة ومع منظمات المجتمع الدولي المهتمة بالحريات العامة وحصراً بحرية التعبير. المسألة الأولى، بروز “استدراكات وتوضيحات وشروحات” من بعض موظفي المؤسسات “السيادية” عابرة للحكومة الصامتة.
والثانية هي تلك المتعلقة بمعطيات الاشتباك بخصوص القانون نفسه مع “الدول الحليفة والصديقة والممولة”.
العمري كان قد حذر مبكراً عبر “القدس العربي” قبل أن يصوت مجلس النواب ومعه الأعيان لصالح القانون الجديد المثير للجدل والغضب والسخط والانتقاد من أن ثمة مراجعات تجري الآن وتوقيتها على طاولة الحدث بين الأردن وشركاء في دول الاتحاد الأوروبي أو في المجتمع الدولي. وهذه المراجعات مرتبطة بمسار تسويق وترويج الرؤية التحديثية والتمكين الاقتصادي في البلاد.
لذا، توقيت القانون كان غريباً جداً، لا بل يؤثر سلباً من حيث مصداقية النهج والخطاب ومسارا التحديث والتمكين. وكانت تلك إشارة مبكرة من حقوقي أردني مطلع وخبير ويجلس على طاولة بعض تلك المراجعات وعلى صلة، لكن يبدو أن بعض المسائل برزت مؤخراً في سياق هذا الجزء من الحوار الأردني الصاخب داخلياً.
في مسار المستجد الأول على النقاش، برزت ملامح “حملة علاقات عامة” لتجميل صورة القانون والإيحاء بأنه لن يؤثر على سمعة الدولة. تمثل ذلك بالإشارة لإمكانية تعديل القانون الحالي المثير للجدل مستقبلاً. وهي مسألة يبدو أنها سمعت أو نقلت على لسان وزير الخارجية أيمن الصفدي وبعض الموظفين في حلقات استشارية واجبها تزويد مركز القرار بـ “وقائع الحال”. تلك محاولة لـ “تزويق التشريع” الذي استفسر عنه حتى نخبة من سفراء الدول الأوروبية الصديقة و”الممولة” على هامش لقاء قبل يومين.
السياسي والبرلماني الأردني الدكتور ممدوح العبادي، نصح مجدداً عبر “القدس العربي” بأن “وضع الماكياج” على نصوص قانون أثار الانقسام قد لا يمثل الخطوة الأفضل أو المنتجة، مقترحاً مجدداً “التريث” والاستثمار في النص الدستوري الذي يمنح القصر 6 أشهر قبل تقرير مصير التشريع.
حالة التسرع في إقرار القانون سينتج عنها بكل حال المزيد من اللغط وسلسلة تداعيات اجتماعية. يوافق العبادي على هذا الاستنتاج الذي تبناه علناً في رسالة لـ “صاحب القرار” الناشط النقابي أحمد أبو غنيمة، عصر الخميس. ولاحظ المتابعون في وزارة الخارجية وبعض المقرات الإدارية العليا ارتفاعاً في نغمة الإيقاع التي تتحدث مبكراً عن إمكانية تعديل نصوص القانون مستقبلاً.
وتلك إشارة مبكرة الى أن التقييم الختامي بعد صدور القانون وعبوره من مرحلتين دستوريتين، يمكن أن يكون خاضعاً للتعديل. بمعنى، أن القانون بصيغته الحالية قد لا يخدم الأهداف التي وضع من أجلها وإذا كان يخدمها بتصور مركز التوجيه في الدولة، فإنه قد يحيد عن خدمة هذه الأهداف عند التطبيق، أو تبدو كلفته عالية في الداخل والخارج. ومن هنا يتحدث بعض الموظفين اليوم عن مراجعة محتملة للقانون، لكن بعد دسترته وإقراره، وعلى أساس أن التجربة والبرهان هما الأساس للتعامل مع قانون تقني الطابع قابل للتغيير والتبديل والتطور، بحكم أنه يتعامل مع تحديات لا يعرفها العالم مسبقاً عبر الشبكة الافتراضية.
وفي باب “التزويق” المشار إليه محاولات للتأكيد بأن تطبيقات القانون الجديد سيكون لها بالنسبة لصناع القرار التنفيذي مساحة محددة غير مرتبطة بتقييد حرية الصحافة والإعلام؛ بمعنى أن المقصود في النصوص المشددة والغليظة هو من وصفهم نائب رئيس الوزراء يوماً توفيق كريشان، بأنهم المسيؤون عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
تلك أيضاً ضمانة بدأت تحاول تسويقها وتزويقها الحكومة في الداخل والخارج، وهي ذريعة وحجة أساسها تخفيف حدة انفعال مؤسسات الإعلام الرسمي والمنهجي والمهني تجاه نصوص القانون والتحدث عن تحكم ما بتنفيذ بنود القانون لاحقاً.
طبعاً، لا أحد يستطيع تقديم ضمانات منتجة وفعالة هنا. وإن كان رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة تحدث تحت قبة البرلمان عن فكرة من هذا النوع، فإن الخلل يظهر بأن الحكومة ضمنياً سعت وبحماسة للعبور بتشريع جديد يحتوي على قيود، ثم بدأت تقول للأوساط المهنية والإعلامية والدبلوماسية القلقة جداً من تطبيق القانون، إنها لن تطبقه بصورة تمس الحريات العامة. ذلك “تنميط” لنصوص متشددة لا يمكن ضمان حسن تنفيذها واقعياً، وإلا تورطت السلطة بـ “الانتقاء”.
في الخلاصة: يبدو أن هذه التطورات في اللغة واللهجة ليست أكثر من محاولة للإيحاء مسبقاً بأن القانون الجديد سيتم المصادقة عليه وسيصبح واقعاً قريباً. وليست إلا محاولة لتزويق نصوص القانون التي تنطوي على غرامات غير مسبوقة وتعسف ولا يمكن الانتقاء بتطبيقها هنا أو هناك. لكن الضجة في الداخل والخارج دفعت باتجاه مثل هذه المقاربات وبعض الأفكار التجميلية مثل الانتقاء في استخدام نصوص القانون بعد سريان مفعوله، وعقد دورات تثقيفية لجهاز مختص للتعامل مع تطبيقات هذا القانون.
ما وصفه المحامي المختص محمد طقاطقة على هامش نقاش مع “القدس العربي”، هو تعبير عن محاولات منهجية عند حالة التقاضي للتعامل مع روح القانون ونصه، بما يضمن الإنصاف والعدالة للجميع، وحل الإشكال ومواجهة الانتهاك والجرم في الوقت نفسه. وهو أمر يقرب طقاطقة بأنه يحتاج إلى مزيد من الاحتراف والتدريب، وإن كان العمري يرى بأنه يحتاج إلى موارد مالية وكوادر متخصصة.