عمان- «القدس العربي»: كشف النقاب في الأردن ضمن سلسلة من الترتيبات المالية ظهر أمس الثلاثاء، عن التمكن من تحويل وديعة إماراتية في البنك المركزي بقيمة 350 مليون دولار إلى قرض ميسر بعد تمكن وزارة المالية وإثر التفاوض مع أكثر من 100 مستثمر ضخم وكبير في العالم من شراء سندات يورو بقيمة 650 مليون دولار.
الهدف من هذه الإجراءات هو ما كان يقوله للنواب والأعيان ومن يقابله من المختصين وزير المالية الدكتور محمد العسعس، عن حاجته الملحة لـ»مليار دولار» وبسرعة لتحقيق التوازن المطلوب في مالية الدولة والحصول على فسحة من الوقت بعدما برزت ملامح التحديات المالية وليس الاقتصادية.
أغلب التقدير أن الأردن تمكن في ظرف صعب من المتاجرة بتلك السندات وبمبلغ كبير في وقت توقفت فيه على المستوى العالمي كل عمليات بيع وشراء السندات واستثمارات الإقراض، وذلك على الأرجح بعد أو بموازاة التمكن بنفس الوقت من تجاوز الجولة الرابعة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وبأقل الخسائر السياسية والاقتصادية وبنسبة اقتراض بسقف معتدل، على أمل إجراء عملية جراحة سياسية مالية تتمكن فيها المملكة من تجاوز العواصف والهزات التي تجتاح الأسواق المالية العالمية، خصوصاً بعد الحرب على أوكرانيا وعامي الفايروس كورونا، وحالة الاضطراب الناتجة عن ارتفاع نسبة التضخم حتى في أغنى البلاد.
عملياً، تسلل الأردن عبر علاقاته السياسية الإيجابية مع الإمارات وبعد جهد كبير لإقناع أبو ظبي بتحويل وديعتها إلى قرض ميسر وبنسبة فائدة صغيرة، وهو إجراء تعقد الآمال في عمان على إمكانية تكراره مع ودائع خليجية أخرى على هامش لقاء الرئيس الأمريكي المنتظر جو بايدن مع قادة المنطقة في وقت قد يكون قريباً، حسب آخر المعلومات والمعطيات.
الاعتقاد سائد في عمان بأن الدور الأردني ضمن هوامش القمة الأمريكية مع قادة المنطقة حتى وإن كان عنوانها الأساسي ترتيبات محتملة ضد إيران يمكن أن يستثمر ضمن مناخ المشاورات الأمريكية العربية ليس لتعزيز إمكانات الأردن الاقتصادية والمالية، لكن لتوفير الحماية قدر الإمكان لاقتصاد الأردني.
عنوان مساندة الأردن والبقاء في مستوى التمكين يتحدث عنه سفراء غربيون متعددون في المرحلة اللاحقة، ويبدو أن السفارة الأمريكية في عمان تنشغل بإظهار اهتمام إدارة بايدن بالاستقرار العام في الأردن في المرحلة الحالية واللاحقة الصعبتين.
كما يبدو أن السفارة البريطانية أيضاً سعت خلال الأيام القليلة الماضية إلى توجيه رسائل إلى بعض النخب الأردنية خلف الستارة بعنوان التأكيد على رغبة بريطانيا بالمساعدة بالرغم أو بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي في ترتيب خاص يريد طمأنة الأردنيين على أن مشكلات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي لم تضر بهم أو يفترض ألا تضر. عملياً، يبقي ذلك واشنطن الطرف الوحيد الذي يخصص مساعدات مالية مباشرة للأردن بقيمة مليار و650 مليون دولار.
وهو حسب تفسير أوساط قريبة من رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، العنصر الأساسي الذي يمنع انفتاح الأردن اقتصادياً على القطاعات السورية تحديداً، لأن قانون قيصر الأمريكي لا يسمح بذلك، وان كان قد منح الأردن بعض الاستثناءات في استيراد بعض السلع السورية.
يعني ذلك أن المساعدات الأمريكية المالية المضمونة بيد الأردنيين تمنعهم من اختبار مصالحهم مع السوق السورية بسبب تطبيقات قانون قيصر التي وصفها أحد المسؤولين بأنها تعمل بنظام الأوتوماتيك، فهي تضع أي طرف بقائمة سوداء مؤثرة إذا ما حصل أي تعاون اقتصادي مباشر وغير مصرح به أمريكياً.
وعمان بهذا المعنى، يشكل قانون قيصر عليها قيوداً عندما يتعلق الأمر بأي انفتاح اقتصادي تحت عنوان الاستيراد والتصدير مع سوريا. في المقابل، ينقل عن السفيرة البريطانية في الأردن والتي تسلمت مهامها مؤخراً الإشارة إلى أن لندن تريد أن تكون بجانب عمان قدر الإمكان إذا اضطربت في المنطقة الأحوال بسبب تصعيد عسكري من أي نوع بين إيران وإسرائيل، الأمر الذي يعتقد أنه وبالتقدير البريطاني الدبلوماسي، قد يؤدي إلى خلخلة المصالح الأردنية في السوق العراقية تحديداً وتجميد رهانات التكامل الأردنية ولو مؤقتاً أو مرحلياً مع مصر والعراق، أو قد يؤدي بالتقدير نفسه إلى حالة لا تضمن استمرار تدفق الصادرات الأردنية المحدودة إلى الضفة الغربية.
الطاقم الاقتصادي والمالي الأردني يقود هذه الاشتباكات بدعم وغطاء من المؤسسة الملكية وسط ظروف غاية في التعقيد، فيما قرر رئيس الوزراء علناً في البحر الميت الأسبوع الماضي أن حكومته ستتخذ القرارات والإجراءات بصيغة مسؤولة وبعيداً عن الشعبويات.
وهنا برزت داخل الحكومة قناعة بأن الحقائق والوقائع ينبغي أن يعلم بها الرأي العام، الأمر الذي يفسر موجة التصريحات الشفافة بخصوص أزمة المياه الوشيكة والاضطرار لرفع أسعار المحروقات شهرياً لاحقاً، والتي صدرت عن وزراء الداخلية والطاقة والمياه والصناعة والتجارة.
بوضوح شديد، سياسياً قرر الخصاونة عرض الحقائق أمام الرأي العام.
والهدف الذي لا تعلنه الحكومة في هذا التكتيك هو ضمان استمرار وجود سيولة مالية مخصصة لدفع الرواتب، بما في ذلك رواتب التقاعد.
وذلك لا يعني وجود أزمة رواتب الآن، لكن السلوك الاحتياطي الوقائي هو الذي يدفع كبار المسؤولين الأردنيين للتجول بين الكمائن والألغام السياسية في الإقليم لضمان عدم الانهيار أو تراجع تحت السيطرة للاقتصاد، فيما تستفيد الحكومة وطاقمها حتى اللحظة من تلك المناورات والمناولات والجملة التكتيكية المنتجة لمؤسسة القصر الملكي، لا بل لشخص الملك عبد الله الثاني الذي يقر الوزراء بأن حراكه مع قادة الدول للحفاظ على مصالح بلاده تمكن بعض الوزراء من تحقيق بعض المكاسب.
حصل ذلك مع الأمريكيين ومع دول من بينها العراق ومصر والإمارات، ويحصل في المنطقة المختصة بإدامة الحوار مع الأوروبيين رغم انشغالهم الشديد بتحديات الحرب في أوكرانيا.