مان بوكر البريطانية

من ضمن الروايات التي ظهرت في القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر البريطانية، التي أعلنت الأسبوع الماضي، رواية للكندية المخضرمة، مارغريت أتوود، وأيضا رواية جديدة لسلمان رشدي، وأخرى باسم «الوصية» للكاتبة التركية التي نعرفها جيدا وقرأنا لها كثيرا إليف شافاك، ولفت نظري وجود رواية اسمها «أوركسترا الأقليات» وهي الرواية الثانية للكاتب النيجيري الجديد شوزي أوبيامو، بعد روايته «الصيادون»، التي كانت في القائمة ذاتها منذ سنتين تقريبا، ونقلت للعربية، لتصدرها دار جامعة حمد بن خليفة في العام نفسه.
دخول سلمان رشدي أتى بعد غيبة طويلة عن دروب هذه الجائزة، وكان من أوائل الذين حصلوا على مان بوكر، منذ سنوات طويلة بملحمة الهند الكبيرة «أطفال منتصف الليل» التي حصلت أيضا على جائرة أفضل رواية نالت جائزة مان بوكر، وتسمى «بوكر البوكرز».
مارغريت أتوود، بالطبع كاتبة معروفة لها روايات كثيرة، وتكتب وما تزال بالروح نفسها، ومان بوكر ليست غريبة عليها، وقد حصلت روايتها «القاتل الأعمى» على الجائزة منذ تسع سنوات تقريبا، وكان رواية ملحمية متشعبة، وجميلة.
إليف شافاك، كاتبة معروفة وغزيرة الإنتاج جدا، وأظن مشروعها، عبارة عن هم كتابي متواصل، من دون ضرورة لالتقاط الأنفاس، خاصة أن قراءها في تزايد، وتلك الملاحم التي تكتبها عن تاريخ الأتراك وجغرافيتهم، والمسارات الاجتماعية في بلادها، قطعا تستهلك زمنا من البحث وإعادة الصياغة، وكل حيل الكتابة، وأظن روايتها «قواعد العشق الأربعون» التي تعرضت فيها للتجربة الصوفية بأسلوب جيد، قد قربت منها القراء كثيرا، ويعتبر العرب من قرائها المخلصين، حيث تنشط الترجمة لأي عمل تكتبه، فورا ويحقق مبيعات كثيرة.
حقيقة لم أسمع باسم أليف شافاك في قائمة البوكر من قبل، ولا أدري إن كانت قد دخلت تلك القوائم أم لا؟ لكن دخولها الآن يؤكد فائدة المثابرة الجادة في الكتابة، على لفت النظر التكريمي، وليس القرائي الذي لا يحتاج لجائزة ليترسخ، ولدينا نماذج كثيرة من الكتاب في الوطن العربي، كتبوا وأخلصوا وانتشروا بين الناس، ولم يحصلوا على جائزة كبرى، ومنهم من اقتنع بجائزة القراء التي هي قراءته باستمرار، ومنهم من لا يزال متحمسا ويعتقد جازما أنه سيحصل على جائزة يوما ما.
لذلك بالنسبة لإليف وسلمان رشدي ومارغريت أتوود، تبدو المسألة سباقا عاديا في خضم جائزة عادية لاثنين، لأنهما نالاها من قبل، وعادية للثالث، لأن ما أنتجه، تعجز عن حصره الجوائز.

عالم الجوائز ممتع للكتاب والكتابة، وهذا ما نراه كثيرا. أي جائزة مهما كانت صغيرة أو ضعيفة، هي جائزة قيمة، وحين يجد أحدهم نفسه مع مارغريت ورشدي، وإليف شافاك يتنافسون على الجائزة نفسها، قطعا يحس بأنه كبر كثيرا.

بالنسبة لأوبيامو، النيجيري الشاب، أعتقد أنه من نمط كتاب تتعرف إليهم الجوائز من الوهلة الأولى، أو لنقل من الرواية الأولى، وهذا نمط موجود، وغالبا صاحب موهبة وحظ معا، لأن الموهبة وحدها أحيانا لا تكفي لتضع أحدهم في المكان الصحيح، الذي ربما يظل يبحث عنه سنوات طويلة، ولا يجده. أيضا الحظ قد يضع عديمي الموهبة في درب جيد، ربما يقود لحظوة ما، لكن إن لم تصحبه موهبة، سيظلون في الدرب بلا خطوات تذكر،
نمط أوبيامو موجود لدينا أيضا، وهؤلاء تغيرت حياتهم تماما بعد الجوائز، ومنهم من أصبح نجما لامعا، واستمر في العطاء، ومن أصبح نجما لامعا، ولم يستمر بالحماس نفسه الذي بدأ به كتابته.
حقيقة لم أقرأ رواية «أوركسترا الأقليات» بعد، وإن كان اسمها يبدو جاذبا وربما يلمح لقضايا إقليمية أو عنصرية لا أدري، وربما مجرد اسم جميل وضعه الكاتب كحيلة للقراء، وهذا يحدث أيضا، لكن صادف وأن قرأت رواية «الصيادون» بناء على ترشيحات عديدة، وأيضا لأنها رواية أولى خاضت سباقا شاقا ووصلت للقائمة النهائية. وكان لديّ تصور آخر عن عنوانها، حيث لم أتوقع صيادين عاديين في بحيرة ما، وتوقعت خيالا أو مجازا للصيد، قطعا تبرزه الرواية.
الذي حدث أن الرواية كانت عبارة عن شقاوة إخوة تعرفوا إلى سكة بحيرة راكدة في بلدتهم، في غيبة والدهم الذي نقل للعمل في مدينة أخرى، وأخذوا يصطادون الأسماك الرثة، التي لا تغني عن شيء. الرواية تتحدث عن عالم البلدة الصغيرة وعالم الأسرة والأشقاء الخمسة، ومحاولات الأم إثناءهم عن ذلك الصيد العكر، بعد أن أبلغها البعض بوجودهم عند البحيرة، يحملون عدة الصيد. وأيضا بالتهديد بإبلاغ الأب حين يعود في إجازته، التي يحصل عليها كل عدة أشهر. وهذا ما حدث، وتدور الأحداث في قالب درامي جاد متصاعدة بعد ذلك.
الرواية كما قلت بدت لي عادية جدا، وحفلت بكثير من الأسماء، سوى أسماء الأماكن أو الناس، وبدا لي الحكي صارما بلا لمحة من طرافة أو سخرية، كما أن الحكايات لم تحمل في طياتها بعدا أسطوريا أو سحريا أتكئ عليه، وأنا من قراء الأعمال الأسطورية ومن كتابها، ولطالما أحسست بالملل وأنا أقرأ، لكنني أكملت القراءة، وأستطيع القول بحياد أن رواية «الصيادون»، كانت رواية في مجملها جيدة، ودالة على الموهبة، خاصة في بعض الصياغات الفلسفية، والعلاقات الاجتماعية التي يكتبها المؤلف بوعي كبير.
وكما قلت، يبدو أن أوبيامو من كتاب الجوائز، وهذا ما ستوضحه ليلة الإعلان عن الفائز النهائي من أولئك الستة المرشحين، وحتى لو لم يفز، نستطيع القول إن جائزة البوكر تعرفت إليه وتعرف إليها، وسيأتي يوم يفوز بها.
عالم الجوائز ممتع للكتاب والكتابة، وهذا ما نراه كثيرا. أي جائزة مهما كانت صغيرة أو ضعيفة، هي جائزة قيمة، وحين يجد أحدهم نفسه مع مارغريت ورشدي، وإليف شافاك يتنافسون على الجائزة نفسها، قطعا يحس بأنه كبر كثيرا.

٭ كاتب سوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية