منذ أكثر من عقد يجري (كما يبدو)، وحسب (مصادر أجنبية) صراع خفي بين إيران وإسرائيل حول برنامج إيران النووي. وقد حان الوقت لفحص ثمار هذا الجهد وتحليل تأثيراته.
يمكن البدء بفحص برامج إيران النووية على مر السنين. كل شيء بدأ قبل خمسين سنة، في عهد الشاه الذي قرر بأن إيران دولة كبيرة بما فيه الكفاية كي تتحول إلى دولة عظمى نووية (ربما إلهام من إسرائيل، فقد توجه إلينا طالباً المساعدة). وبعد بضع جولات، بني هناك مفاعل نووي روسي على أساسات وضعها الألمان في بوشهر، وبدأ بتوفير الكهرباء في العام 2012. هذا هو المفاعل الأغلى في العالم (10 مليارات دولار)، الذي بني في مدينة ميناء بعيدة (حيث كان يجب نقل كل قطع المفاعل)، وهو يوفر الآن نحو 2 في المئة فقط من إجمالي إنتاج الكهرباء في الدولة.
يقع مكان المفاعل على ملتقى ثلاث صفائح تكتونية في منطقة معدة للهزات الأرضية. في العام 2013 توقف نشاطه لبضعة أشهر في أعقاب هزة أرضية بقوة 6.3 درجة على مقياس ريختر. وتستخدم إيران هذا المفاعل كذريعة لتخصيب اليورانيوم رغم أن اتفاقها مع روسيا يضمن تزويد جار للوقود اللازم لهذا المفاعل. وكذلك لمفاعلين آخرين مثله بدأت في بنائهما. من نافل القول اليوم أن إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية في المناطق الصحراوية الضخمة بإيران تجعل هذا المشروع زائداً.
يقول الإيرانيون إنهم بنوا مصانعهم لتخصيب اليورانيوم بهدف تشغيل المفاعل. يتضمن المصنع الموجود في نطنز نحو 5 آلاف جهاز طرد مركزي من الجيل الأول. جاءت المعرفة والمواد من باكستان التي سرقت المخطط الألماني من مصنع في هولندا. التقليد الإيراني للمخطط الهولندي غير ناجع وغير موثوق بشكل خاص. عدد المشاكل كبير، واضطر الإيرانيون إلى استبدال أجهزة طرد مركزي بوتيرة تبلغ 100 وحدة في السنة. وتعمل أجهزة الطرد المركزي في مجموعات (كل 164 جهازاً في مجموعة)، ووقف جهاز واحد من هذه الأجهزة يوقف نشاط المجموعة كلها. من هنا، فإن التوقفات بمثل هذه الوتيرة تقلص درجة نجاعة المصنع كله. لهذا، كان إنتاج اليورانيوم المخصب من مفاعل نطنز ضئيلاً؛ أقل من 1.5 طن من الوقود المخصب خلال سنتين. هذا في الوقت الذي يحتاج فيه تشغيل المفاعل إلى 40 طناً من الوقود في السنة. يمكن استخدام هذا اليورانيوم المخصب كمادة انطلاق لإنتاج سلاح نووي، قنبلتين تقريباً.
إذا كان هناك من يشك فيما يتعلق بنوايا إيران الحقيقية إزاء المعطيات أعلاه، فثم وثائق الأرشيف التي حصل عليها الموساد ونشر القليل منها. لقد كان لإيران برنامج منظم لإنتاج سلاح نووي. وتشير الوثائق إلى أماكن البحث، ومجموعات البحث، وأسماء المسؤولين وتفاصيل المعدات (حتى العام 2003). كذبت إيران في هذه المواضيع، لكنها ومن أجل الدقة التاريخية، ليست الدولة الوحيدة التي كذبت بهذا الشأن، كل الدول تقريباً فعلت ذلك.
منذ العام 2010 بدأت عملية تدريجية وبطيئة لإدخال فيروس متطور أعد للمس بأجهزة الطرد المركزي في نطنز. وكانت شيفرة الفيروس (التي كانت أطول بعشرة أضعاف من فيروسات أخرى) متطورة، الأمر الذي صعب اكتشافها. وقد تم تفعيلها على أجهزة حاسوب راقبت أجهزة الطرد المركزي من إنتاج إيراني. وفي حينه كان نشاطه عرضياً ولم يدمر أجهزة الطرد المركزي على الفور، بل أدى إلى تسريعها أو إبطائها، ثم إلى تلفها السريع. يشير مراقبو النووي إلى أنهم انتبهوا إلى وتيرة سريعة لتبديل أجهزة الطرد المركزي في نطنز (تم تركيب كاميراتهم في مدخل المنشأة)، وحسب تقديرهم، أكثر من ألف جهاز طرد مركزي تضرر إلى أن اكتشف الإيرانيون مصدر الضرر. توقف المفاعل فعلياً عن العمل لسنتين. ويمكن وصف خيبة أمل الإيرانيين إلى أن اكتشفوا المصدر. وهذا أبطأ إيران وساعد في إقناعها في التوقيع على الاتفاق النووي. وهناك من يعتقدون بأن هذا كان الهدف الأساسي لفيروس “ستوكسيند”.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تركيب أجهزة الطرد المركزي وإجراء ميزانية ديناميكية لها يقتضي دقة شديدة وعملاً في ظروف “غرف معقمة”. ويحتاج المبنى الذي تم تدميره إلى سنة على الأقل لإعادة ترميمه. وبناء على ذلك، يقدر وقت ضرر البرنامج النووي الإيراني بسنتين على الأقل. لا شك في أن العمليات السرية هذه أوقفت البرنامج النووي لعدة سنوات، أي تأجيله لا إنهاؤه.
بقلم: عوزي ايفن
هآرتس 5/8/2020