في 13 آب – أغسطس الجاري 2020، فجأة وبدون سابق إنذار خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليعلن التوصل إلى أتفاق «سلام تاريخي» على حد قوله بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. وعلى الرغم من أنه مازال بصيغة بيان مشترك وأن صفة الاتفاق ستطلق عليه بعد توقيعه لاحقا في البيت الأبيض إلا أنه قال إنه أنجاز ضخم جدا من شأنه أن يعزز السلام في الشرق الأوسط، وأصفا أياه بأنه نتاج دبلوماسية جريئة وشجاعة من الطرفين لرسم مسار جديد يفتح المجال أمام أمكانيات هائلة في المنطقة. وقد تمت تسميته (اتفاق إبراهيم) في إشارة ذات مغزى ديني لاعطائه نوعا من الهالة القُدسية والمباركة من أصل الأديان الثلاثة الإسلام والنصرانية واليهودية. في حين كان مكان الإعلان عنه في واشنطن يحمل دلالة انتخابية قبل بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية على الرغم من أن الناخب الأمريكي لا يهتم كثيرا بما يحققه الرئيس من نجاحات خارجية، لكنه يمكن أن تُحسب له نقطة به ضد المرشح بايدن. وبينما يستثمر فيه نتنياهو على أنه إنجاز تاريخي له سيضعه في مصاف مناحيم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، الذي وقع اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر في 17 سبتمبر/ايلول 1978، ومع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، الذي وقع اتفاقية وادي عربة مع الأردن في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994 فإن السؤال الذي يلح على الذهن هو: ما الاستثمار الذي يُراهن عليه صانع القرار الإماراتي من وراء هذه الخطوة؟
قد تكون لحظة إعلان الاتفاق مفاجأة في ظل الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة بصورة عامة والقضية الفلسطينية بصورة خاصة. فقد شهدنا فصول الهجوم اللاأخلاقي للإدارة الأمريكية الحالية على القضية المركزية حيث التنكر المقصود لقرارات الشرعية الدولية فيما يخص الأراضي المحتلة، والذي ترافق مع سلسلة من الإجراءات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي استهدفت فلسطين أرضا وشعبا وسلطة. يضاف إليها أشتداد الغطرسة الإسرائيلية بزيادة عدد المستوطنات والمستوطنين ورفض حل الدولتين، والإعلان عن خطط لضم أراض فلسطينية من الضفة وجميع أراضي غور الأردن ومياهه. لكن لا مفاجأة تُذكر في انزلاق صانع القرار الإماراتي إلى هذا الدرك الأسفل. فكل المؤشرات التي كانت تخرج من أبو ظبي باتجاه إسرائيل ذات كلف سياسية كبيرة ولم يجر التشاور حولها مع الجانب الفلسطيني مما أعطى انطباعا للمراقبين بأن هنالك تحركا ما يجري لتوطيد وتعزيز العلاقات بين الطرفين. كان هنالك العديد من المسؤولين من إسرائيل يزورون الإمارات وتُغطى زياراتهم في الإعلام الرسمي، وعُزف النشيد الإسرائيلي في أبو ظبي للمرة الأولى في البطولة العالمية للجودو قبل سنتين، وهبطت طائرات أماراتية في مطار بن غوريون تحمل مساعدات قيل إنها للشعب الفلسطيني، ثم تم الإعلان عن تعاون علمي وصحي وسياحي مع إسرائيل، وربما حصل أكثر بعيدا عن الإعلام. لذلك لم يعد في الإعلان الحالي من مفاجأة تذكر بعد كل هذا الإصرار على المضي في هذا الطريق.
القضية الفلسطينية قضية شعب هو الوحيد الذي يمتلك كل أوراق اللعبة وعوامل نجاح أو فشل أي مبادرة سلام
إن من أكبر الكوارث السياسية التي يرتكبها صانع القرار في العلاقات الدولية هو رسم اندفاعة سياسية لبلد لا يملك هو بيده عوامل نجاحها، بل إن عوامل النجاح تكون في أيدي الآخرين. فرسم خطة قائمة على الظن بأن من يملكون عوامل النجاح يمكن أن يُغيّروا ستراتيجياتهم مستقبلا فتصبح ملائمة لخطته هي أمية كبرى في الوعي والعمل السياسي. فالقضية الفلسطينية قضية شعب هو الوحيد الذي يمتلك كل أوراق اللعبة وعوامل نجاح أو فشل أي مبادرة أو صلح أو سلام، والدليل على ذلك إنها مازالت القضية الأبرز على الساحة الدولية منذ سبعين عاما. والدليل الآخر هو أن ما يسمى بالسلام الإسرائيلي – المصري، والسلام الأردني – الإسرائيلي، وحتى السلام الإسرائيلي مع السلطة الفلسطينية كلها لم تستطع تغيير قناعات الشعب العربي من المحيط إلى الخليج الذي حاصر بنود كل هذه الاتفاقيات وجعلها مجرد حبر على ورق. ماذا حققت اتفاقية كامب ديفيد على أرض الواقع؟ اسألوا شعبنا في مصر الذي مازال حتى اليوم يرفض التطبيع. ماذا حققت اتفاقية وادي عربة على أرض الواقع؟ اسألوا شعبنا في الأردن الذي مازال يرفض أي إشارة باتجاه التطبيع. وماذا حققت اتفاقية أوسلو على أرض فلسطين؟ اسالوا شعبنا في فلسطين الذي يمزق يوميا كل حرف فيها. وعليه فإننا أمام خطوة قام بها صانع قرار سياسي لا يملك أيا من عوامل إنجاح خطوته. إنه بنى فعله السياسي في الاتفاق مع العدو على تمني زرع اليأس في نفوس شعبنا في فلسطين والأمة العربية بهذه الخطوة، وتوقع بأن يجنح الفلسطينيون والعرب إلى الاستسلام وتخويله باستثمار ملف القضية الذي في أيديهم كي يستغله هو ضدهم وهذا محال.
إن الغموض الذي يلف ما ورد في فقرة الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يعطي انطباعا بأن هنالك توظيفا لهذه العبارة لتبرير إقامة علاقات مع إسرائيل، كان يجري التحضير لها منذ سنوات وحتى قبل الإعلان الإسرائيلي عن سياسة الضم. بمعنى أن صانع القرار الإماراتي استخدم القضية الفلسطينية كورقة للتغطية على هذا التطبيع لا أكثر. لذلك تناقضت التصريحات بشأن هذه الفقرة. فالنص الذي أعلنه دونالد ترامب يقول إن إسرائيل وافقت على تعليق إعلان ضم أراضي الضفة الغربية في حين تقول الإمارات إنه إيقاف لمد السيادة الاسرائيلية على أراضي الضفة الغربية، بينما يقول نتنياهو سنبسط سيادتنا على أي بقعة نريدها في الضفة الغربية وأن الملف على الطاولة. مما يعني بأن الحديث الإماراتي عن تنازل وتضحية قامت بها من أجل القضية الفلسطينية هو مجرد هراء. ولو كان صحيحا لفعلت ذلك بالتنسيق مع الفلسطينين وليس بطعنهم في ظهورهم. وهذا ما يدفع باتجاه البحث عن المصالح المستقاة من هذا الاتفاق.
لقد تيقن النظام الرسمي العربي بأن بوابة الدخول إلى قلب صانع القرار الأمريكي هي إسرائيل ويبدو أنها أثبتت لهم ذلك لذا رأينا قادة السودان الجدد يستلقون بسرعة فائقة في أحضان نتنياهو كي ترفع الولايات المتحدة اسم بلدهم من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتسمح للبنك الدولي بإقراضهم. هذا مثال مازال طريا في الذاكرة، وصانع القرار الإماراتي ليس بعيدا عن هذا السياق فهو يبحث عن رصيد له في البيت الأبيض في ظل ترامب أو غيره. فكلا الحزبين يرعيان مصالح إسرائيل ومن يواددها أيضا. أما الهدف الآخر من هذا الاتفاق فهو الجانب الأمني بشكل رئيسي. فالمصالح الإيرانية داخل الإمارات المتمثلة بحوالي عشر مليارات دولار تجارة وثمانية آلاف شركة إيرانية، قسم كبير منها يعود إلى النشاط التجاري للحرس الثوري الإيراني، وحوالي نصف مليون مقيم إيراني كلها تعطي الجانب الأمني أهمية قصوى، لذلك يمكن أن يكون هنالك أعتماد كبير على إمكانيات الموساد الإسرائيلي في السيطرة على هذا الواقع. يضاف إلى ما تقدم الجوانب التكنولوجية والعلمية والصحية التي تسعى الإمارات إلى أن تكون رائدة فيها بالتعاون مع إسرائيل التي تعتبر من الدول المتقدمة في هذا الميدان.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية
” فإن السؤال الذي يلح على الذهن هو: ما الاستثمار الذي يُراهن عليه صانع القرار الإماراتي من وراء هذه الخطوة ؟ ” إهـ
الإستثمار هو بالسياح الصهاينة واستثماراتهم يا دكتور حفظكم الله, ولا حول ولا قوة الا بالله
هناك صفقة طائرات اف 35 الامريكية, لن تتم بدون هذا التطبيع!
وقد تكون هناك صفقة مباشرة مع الصهاينة في شراء منظومة القبة الحديدية ضد الصواريخ قصيرة المدى الإيرانية!! ولا حول ولا قوة الا بالله
إن أُريد فهم تطبيع العلاقات بين إسرائيل و الإمارات ، يجب بحث دور إيران و ما تسببت به سياسة تصدير الثورة من دمار و نزاعات و صراع في المنطقة منذ عام
و بعيداً عن خطاب الثوريات واضح أن الجانب العربي في الصراع أشبه بالمشلول و هناك دمار تراكم طيلة العقود السبعة الماضية