ما الذي أصاب التونسيين؟!

حجم الخط
16

حديث ليس في السياسة، غير أنه في النهاية قد يصب فيها. الحديث هو عن تراجع ملحوظ أصاب عددا لا بأس به من التونسيين في مزاجهم العام وحسهم المدني وأخلاقيات تعاملاتهم الاجتماعية.
من يسجل ذلك بحسرة هم في الغالب من التونسيين الذين يعيشون خارج الوطن فالغربة، كما يقال، لا تتيح فقط فرصة التعرف على شعوب وثقافات أخرى وإنما تسمح للمرء أيضا بأن ينظر إلى قومه ثانية بعيون مختلفة. بالتأكيد لو ظل هؤلاء المغتربون في تونس لما لاحظوا ذلك أصلا، أوعلى الاقل لما استهولوه بحكم أنهم كانوا سيكونون حكما هم أنفسهم جزءا منه.
أول ما يلفت الانتباه هو ذلك النفس المتوتر والعصبي وحتى العدواني الذي بات يطبع كثيرا من سلوكيات الناس في الشارع، ولأبسط الأسباب أحيانا. عدوانية تتجلى أكثر في السياقة، التي غالبا ما تعتبر مقياسا لدرجة تهذيب الناس وتقديرهم لبعضهم البعض، فنادرا للغاية أن تتوقف سيارة لترك المارة يقطعون الطريق حتى وإن كان من بينهم عجوزا أو طفلا أو إمرأة حاملا. لا أحد يتوقف ليفسح لك مجال العبور بسيارتك حتى وإن كنت في أمس الحاجة لحركة لطيفة لا تكلف شيئا، وإن فعلت فمن غير الأكيد أن يحييك الآخر امتنانا. عندما تضيء إشارة المرور الحمراء، من العادي جدا أن ترى خمس سيارات أو ثماني وحتى عشر يقطعونها بكل استهتار. الأنكى أنك قد تتعرض للسب والشتم إن أنت توقفت عندها، وقد تجد وراءك من تراه يكاد يطير من كرسي سيارته غيظا. الدخول في طريق ممنوع بات عاديا وقد تصبح أنت المذنب إذا لم تفسح الطريق لفاعله. سائق التاكسي هو من يقرر أن يقف لأخذك أم لا، ويجب أن تكون أنت في طريقه وليس هو من يتوجب عليه أخذك حيث تريد، كما من العادي جدا أن يشعل سيجارة حتى دون استئذان شكلي مغشوش للركاب. عدم احترام القانون صار سلوكا عاديا، وما من أحد يعبأ بالسلطات أو يخشاها، وفي بعض الاحياء يعتدي البعض على الرصيف لتوسيع مساحة بيته وكذلك يفعل أصحاب المقاهي والمطاعم في شوارع أحياء توصف بالراقية في العاصمة. قلة تحترم نظافة الشوارع، وذات المواطن الذي يشتكي من تقاعس البلديات وكثرة إضرابات عمال النظافة لا يتحرج من رمي الفضلات في أي مكان حتى وإن كان أمام بيت جاره!!
هذا في الشارع، أما في الادارات فقد تراجعت بجلاء قيم العمل والاخلاص فيه حتى بت ترى الموظف دائم التجهم ومتأففا، فيما يعمد بعض المراجعين بدورهم إلى اختلاق المشاكل والتعامل مع الموظف بقلة احترام. صار الخلوق والبشوش في تعامله مع الناس في الشارع والإدارة عملة نادرة. الكل على أعصابه والكل متحفز لمعركة في أي لحظة ظالما أو مظلوما!! حتى مظاهر التدين التي اتسعت هذه الأعوام الأخيرة من إطلاق اللحى وانتشار الحجاب لم تنعكس ايجابا على مستوى أخلاق الناس، مع أن الدين المعاملة.
من الظلم التعميم واعتبار كل التونسيين على هذه الشاكلة، ولكن لا مفر من الإقرار بأن هذا هو الجانب الظاهر منهم على الأقل، وبخاصة في تونس العاصمة. البعض يراه ظرفيا ومرتبطا بتراجع قبضة الدولة وهيبتها بعد ثورة 2011 … وآخرون يقولون إن العلة هي بالأساس في تنشئتنا وتربيتنا في البيوت والمدارس وأنه لا مفر من إعادة صياغة الحس المدني عند الناس كافة. قضية جديرة بالمتابعة والتمعن وقد قـُـــدمت عن قصد بلغة قاسية … عسانا نستفيق!!

محمد كريشان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول البشير زيتون. تونس( مقيم بابوظبي):

    وأنا اقرهذا المقال ،٤يخيل لي اني اقرأ نفسي : كلما نزلت بتونس ، نفس الانطباع، نفس المرارة، نفس الالم…ربما نحن المقيمين بالخارج تتاح لنا اكثر من غيرنا فرصة المقارنة والطلاع عل الاخر اكثر من ابناء وطنناالذين تاقلموا مع الرداءة وتعايشوا معها كأمر محتوم،،،وربما حبنا لهذا الوطن وايماننا به وتحسرنا على ضياع الفرصة وقدرة التونسي ، تجعلنا نتالم بل ونتعذب لما نراه من انحدار وتردي لقيم المدنية والمواطنة،،،،،، ويبقى هنا السؤال عن دور النخب وواجبها….؟؟؟؟

  2. يقول أبو أشرف ـ تونس:

    نظرة لاتخلو من مبالغة،وارتسامات استخلصت في زيارة (تبدو) قصيرة لمغترب يعيش بعيدا عن الوطن.هنالك شيء من الإنفلات،يعود بالدرجة الأولى إلى التخلص من استبداد غاشم دام أكثر من خمسة عقود،كممت فيها الأفواه،وسلبت الحريات ،وخربت فيها القيم والذمم في ظل رعونة بورقيبه وجاهلية بن علي.كما يعود الواقع الحالي خصوصا إلى الثورة المجيدة،الثورة الأم في الربيع العربي.والثورات الجاذرة تشبه الزلزال،بل تشبه أكثر السيل الجارف الذي يكتسح الغث والسمين.وما يشاهد في تونس اليوم من سلبيات متعددة لايعدو أن يكون كغثاء السيل.سيزول قريبا.وسنذكر بذلك لو ما زال في العمر بقية،وعلى صفحت القدس الغراء.وإن غداللناظره لقريب.

  3. يقول كمال رمضان:

    كل هذه السلوكيات السلبية موجودة منذ سنين و ليس لها أى صلة بالثورة.

  4. يقول حسن.ز.تونس:

    هذه ضريبة الحرية التي مست كل الميادين و خاصة الاعلام الذي كان بالأمس القريب لا يقول الا مديحا في رأس السلطة واليوم لا يكاد يمر يوم دون أن تقرأ أو تسمع نوادرعن هرم السلطة فضلا عن رسوم كاريكاتورية و*قلابس*على شاشات التلفاز.

  5. يقول يسران يسران من الاردن:

    للاسف صارت هذه اخلاق وتصرفات امة العرب والاسلام في كل اقطار العروبه فلا اخلاق ولا دين ولا تربيه ولا انتماء ولا ضمير تركناها للغرب فمل الصفات الحميده والطيبه فيهم من تسامح وتعاطف واحترام وطيبه وتربيه وحسن خلق وامة الاسلام والسلام والمحبة ابتعدت عنها ( رب رحمتك )

  6. يقول أبو أميمة تونس:

    سلوكيات مشينة فعلا تزداد قساوة في نظر من يرى أن علينا جميعا أن نرتقي بسلوكنا الجماعي و هو ما يبعث على الحيرة و الألم لما أصاب هذا السلوك من عدم اكتراث و رداءة و هذا الواقع المرير لا يجب لا محالة أن يحجب علينا الوضع التي تعيشه البلاد فهو وضع غير مسبوق فيه كثير من الإنتظار و الريبة و الشك و فيه أمل لا ينقطع بحيث يبدو الجميع في حالة عدم استقرارمما يجعل النفوس و السلوكات شاردة و غير ثابتة على الأصلح إنه سلوك جماعي يعكس هشاشة الواقع المعاش و إذا تفهمنا ما يصيب البلاد من عثرات هي لا محالة ستزول ,,,فأننا نصطف وراء الناس الذين لا ينقطع عندهم أمل و نقول أن هذه السلوكيات عرضية ليست من شيم التونسيين,,,,,

  7. يقول المملكة المتحدة:

    اهلًا بك في ليبيا . السيد كريشان وصف وبدقة متناهية حالة الفوضي التي تشهدها ليبيا. فعلاً الشعب العربي واحد. !!!!!!؟؟؟؟؟.

    1. يقول كمال التونسي ألمانيا:

      الإقتصاد لن يتحرك إلا بالعمل و العمل و ترك الخمول
      النظافة مهمة و مهمة جدا لصورة البلاد و صحة البشر
      في إحترام القوانين و الإشارات المرورية و إحترام الآخر و إحترام الإدارة وإحترام قدسية العمل هو إحترام لذاتك أيها المواطن
      فأنت في النهاية تبني وطنا لأبنائك
      أنا أقترح تشديد العقوبات الزجرية ( خطايا مالية ) فبعض النفوس لا تفهم إلا بالعصى وبدفع الخطايا
      شوارعنا عبارة عن فوضى من المزابل و السيارات المجنونة والباعة المتجولة و السلع المهربة أما نظافة المقاهي و المطاعم فحدث و لا حرج فمن شب على الوسخ يموت في بالوعة…..فلا نلقي اللوم فقط على الدولة…….كلما زرت تونس عدت مسرعا لألمانيا قبل إنقضاء عطلتي و هذا شيئ أتقاسمه مع الآلاف …..للأسف
      شكرا محمد كريشان فقد كتبت ما يعتمل في صدري تحية سيدي الكريم
      الإمضاء مغترب يعيش الغربة حينما يعود للوطن فقط

  8. يقول ملا حظ:

    واقع مؤلم لكن صحيح اجتاح حتي المساجد وما لم تره افضع سبحان مغير الطبائع

  9. يقول فتحى عبد العزبز:

    سيد كريشان, كانك تتحدث عن المغرب والجزائر والسودان ومصر وكل الدول العربية. كلهم من نفس الطينة فلا تاس على قومك, كلنا فى الهوا سوا

  10. يقول محمد:

    أصبح الأمر لا يطاق ! ما أحوجنا إلى سلطة تسهر على تطبيق القانون بواعز مدني وليس بفعل التهديد والخوف !

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية